الموضوع: أمة إقرأ
عرض مشاركة واحدة
قديم 03 / 01 / 2008, 46 : 11 AM   رقم المشاركة : [1]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


أمة إقرأ

"أمّة إقرأ".. آخر من يقرأ
التعليم للجميع بحلول عام 2015
اعداد غسان ابراهيم


مدير التحرير في صحيفة "العرب الاسبوعي" الصادرة في لندن


طالبت الامم المتحدة بتحقيق التعليم للجميع بحلول عام 2015 في جملة اهداف تنموية تبنتها واعتبرتها جزءا من "اهداف الالفية الجديدة". ولمتابعة هذه الاهداف اصدرت عدة تقارير كان احدثها تقريرها عن قضية نشر التعليم ومحو الامية (التعليم للجميع بحلول عام 2015) الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) في الاسبوع الماضي.
ويحلل التقرير التقدم المحرز في تحقيق الأهداف الستة للتعليم لجعله متاحاً للجميع، وتبرز من خلال سطور التقرير ان الدول العربية (بالرغم مما حققته من نجاحات) لا تزال غير معنية كثيرا بقضايا التعليم وان ما تحقق لا يزال دون الطموحات.
لقد صنفت الدول العربية مع دول جنوب الصحراء الكبرى والدول الفقيرة في ذيل قائمة الدول المعنية بتحسين التعليم في مراحل السن المبكرة (ما قبل المرحلة الابتدائية) حيث بلغت نسبة القيد الاجمالي فيها أقل من 30% ، اي ان معظم اطفالنا لا يحظون بفرصة التعليم، بينما حققت الكثير من دول العالم امثال ماليزيا واندونيسيا (التي كانت مصنفة على نفس المستوى مع دولنا في قائمة الدول النامية سابقاً) نسباً اعلى بكثير ايمانا منها بان تحقيق اي تنمية مستدامة يجب ان ينطلق من تحسين مستوى التعليم ابتداءً من مراحله الاولى. وكأن لسان حالها يردد المثل العربي "العلم في الصغر كالنقش على الحجر"، في الوقت الذي نسيته الدول العربية.
ولم يقتصر اهمال التعليم في مراحل ما قبل الابتدائي بل شمل التعليم الابتدائي والثانوي ايضا، إذ لم تفلح الدول العربية في رفع نسبة المقبلين على التعليم اكثر من (11.6٪) خلال الفترة (1999 -2005) مع الاخذ بالاعتبار ان الشعوب العربية أمة فتية ومعدلات الولادات فيها مستمرة في خط تصاعدي. اي بكلام اخر، ان النسبة سلبية لان متوسط الولادات في العالم العربي بحدود 5% سنويا وخلال تلك الفترة (6 سنوات) ارتفع معدل الاطفال الذين يحتاجون للتعليم بنسبة 30% بينما نسبة المقبلين على التعليم التي تحققت هي 11.6% أي ظل هناك حوالي 20% خارج التعليم.
بالمقابل حققت دول جنوب وغرب آسيا نسبة (9.4٪) والتي تبدو من الناحية الرقمية اقل من العالم العربي. بينما اذا اخذنا معدل الولادات بعين الاعتبار، ستنقلب المعايير رأساً على عقب ولتصبح هذه النسبة ايجابية واكبر من النسبة السلبية في العالم العربي. فكما هو معروف ان دول جنوب وغرب آسيا تعاني انخفاضا في معدلات الخصوبة، حيث يقدر معدل زيادة الاطفال بنسبة اقل من (1.5% سنويا) اي حوالي 9% خلال تللك الفترة (6 سنوات). وبالتالي فان نسبة المقبلين على التعليم 9.4٪ تعتبر نسبة ايجابية عندما تقارن مع معدل زيادة الاطفال 9% (خلال نفس الفترة) فالمحصلة هي ان كل الاطفال تلتحق بالمدارس.
واستطاع العالم العربي ان يحقق ارتفاعاً في نسبة محو الامية في الفترة (1995 – 2004). ولكن هذا الارتفاع لم يكن صافيا ايضاً، لان معدل النمو السكاني خلال تلك الفترة كان مرتفعا جداً فحول النسبة الى سلبية اي ان عدد من تم محو اميتهم اقل ممن دخل نادي الامية في العالم العربي. وبالتالي بقيت نسب قرائية الكبار (تعليم البالغين) أدنى من المتوسط العالمي حيث بلغت نسبة من يقرأ ويكتب في الدول العربية (قرابة 71٪).
أضف الى ذلك ان الحرمان من التعليم يزداد عند الفتيات اكثر من الصبيان إذ أن حوالي 40% من الفتيات في سن ما قبل الابتدائي في العالم العربي لا يتاح لهن الحصول على التعليم.
فلا تزال أوجه التفاوت متزايدة في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى والدول العربية وجنوب وغرب آسيا، وغالباً ما تكون لصالح الصبيان.
فالمرأة العربية تتحمل عبء الامية والجهل اكثر من الذكور، فهناك حوالي 74 متعلمة مقابل 100 رجل متعلم.
وبوجه عام، متى ما التحقت الفتيات بالتعليم، يكون أداؤهن أفضل من أداء الصبيان، فلا يزيد الرسوب بين الفتيات على الرسوب بين الصبيان في أي بلد من البلدان العربية والعديد من دول العالم امثال أمريكا اللاتينية والكاريبي أو في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية.
وتواصل الفتيات في المدارس العربية على نحو ثابت تفوقهن على الصبيان في مجال اللغات. ويتساوين مع الصبيان في التحصيل الدراسي في مجال الرياضيات. ولئن كان الصبيان متقدمين إلى حد ما في العلوم، فإن الفتيات يحرزن تقدماً تصاعدياً في هذا المجال.
ومع أن عدد الرجال والنساء الملتحقين بالتعليم العالي يتساوى في الدول العربية، فإن المتوسط المسجل على الصعيد الإقليمي يخفي انخفاضاً كبيراً في مشاركة الإناث في التعليم العالي في عدة بلدان، اضف الى ذلك ان بعض دول العالم العربي تحظى بعدد اكبر للنساء من الرجال في تعدادها السكاني، وبالتالي تساوي عدد الرجال والنساء في التعليم العالي لا يعكس حالة تساو وانصاف بين الرجل والمرأة.
وتعاني الشعوب العربية من نقص جودة التعليم بالاضافة الى نقص تعميم التعليم كماً. فمن استطاع ان يحصل على التعليم يفشل في الحصول على نوعية جيدة تتناسب ومتطلبات التنمية. فتكون نتائج التحصيل العلمي ضعيفة بالمقارنة بالمقاييس الدنيا المفترض تحصيلها، ففي تقييم قام المغرب به العام الماضي في إطار إصلاح قطاع التعليم تَبيَّن أن أقل من نصف التلاميذ حصلوا المستوى الأدنى للإتقان في العربية والفرنسية والرياضيات. فحال المغرب قد ينطبق على الكثير من الدول العربية التي تعاني من هذه الظاهرة. ويرجع محللون نقص جودة التعليم الى اسباب متنوعة منها، ان وقت التدريس الفعلي اقل بكثير من الوقت المخطط للتدريس حيث بلغت هذه النسبة اقل من 30% فقط.
وتدل الشواهد على أن تغيب المعلمين والتدريب أثناء اوقات الخدمة والإضرابات والنزاعات واستخدام المدارس وقاعات التدريس لاغراض اخرى في العالم العربي يمكن أن تقلل الوقت المتاح للتلاميذ للانتفاع بالتعليم.
وفي العديد من البلدان العربية، تبين ان الكتاب المدرسي غير متوفر ليس فقط للطلاب بل حتى احياناً للمدرسين فبين 25% و40 % من المعلمين ليس لديهم كتاب أو دليل يتعلق بالمواد التي يدرّسونها.
وكثيراً ما يشكّل التجاوز في عدد التلاميذ إلى المعلمين نسبة 1:40 عائقاً للتعليم، إذ يتكفل معلم واحد بتعليم اكثر من 40 طالباً في صفه مما يحول دون اعطاء كل تلميذ وقتاً كافياً للتأكد من انه يستطيع متابعة العملية التعليمية كما هو مطلوب منه.
والسؤال هنا: هل تنفق الحكومات العربية على التعليم كما ينبغي؟
وفق تقديرات "التقرير الاقتصادي العربي الموحد" الصادر عن امانة جامعة الدول العربية ومنظمات عربية اخرى يتبين ان متوسط ما تنفقه الدول العربية بالنسبة الى اجمالي الناتج القومي يتراوح بين 0.9% و 5% . فاذا ما نظرنا الى هذه النسبة بالمقارنة لوجدنا انها اقل من اغلب دول العالم المتقدمة والمتخلفة، ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بلغ متوسط نسبة النمو 5.5% أو أكثر في السنة.
ولئن اتخذت بعض الحكومات مبادرات ترمي إلى تخفيف العبء المالي على الأسر فيما يخص التعليم المدرسي، فالواقع أنه في كثير من البلدان مازالت الأسر ملزمة بأن تشارك إلى حد كبير في تمويل تعليم أطفالها، وبذلك تقل فرص الانتفاع بالتعليم بالنسبة لأكثر الأسر فقراً.
ويقدر الكثير من الباحثين الفجوة الزمنية التي تفصل العالم العربي عن العالم المتقدم بما لا يقل عن مئة عام (أي قرنا من الزمن) وذلك في حال التزام العالم العربي باهداف الالفية للتنمية المستدامة. ولكن المؤشرات التي في متناول اليد تبين أن العالم العربي سيكون غير قادر على استيفاء هذه الاهداف على مستوى التعليم وبالتالي لن يحقق باقي أهداف التنمية التي تستند اساساً على رفع العملية التعليمية. فان الحديث عن قرن من الزمن لسد الفجوة قد يصبح قروناً من الزمن وفق مؤشرات الجهل والأمية التي مازالت في أبسط صيغها.
وبينما بدأت الكثير من دول العالم النامية (التي انتهت من مكافحة الامية التقليدية) بالاهتمام والعمل على مكافحة أمية التكنولوجيا وتعلم عدة لغات، ولا سيما اللغة الانكليزية التي انتشرت في الكثير من الدول النامية التي أدركت أنها لا يمكنها أن تبقى على قيد البقاء دون مواكبة أحدث المستجدات والاندماج مع السوق العالمية من خلال اتقان اللغات واستخدام تقانة المعرفة. هذه الخطوة جعلت من تقانة المعرفة لغة العصر ومن دونها يعتبر الانسان أمياً في عصرنا هذا.

فاذا كانت "أمّة اقرأ" لا تقرأ هذه الأيام فمتى سيأتي اليوم وتقرأ!؟
الواقع الراهن يقول إنها في ذيل قائمة الأمم.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
  رد مع اقتباس