رد: سوريا وأزمة أعداء النظام !
كانت الماركسية - اللينينية تبشر بحتمية زوال النظام الرأسمالي في العالم وحلول النظام " الاشتراكي "
مكانه وأن هذا " الوحش " نظام غير عادل سوف يحل مكانه نظام أكثر رحمة وأكثر عدالة؛والطريق إلى
تحقيق ذلك كان يجب أن يمر بمراحل مختلفة تبدأ بنشر الوعي " الفكرة الأيديولوجية " عبر طليعة منظمة
أساسها العمال والفلاحين وتصبح قادرة على تنظيم الناس وتحريكهم ، يدعمهم في ذلك مجموعة من
( الفلاسفة والعلماء ) بمختلف مجالات العلم والمعرفة وقادرين على استشراف أفاق المستقبل لوضع أنجع الخطط للوصول إلى الهدف .
الغريب في الأمر ،أن أكثر الناس قدرة على التخيل ما كان أن يتوقع سقوط ذلك النظام وبتلك
السرعة برغم امتلاكه لأحدث منظومة صاروخية نووية قادرة على تدمير الكرة الأرضية 25 مرة ... !
لكن الاتحاد السوفييتي قد سقط . وكان المسمار الأول في نعش ذلك النظام يكمن بسبق
التسلح الذي جره إليه الغرب الرأسمالي أما المسمار الأخير فكان غزوه لأفغانستان
. لقد كان العام 1979 حافلا بالأحداث الكبرى في العالم وفي منطقتنا العربية ،
وأي باحث في هذا التاريخ سوف يخلص إلى فهم حقيقي لما جرى في تلك السنة
ويصبح باستطاعته يتمتع بفهم أوسع للتحولات التي هزّت العالم وساهمت مساهمة
كبرى في نجاح المشروع الأمريكي الصهيوني الذي بُدئ العمل لتحقيقه بعد الحرب
" الصدمة " حرب تشرين المجيدة التي كشفت هشاشة كيان العدو عند أول فعل
حقيقي قام به العرب وهو قرار الحرب .
كان من أولى الأهداف التي سعت أمريكا والصهيونية إلى تحقيقها بعد ذلك الزلزال هو
-
إخراج اكبر قوة في الوطن العربي "مصر" من ساحة الصراع وقوة التأثير بعد صلحها في كامب ديفييد
ومحاولتهما - أمريكا والصهيونية - إنقاذ حكم شاه إيران من السقوط ، أو السيطرة على الثورة الإيرانية
المتصاعدة " واحتوائها " عبر تقديم مساعدات خفية لبعض الشخصيات الإيرانية الفاعلة وخوفا من
تدخل الاتحاد السوفيتي إلى جانب قوى اليسار ولكن الثورة نجحت على أيدي لا يريدها الأمريكيين والروس معا ؛
لكن الأخيرة قامت بغزو لأفغانستان واقتربت الكتلة الشيوعية من مياه الخليج ومنابع النفط
المنطقة التي كان الغرب يحميها دائما بأحلاف عسكرية سقطت مع سقوط إمبراطورية تعلن
" فارسيتها " على لسان الشاه الساقط .
أميركا لم تنتظر ليصبح الوضع أسوأ فتركت لمخابراتها تقدير طريقة الرد على ذلك
العمل المزدوج : الثورة الإيرانية من جهة ، وغزو أفغانستان من قبل السوفيت من جهة أخرى ؛
وأمريكا تعرف عبر مراكز أبحاثها كيف تثير العصبيات والنعرات المتناقضة لدى سكان
المنطقة والتي تحكمها صراعات تاريخية " قومية ومذهبية "وبدأت القيام بإعداد المسرح :
- أثارت مخاوف وهواجس دول الخليج من المد الثوري لإيراني " الشيعية "
عزز هذه المخاوف جملة من الشعارات والتصريحات كان يُطلقها قادة الثورة ؛
ومن اجل ذلك حركت بعض من عملاءها بتاريخ 18 تشرين الثاني \1979 فقام أكثر
من 200 مسلح باحتلال الحرم المكي الشريف بقيادة " جهيمان العتيبي " والذي كان
عضواً سابقاً في الحرس الوطني السعود وإعلانه الثورة ضد العائلة الحاكمة حتى انتهى
الأمر بمجزرة بعد إباحة القتل في أقدس مقدسات المسلمين وسقوط مئات القتلى
والجرحى ؛ ولم يمرّ على هذا الحادث سوى بضعة أيام حتى قام السوفييت بدفع
الجيش الأربعين الروسي ليحتل أفغانستان ..!
إذن نحن إمام مشاهد مثيرة تتلاحق وكأنها السنة التي ستؤسس لنظام عالمي جديد
يبدأ قبل نهاية الألفية الثانية تكون فيه أمريكا سيدة العالم بلا منازع .
شعر حافظ الأسد بالخوف من تلك التحولات باكرا وقبل حدوثها ، فأراد في لحظة من الزمن
أن يسعى إلى تغيير واقع لو تحقق سيغير وجه العالم شرقا وغربا ..ولكن
هؤلاء وأولئك تكاتفوا من اجل إفشاله باكرا .. فالوضع في لبنان صار مستقرا
وساعد السوريون إخوانهم اللبنانيون خلال سنتين 1976 – 1978 في بناء مؤسسات
الدولة الأمنية فوحدوا الجيش المنقسم ما بين الطوائف وأعادوا تدريبه وتسليحه ..
وقاموا بالمساعدة في بناء مؤسسة الأمن الداخلي وأعادوا للسلطة المركزية هيبتها ..
والوضع السوري داخليا استقر دون حوادث كبيرة تُذكر واعتقد عندها حافظ الأسد بأن
الأوضاع كلها مناسبة لدرئ خطر يهدد الأمن القومي العربي برمته ؛ بالرغم من الجرح
الذي سببه النظام العراقي لسوريا عندما ساند كل مخرب لسياستها في لبنان وكل إرهابي
عمل ضدها داخليا فتجاوز الأمر الآني لأن القادم أخطر واستراتيجي لا يطال سوريا وحدها
بل يطال كل العرب بعد خروج مصر من صف العرب وصارت عمليا إلى جانب العدو فشعر
معظم العرب بالقهر .. والقهر كما يخبرنا التاريخ لا بد له إلا أن يتفجر غضبا عارما
يدفعنا للفعل فحاصرونا مجددا وهذه المرة باسم الإسلام والمجاهدين !
|