الموضوع: ذاكرة معطوبة
عرض مشاركة واحدة
قديم 02 / 05 / 2011, 11 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
خيري حمدان
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم

 الصورة الرمزية خيري حمدان
 





خيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond repute

ذاكرة معطوبة


أليس من عادتي شرب فنجان قهوة عند الصباح! سؤال طرحته على ذاتي بعد أن أدركت بأنني قد أفقت من النوم وحيدًا. يبدو هذا النهار مختلفًا. عيناي متورمة، رأسي مثقلة بهواجس تصعب قراءتها. الأدهى من كلّ هذا وحدتي القاتلة! أعلنها للملأ دون خوفٍ من فقد كرامتي كرجل شرقي "أنا وحيد كما لم أكن في يوم ما من قبل!"

هذا البيت كبير يصلح لأن تسكنه عشيرة بأكملها، لكنني الوحيد الذي يبدو على قيد الحياة في غرفتي الملكية بحجمها وأثاثها، ربّما كنت قد نزلت في فندق فخم للغاية، وحصلت على شقة رئاسية مميزة لسبب قد يكون ثرائي على سبيل المثال وراءها. نظرت من نافذة الغرفة التي بدت كأنها تسكنني عاكسة بذلك معادلة الوجود الأبدية. لكن لا شيء هناك سوى غابة ممتدة أمام ناظري، سياج حديدي مرعب يرتفع في الأفق وأبراج مراقبة على امتداد السياج ومسلحين في كلّ زاوية من القصر! هل ذكر أحد ما في محيط المكان كلمة "قصر"!.
ضربت رأسي بكفّي، كانت رغبتي باستعادة ذاكرتي المعطوبة في تلك اللحظة كبيرة إلى حدّ الانكسار.

((من أنا؟)).

لا أحد يجرؤ على قرع باب هذه الغرفة العملاقة بحجمها ومساحات الرفاهية والعبث فيها. لكني أشعر برغبة لا تقاوم بهجرها والابتعاد عنها، لأنها تخيفني، ترعبني. لا أرغبها، لا أريدها يا أمي حتى وإن كانت جنّة الله في الأرض! من أنا، حدّدوا هويتي وعدد أصدقائي القادرين على الدخول إلى هذا الصرح المقيت؟ هل يعقل أن أتواجد في هذه السرايا في عزلة قاتلة عن الحياة الصاخبة على بعد كيلومترات فقط من هنا! كيف لي أن أشعر بدفق الحياة في شراييني خلف هذا القنص القادر على رصد تحرّك حتى دودة القزّ وإطلاق النيران الكثيفة تجاهها دون رحمة.

أعرف بأن ذاكرتي معطوبة، صرخت بملء صوتي – أخبروني باسمي الذي نسيته ذات صباح، الاسم الذي يلعنه القريب والبعيد، لكن أحدًا لم يسمع ندائي! تعالوا إلى هنا، مارسوا معي بعض طقوس الحياة، شاركوني في رشف القهوة الباهظة الثمن، الخالية من لسعة قهقهة الأحباء وصخب الأطفال وعربدة المراهقين وصراخ التلاميذ في المدارس القريبة. شاركوني في غذائي الفاخر الممتدّ فوق مائدة تكفي لإطعام قبيلة جائعة. لا أريد البقاء وحيدًا في حضرة الغياب المتوّج بالحرس الغبيّ المسلح حتى النخاع بالهراوات الكهربائية والقنابل المسيلة للذكريات قبل الدمع المخصّب بالدم. كانت لديّ رغبة عارمة بالذهاب إلى الحارس الشاب القابع فوق برج المراقبة لأسأله إن كان قد رآني يومًا ما، أو إذا ما كان يذكر اسمي وهويتي قبل أن أصبح كريهًا متقوقعًا في هذه الجحيم؟

كم الساعة الآن؟ سمعت ارتداد صوتي في بهو المكان، انطلقت الساعات والأجهزة الخاصة تصرخ بصوت وقور هادئ خانع معلنة عن الوقت الذي أخذ يحاصرني كدبابة مصوبة مدفعها تجاه ذاكرتي المعطوبة، ردد جهاز: الساعة الآن تمام العاشرة صباحًا يا سيادة الرئيس!.

أنا رئيس .. يا لها من مسخرة!

أنا الرئيس الذي نسي اسمه، فكيف أريد من الآخرين أن يتذكروني وسط كلّ هذا النسيان! رئيس أي دولة تعسة أنا ما دمت لا أذكر اسمي؟ كيف أذكر هموم رعيتي يا أمي في الوقت الذي ما زلت فيه غير قادر على ذكر اسمي! لكن الرعب سلبني ما تبقى من سلامي الداخلي بعد أن همست لي أمي قائلة بأنها قد نسيت هي أيضًا اسمي، منذ أن أغلقت على نفسي البوابات المؤدية إلى هذه الغابة التي يسميها البعض قصرًا!

غادرت السرايا العامرة وأخذت أركض في حدائق القصر المكفهرة الخاوية، كنت أصيح بملء صوتي والهلع يشلّ عضلة القلب في صدري: أعيدوا لي اسمي .. أعيدوا لي اسمي!

تمكن المستشارون من اللحاق بي والقبض عليّ قبل أن أغادر حدود جمهورية الرعب التي بنيتها بنفسي. صاح أحدهم: أنت عاري، حافي القدمين يا سيادة الرئيس، وهذا لا يليق بالرعية!

لم أكن بحاجة لسماع مشورة هذا الغبيّ، كنت قد أدركت منذ ساعات الصباح الباكر بأنني أفقر رئيس في الدنيا ما دمت قد نسيت اسمي في جمهورية الرعب التي بنيتها جمجمة إثر الأخرى. بالرغم من مرور وقت طويل على إصلاح ذاكرتي المعطوبة، إلا أنني تذكرت كلّ شيء باستثناء .. اسمي!

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
خيري حمدان غير متصل   رد مع اقتباس