09 / 05 / 2011, 26 : 09 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
أشياء لها ذاكرة.. - الكتاب الفلسطيني - طلعت سقيرق
[align=center][table1="width:100%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/56.gif');border:4px ridge white;"][cell="filter:;"][align=justify]
انفض الغبار عن زجاج الساعة الواقفة منذ سنوات على الجدار.. آخذ في التحديق بأشياء قريبة وبعيدة في الغرفة التي أدمنتِ السكون منذ زمن طال.. زجاج النافذة يرتعش حين أبعد الستائر وأترك لأشعة الشمس أن تتسلل حاملة حياة أو ما يشبه الحياة.. أشعر أن هناك نزيفاً يحاول أن يغتال المكان.. وحده يطل من رحم الأيام محملاً بالندى والريحان والنرجس والبرقوق.. يأتي ضاحكاً مثلما كان دائماً.. يجلس على الكرسي القريب من النافذة.. يتحدث ببرود شديد عن أحلام بحجم العمر.. يقول: وحدها نبيلة يمكن أن تقنعني بالزواج.. ثم يطرد الفكرة جملة وتفصيلاً.. يقول من كان مثلنا لماذا يتزوج، بيننا وبين الرحيل مجرد خطوات.. تقول أمه: كلامك مخيف يا رشيد، كأنك تريد أن تنهي الدنيا بين لحظة وأخرى، يصيح: الاحتلال لم يترك لنا الخيار.. حين تكون الأرض سجينة مقيدة علينا أن نتقدم إلى الأمام، لا معنى لأن تبقى خطواتنا في الفراغ.. نبيلة وحدها تستطيع أن تكون الزوجة.. لكن في ظرف مثل ظرفنا، لا معنى لأي استقرار.. الحياة كلها على كف عفريت!!..
حين فتحت درفة الشباك تسلل الهواء المنعش محاولاً أن يزيح شيئاً من جو الرهبة.. سنوات ولم يدخل هذه الغرفة أحد.. كانت غرفة ذكريات لا يجوز فتحها أو اقتحام هدوئها.. لها خصوصيتها التي لا يمكن أن تنتهك.. برعب وخشية والكثير من التردد دخلت.. كنت أقنع نفسي بأن الدخول لا يعني أي شيء.. وحين صرت في منتصف الغرفة ارتعشت بجنون.. أردت التراجع.. الركض خارج الغرفة.. الطيران خارج البيت كله.. لكن إلى متى ولماذا؟؟ ما مضى من الوقت يكفي.. الأسرة كلها وضعت ثقتها بشخصي وقالت وحده صديقه أسعد سيكون الأشد تماسكاً.. أي تماسك..!!.. للموتى رهبة وأي رهبة.. ظننت أن صديقي يقوم ويجلس قربي.. أردت أن أعطي ساقي للريح.. حقاً ما استطعت.. كنت أنزف خوفاً وخشية.. حبي لرشيد دفعني وأبقاني في الوقت نفسه.. قلت ربما علي أن أنتظر.. دقائق وينتهي كل شيء.. بعدها ستعود الأسرة إلى هذه الغرفة من جديد.. البيت ضيق، وليس من المجدي أن تبقى هذه الغرفة مغلقة.. لكن لماذا أنا؟؟ كل شيء في الغرفة له ذاكرة.. كل شيء يحمل شيئاً من رشيد.. كأنه ما زال في كل ركن.. أردت أن أصرخ.. أن أطلب من الجميع الحضور.. لكن بصراحة كان صوتي قد ضاع تماماً..!!..
على الكرسي جلس.. قال أتذكر.. كنت أذكر.. قال يومها كان علي أن أوقف هذه الدورية اللعينة.. تذكر.. كان جنود الاحتلال يقلبون البيوت كل يوم تفتيشا وتنقيباً عن أشياء لا نعرفها.. كانوا يدمنون تعذيبنا.. وكان على أحدنا أن يوقفهم.. فكرت.. كل واحد منا يستطيع أن يفعل شيئاً.. أي شيء.. المهم أن يقوم أحدنا بصد همجيتهم.. فكرت.. جمعت عدداً من الأصدقاء.. كانت خطتنا بسيطة.. وحدث ما حدث.. الانفجار هز المدينة كلها.. وانتهى أمر الدورية اللعينة..
في اليوم الثاني خرجت المدينة مودعة شهيدها.. كان رشيد عريساً رائع العطاء.. المدينة كلها زفته.. الأرض فردت كل عمرها لاستقباله.. كثيرون حكوا عن شجاعته.. وما عرف أحد شيئاً عن هؤلاء الذين ذهبوا معهم.. بقي السر مطوياً.. أخذه رشيد معه.. ومن يومها ما استطاعت أي دورية أخرى أن تفعل ما فعلته السابقة.. عرفوا أن رفاق رشيد يقفون لهم بالمرصاد.. وبقيت غرفة رشيد تنتظر عودة الغائب الذي رحل حاملاً كل أناشيد الأرض الخيرة..
الهواء يتمدد في الغرفة.. الأشياء تتحدث.. تقول.. تحكي.. تضحك.. تثرثر.. دخل بقية أفراد الأسرة.. الدموع في العيون.. الضحكات على الشفاه.. هنا كان يجلس.. هنا رسم علم فلسطين.. هنا كان يتحدث عن نبيلة.. هنا رسم خطة الهجوم، ودار الجميع في الغرفة.. دارت الغرفة.. وفي وقت ما، بين الحلم والحقيقة، كان رشيد يدور في الغرفة ويضحك ويقص حكايات كثيرة عن مقاومة الاحتلال.
طلعت سقيرق
[/align][/cell][/table1][/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|