أتسأل عنّي؟
أَتسألُ عنّي؟
وَبيني و بَيْنَكَ يَعْبَثُ فَوْحُ النَّسيمِ اللَّطيفْ
يُعانِقُ ظِلَّ مَراياكَ خَلْفَ الْوِشاحِ الشَّفيفْ
يُقَرِّبُني مِنْكَ أَكْثَرَ مِمّا يُقَرِّبُ رِمْشي لِرِمْشي
فَأَعْرِفُ أنَّ الزَّمانَ على أُفْقِ لا مُنتهاهُ تشَذَّرْ
وَأَعْرِفُ
أَنَّ المكانَ توغَّلَ في غابَةِ الْعشْقِ أَكثرْ
وَأَعرفُ أَنّي بِذاكَ الصَّباحْ
تَواريتُ خَلْفَ الزّغاريدِ أَمشي
وَعُكّازُ صبري
تهشُّ عَلى الثُّكلِ،
حتَى تجوبَ الدّماءُ شرايينَ شوقي إليكْ
فَيُعشبُ في الصّدرِ غصني ويثمِرْ
و يشتعلُ اللَّيْلُ في شيبِ شعري
شراعاً إلى شطِّ لقياكَ يُبحرْ
...............
لذا
عُدْتَ ذاكَ الصَّباحَ إِليَّ
كَما لمْ تعُدْ مُنْذُ صرتَ كبيراً
ولُذْتَ بحضني
كما لَمْ تلُذْ
حينَ كانتْ يدايَ الكرى والسَّريرا
..................
و زورقُ نعشِكَ
يُسري إِلى الشَّمْسِ طفلي الصَّغيرْ
وَ صوْتي زغاريدُ ملءَ الأثيرْ
وَقلبي تُوزِّعُهُ راحَتايْ
عَلى موكبِ الضَّوْءِ بَيْنَ الْوُرودِ وَبَيْنَ الْعَبيرْ
فَأشدو لِطِفْلي: (يلاّ ينامْ..يلاّ ينامْ..)..
فَنَمْ يا حبيبي
بصدري قريرا...
................
أَ تسألُ عَنيّ؟ فَإنّي هُنا
زَرْعْتُ على مهدِكَ السّوسنا
هزَزتُ الشّعاعاتِ أرجوحةً
ليرقى الصّباحُ على ظِلّنا
..............
أَيا من رددْتَ الشّبابَ إلى
عظامٍ سعى وَهْنُها مُذْعنا
نهرْتَ السّنينَ الّتي أحدبَتْ
بظهري زماناً عليها انحنى
فقامَ الرّبيعُ على غفلةٍ
وَأشعلَ في ضفّتيها الجنى
.......
نذرْتُكَ منذُ القماطِ الذي
جمعتُ بِهِ عودَكَ اللَّيِّنا
ولحنُ الصّلاةِ ضياءٌ جرى
عَلى مسمعيكَ إذا أذَّنا
فأوحى ليَ اللهُ: أنْ أرضعي
مزيجَ الحليبِ بدَفْقِ السّنى
فمشكاتُهُ مِنْ وجوهٍ لها
رَفَعْتُ السّماءَ، مدَدْتُ البُنى
فكُلُّ التّمائِمِ من حُبّهِمْ
وَمنْ لاذَ فيهِمْ فقدْ أُحْصِنا
هُمُ المصطفى وعليٌّ وهمْ
بتولٌ و نورانِ سِرُّ الغِنى
...............
رضعْتَ إلى ساعةِ المكتفى
و ولّى الفطامُ بما أمكنا
ولكِنْ تجذَّرْتَ في حبِّهِمْ
تؤمُّ النَّعيمَ بما اخشَوْشَنا
..............
فَما سِرُّ ذاكَ الهوى كُلَّما
سَقَتْهُ الْحَياةُ ضنىً أَمْعَنا؟
و ما سرُّ دمعٍ إذا ما كوى
تُقَبِّلُ وَجْناتُهُ الأَعْيُنا؟!
....................
هُوَ الْحَقُّ يا ابْني إذا ما دعا
أَرقْتَ لهُ الصَّعْبَ وَالهَيِّنا
وَ أَحْنى عَلى جانِبَيْكَ الْعُلى
يُرَقّي عَلى كَفِّهِ ما دَنا
............
فَبوركْتَ لمّا جعلْتَ الْمدى
كتاباً تُسطِّرُهُ بالمنى
وَنَصْراً بعينِ السَّماءِ الَّتي
رَمَتْ طَيَّ مِنْديلِهِ الأزمنا
لتبقى خُلودَ الشَّهيدِ بِها
وَأُمَّ الشَّهيدِ أظلُّ أَنا!!