رد: الأدب العربي وابعادة في الجمهورية الجزائرية
[frame="1 98"]الأدب الجزائري ثلاثي الأبعاد..أدب مكتوب باللغة العربية ، وأدب مكتوب باللغة الفرنسية ، وثالث بالأمازيغية...
سأستهل هذا الملف بالحديث عن الرواية ، طالما أشرنا في المدخل السابق إلى صاحب (الحمار الذهبي)..
عرف ظهور الرواية العربية في الجزائر حدثا كبيرالأهمية ،رغم تأخرها مقارنة مع باقي الروايات في الاقطار العربية الأخرى، ويعود ذلك إلي الإستعمار ، وبالرغم من هذا فإن هناك بوادر أولي لظهورها ، تتمثل في بعض الكتابات لكتاب أمثال رضا حوحو في قصة "غادة أم االقري '' وابن هدوقة في" ريح الجنوب '' والطاهر وطار في "اللاز".
ظهرت الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في سنة 1950 على أيدي رواد كبار بلغوا درجة عالية في مضمار الفن الروائي . وفي هذا السياق يقول أحد الباحثين مشيرا إلى هذه الكوكبة من الروائيين الذين لهم شهرة واسعة في هذا المجال في الخمسينات من هذا القرن ،برزت في الأدب الفرنسي جماعة من الكتاب الذين يتميزون بالموهبة الأصلية والعبقرية الفذة في الإنتاج الأدبي والمسرحي، والذوق الحسن ، والمقدرة على الرواية والكتابة ، والعمق في التعبير والتجاوب العميق مع الأرض التي ولدوا فيها والمجتمع الذي نشأوافيه ..
هذه الجماعة ونعني بها كاتب ياسين ، ومولود فرعون ،ومولود معمري،ومحمد ديب ، ومالك حداد ، برزت على المسرح الوطني فخلفت جماعة الكتاب الفرنسيين الذين لايهمهم من الجزائر سوي ما فيها من مناظر طبيعية خلابة ، وخيرات كثيرة ، ولهذا فإن إنتاج الفرنسيين كان ذا طابع غنائي فعبروا عن أحاسيسهم الذاتية ولم يهتموا الابالمجتمع ولا بالإنسان.
وقد عالج الكتاب الجزائريين القضايا والأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية والثقافية
والسياسية في البلاد قبل الثورة وأثنائها وبعد الإستقلال ، فألف مولود فرعون رواية " بن الفقير " عام 1950 ، ورواية "الارض والدم " عام 1953 ، و "الدروب الوعرة " عام 1957 ، كما ألف مولود معمري "الهضبة المنسية " عام 1952 ،'' السبات العادل'" عام 1955 ، ثم ألف فيما بعد ''الأفيون والعصا "عام 1965 (3) ،أما محمد ديب فنشر ثلاثيته الشهيرة "الدار الكبيرة" عام 1952 ،"الحريق " عام 1954 '' والنول " عام957
وألف كاتب ياسين رواية " نجمة " عام 1956 ، ونشر مالك حداد أربع روايا ت بدأها " بالبصمة الأخيرة " عام 1958 ، و "سأهديك غزالة " عام 1959 و" التلميذ والدرس" عام 1960 ، " رصيف الأزهار لا يجيب "عام 1961
أما أسيا جبار فألفت "العطش " عام 1957 ، "الجازعون " عام 1958 ، ثم ألفت فيما بعد " أبناء العالم الجديد" 1962 ، وأخيرا وليس آخرا جاء دور رشيد بوجدرة بعد الاستقلال فألف عدة روايات من بينها "الطلاق" عام 1969 ، و"الحلزون العنيد " عام 1977 ، وألف "عام وعام من الحنين" عام 1981 ،وهناك روائيون أخرون من الشباب كتبوا روايات بالفرنسية لايتسع المقام لذكرهم.
عالجت الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية قضايا الشعب وهمومه المختلفة من فقروجهل وتشرد و بؤس وحرمان ، كما وصفت الهجرة والبطالة والظلم والقهر الذي كان يعانيه الشعب الجزائري ،حيث أتخذ كاتب الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية موقفا حازما مع الشعب الجزائري كله، فصوروا في رويا تهم آلامه وآماله، وحالة تشرده وضياعه ،أصدق تصوير وأدق تفصيل كان هذا قبل ثورة نوفمبر 1954.
أما أثناء الثورة فقد سجل هؤلاء الروائيين صيحات الرفض والتمرد وتحول هذا الرفض والتمرد إلى سخط وغضب وإستنكار ، فأعلن الشعب حينئذ العنف الثوري ضد الاستعمار ، ولم يكتف الأدباء الجزائريين بالتحدي السياسي بل شنوا حربا على العدو بالكلمة المقاتلة والأدب الملزم ودفعوا أرواحهم الطاهرة ودماءهم الزكية في سبيل تحرير الوطن وتطهيره من أرجاس الغاضبين ، فاستشهد أحمد رضا حوحو ، ومولود فرعون من كتاب الرواية.
ولاشك أن الناس تعودوا قراءة الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية وقد ترجمت العديد من هذه الروايات إلى اللغة العربية ، وأصبح الناس يرددون أسماء
كتابها ويعرفون عنهم الشيء الكثير بينما لايكادون يعرفون عن كتاب النثر الجزائري إلا القليل ، هذا ماجعل إهتمام الدارسين للأدب الجزائري الحديث ينصب نحوالآثار المكتوبة باللغة الأجنبية ، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى من يكتب باللغة القومية ، فضلا عن الباحثين في البيئات الأوربية شرقا وغربا ، الذين إحتفلوا باللأدب المكتوب باللغة الفرنسية في الجزائر ، حتى أن بعضهم إعتبر أن الكتاب الفرنسيون الذين ولدوا فوق التراب الجزائري من الكتاب الجزائريين ، وحاولوا تقديم أدلة وبراهين ساقوها لتأكيد غرضهم ، وقد أثيرت ضجة حول هذا الأدب برزت منها عوامل شتي كأجهزة الإعلام والثقافة الفرنسية التي روجت هذه الفكرة لتظهر أن الثقافة الفرنسية خلفت كتابا بارزين في الجزائر وأن الإستعمار لم يكن كله شر، وأثمرت هذه النماذج العربية شعرا ونثرا وقدمت لهم جوائز تشجيعية ليس تقديرا لتفوفق الكتاب الجزائريين ولكن للدعاية- وتشجيع الأدب الفرنسي واللغة الفرنسية ، وكان لهذا الموقف أثراكبيرا على الدارسين للأدب الجزائري في بيئات أخري فترجموه بما فيه من أصالة وعمق وتجديد ، خاصة وأنه دار حول الثورة ، ونضال الشعب الجزائري بجرأة وفهم عميق لمطامع الشعب وأشواقه.
هذا بالنسبة للرواية قبل الإستقلال ، أما بعد الإستقلال فقد نشرت أول رواية عربية جزائرية بعنوان '' صوت الغرام " مؤلفها محمد منيع تدور أحداثها في الريف الجزائري حول علاقته حب تنشأ بين البطلين ( العمري وفلة) في وسط متخلف تتحكم فيه العادات والتقاليد البالية التي تحرم أية علاقة حب بين شاب وشابة ، مهما كانت براءة هذه العلاقة ،التي تفشل بسبب خجل البطل ، وسلبيته ، الذي لم يستطع حتى التعبير عن مشاعره لتلك الفتاة ، بل كانت الفتاة أكثر منه جرأة وصراحة ، حين إقترحت عليه خطة الفرار عندما فشل في إيجاد حل لمشكلتهما .
ورواية " صوت الغرام " سطحية الطرح ، وساذجة الأفكار وضعيفة الأسلوب واللغة وبالتالي فهي رديـئة شكلا ومضمونا ، وهي تشبه رواية "الطالب المنكوب " لعبد المجيد الشافعي ، فكلتا الروايتين ضعيفة في الشكل و المحتوى ؟ ! ويرد الدكتورعبد الله الركيبي تأخر ظهور الرواية العربية في الجزائر إلىالأسباب التالية :
1- صعوبة فن الرواية لأنه يحتاج إلى صبر وأنات وتأمل طويل .
2- إنعدام نماذج روائية جزائرية بالعربية يمكن تقليدها والنسج على منوالها .
3- عدم توفر اللغة الطبيعية المرنة التي تصور البيئة الكاملة في الرواية.
إذا دققنها النظر في هذه الأسباب نخالف الدكتور عبد الله الركيبي لان هذه الأسبا ب ربما تجوز في عهد الإحتلال المظلم ، أما بعد الإستقلال فلايجوز بأي حال من الأحوال ، ولاينبغي أن يبقى الكاتب مكتوف الأيدي فترة التقرب من عشرة سنوات بحجة الصبر والتأمل الطويل ، فلا تخرج أي رواية فنية جيدة إلى حيز الوجود ، عن بداية الإستقلال إلى أوائل السبعينات إلا إذا إعتبرنا أن الكسل العقلي كان مسيطرا على الروائيين ، فلاتصدر رواية واحدة إلابعد سبع سنوات كما صرح بعضهم في مقدمة روايته.
و بعد إنقشاع ظلام ليل الإستعمار الحالك أشرق فجر الرواية الجزائرية العربية سنة 1947 على يد الرائد الأول أحمد رضاحوحو 1911- 1956 في روايته "غادة أم القرى" التي كتبها بالحجاز وأراد أن يلوح بها إلى المرأة الجزائرية التي تعاني ضروبا مختلفة من الجهل و التخلف ، ولم يستطع المؤلف أن يخرجها باسم أسرة جزائرية خوفا من سلطة المجتمع ،مكتفيا بإهدائها إلى المرأة الجزائرية ، فيقول في مقدمة الرواية : ( إلى تلك التي تعيش محرومةمن نعمة الحب ، من نعمة العلم ، من نعمة الحرية ، إلى تلك المخلوقة البائسة ، المهملة في هذا الوجود ، إلى المرأة الجزائرية أقدم هذه القصة تعزية سلوى).
وحينما صدرت الرواية عام 1947 ثار عليها كثير من الناس خاصة القلوب المتحجرة والنفوس المتزمتة التى إعتبرتها دعوة لتحرر المرأة وخروجها من سلطة الرجل .
وخرجت هذه الرواية إلى حيز الوجود في وسط متغلق يعتبر خروج المرأة وصمة عار في جبين الفرد والمجتمع .
وتبدو الرواية في حد ذاتها دعوة صارخة من أحمد رضا حوحو إلى تحرير المرأة الجزائرية من الأوهام والخرافات ،متأثرة في ذلك بدعوة قاسم أمين في تحرير المرأة وقضية الحجاب في الشرق العربي ، وتعتبر هذه الرواية أول رواية جزائرية بالعربية مثلما تؤرخ المصرية "لزينب" عام 1914 لمحمد حسين هيكل تؤرخ الرواية الجزائرية العربية ''غادة أم القري " لأحمد رضا حوحو عام 1947 بغض النظر عم أثير حولها من خلاف في مستواها الفني .
وفي حوالي عام 1951 ظهرت رواية "الطالب المنكوب ''لعبد المجيد الشافعي تتحدث هذه الرواية عن طالب جامعي عاش في تونس في أواخر الأربعينيات أحب فتاة تونسية وسيطر عليه حبها حتى أنه كاد يغمى عليه من شدة الحب.ويصف الدكتور عبد الله الركيبي هذه الرواية بأنها رمنسية في أسلوبها وموضوعها ،وأنها ساذجةفي طريقة التعبير .
وقد صور كتاب الرواية موقفهم التضامني ، والأخوي مع جميع فئات الشعب المختلفة من عمال وفلاحين وفقراء كادحين، فأعطوا لنا صورالآلامهم وآمالهم، وحالة تشردهم وضياعهم ، سواء كان كذلك في ريف أو قرية أو مدينة ، ولاغرابة في ذلك فقد كان الكتاب أنفسهم قد يذوقون مرارة الفقر وبؤس الحياة فانعكست تلك المآسى على أثارهم الأدبية وخيرو سرها وعرفوا بؤسها عن قرب وعن تجربه وخبرة وممارسة .
(فهم في الواقع يشبهون الكتاب الأمريكيين إلى حد كبير من هذه الناحية حيث أنهم لم يمارسوا الأدب إلابعد التجارب التي أتقنوها في مختلف الحرف، لذلك جاءت موضوعاتهم الأدبية تعبر عن حيرة شخصية بالمشاكل اليومية ـ
وهكذا نجد كاتب ياسين مثلا قد إحترف الصحافة والعمل في الموانئ والزراعة قبل أن يمارس كتابة الرواية .
أما محمد ديب فقدإ شتغل محاسبا ونساجا ومعلما وصحفيا ، قبل أن يدخل ميدان الأدب ، ومن المهم أن نلاحظ أن هؤلاء الكتاب جميعا قد مارسوا مهنة التعليم وهي مهنة مازال يشغلها الكثير منهم اليوم ، أما الصحافة فقد منحتهم الفرص لكي يرو و يشعروا بالعالم حولهم ).
وتأخر ظهور الرواية الفنية ، إلى الفترة التي ذكرناها ، يرجع إلى أن هذا الفن صعب يحتاج إلى تأمل طويل إلى صبر ثم يتطلب ظروفا ملائمة تساعد على تطوره وعناية الأدباء به، وفي مقدمة هذه العوامل أن الكتاب الجزائريين الذين كتبوا باللغة القومية أدبا عربيا إتجهوا إلى القصة القصيرة لأنها تعبر عن واقع الحياة اليومي خاصة أثناء الثورة التي أحدثت تغييراعميقا في الفرد ، فكان أسلوب القصة القصيرة ملائما للتعبير عن الموقف أوعن اللحظة الأنية وعن التجربة المحدودة بحدود الفرد ، أما الرواية فإنها تعالج قطاعا من المجتمع رحابة واسعة لشخصيات تختلف إتجاهاتها وتتفرع تجاربها وتتصارع أهواؤها ومواقفها ، ومن ثم كان الكاتب يحتاج إلى تأمل طويل ،ثم إن الرواية تتطلب لغة طبيعية مرنة قادرة على تصوير بيئة كاملة، وهذا مالم يتوفر لها سوى بعد الاستقلا ل لأسباب كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها. وفوق هذا فإن كتاب الرواية في الجزائر لم يجدوا أمامهم نماذج جزائرية يقلدونها أو ينسجون على منوالها كما كان الأمر بالنسبة للكتاب باللغة الفرنسية الذين وجدوتراثا غنيا ونماذج جيدة في الأدب الفرنسي ، ومع ذلك فإن الكتاب الرواية العربية قد أتيح لهم أن يقرأوا في لغتهم عيونا واسعة في الرواية العربية الحديثة والمعاصرة،ولكنهم لم يتصل بهذالإنتاج إلا في فترة قريبة بسب الظروف التي عاشوها وعاشتها الثقافة القومية في الجزائر ، لذلك فإن البدايات الحقيقية .
التي يمكن أن تدخل في مفهوم الرواية التى ظهرت منذ سنوات قليلة، أي أن السبعينات مثل قصة " مالا تذروه الرياح " لمحمد عرعار ،ثم رواية" ريح الجنوب" للكاتب القصصي عبد الحميد هدوقة التي كتبت فيما يبدو قبل السابقة ولكنها طبعت بعدها، ثم ظهرت في السنتين الماضيتين روايتان الطاهر وطار وهما على التوالي "الزلزال" و''اللاز''.
البعد السياسي :
اهتمت الرواية الجزائرية بموضوع المقاومة و النضال ، و أصبحت أحداث ووقائع حرب التحرير تشكل المحور الرئيسي في أغلب الأعمال ، كما اهتم الروائيون بالآثار النفسية و الاجتماعية التي خلفتها هذه الحرب على الشعب الجزائري ، و إذا كان عبد الحميد بن هدوقة قد ركز على أسلوب التقابل بين الماضي و الحاضر بحيث كانت الحرب في روايتي " ريح الجنوب " و " نهاية الأمس " مجرد خلفية استعان بها الكاتب لدراسة الشخصيات الروائية فإن، الطاهر وطار قد اندمج أكثر مع أحداث الحرب في رواية " اللاز " ، فهو يمتلك قدرة عالية على التعبير الفني الجميل الخصب المركز خاصة ما كان عنه في موضوع السياسة ، فهي موضوعه الأثير الطاغي على كل أعماله
فقد اقترب وطار أكثر من ميدان القتال ، و بذلك استطاع أن يرسم لوحة شاملة ، ضمنها تفاصيل أعمال المقاومة و النضال ، و انطلاقا من منظور إشكالي يتيح للكاتب الكشف عن الوعي القائم ، و عن المعوقات التي تحول دون الوصول إلى بلورة وعي ممكن ، ليكون الانقلاب عميقا و شاملا ، يحرر الإنسان من الاستعمار ، و من كل مظاهر الإستيلاب و الكبت و الحرمان ، و لهذا وجدنا الكاتب يقول : " إنني لست مؤرخا ، و لا يعني أبدا أنني أ قدمت على عمل يمت بصلة كبيرة إلى التاريخ رغم أن بعض الأحداث المروية وقعت أو وقع ما يشبهها .. إنني قاص ، وقفت في زاوية معينة لألقي نظرة - بوسيلتي الخاصة - على حقبة من حقب ثورتنا ".
المصادر: حنفي بن عيسى ، محمد لبصير ،عبد الله الركيبي ، محمد منيع ، أحمد رضا حوحو....وأبحاث أخرى على الشابكة.
[/frame]
|