عرض مشاركة واحدة
قديم 30 / 03 / 2008, 31 : 02 AM   رقم المشاركة : [1]
نصيرة تختوخ
أديبة ومترجمة / مدرسة رياضيات

 الصورة الرمزية نصيرة تختوخ
 





نصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond repute

و هل يعود المهاجر كما ذهب؟

ظلت تجربة الهجرة عبر العصور تجربة مميزة على المستوى الفردي أو الجماعي وكما جمعت بين الجرأة و المغامرة و التحدي والمعاناة حملت في طياتها حكاوي التيه و اللاعودة.
أذكر أنني سمعت أحد الأساتذة المحاضرين يتمم تحليله بالتساؤل:"و هل يعود المهاجر كما ذهب؟".
نسيت السياق و نسيت اسم الأستاذ و محور الندوة و لم يبقى في ذاكرتي بعد كل هذه السنين (الندوة كانت عام 1994)إلا ذلك السؤال الذي يظل يزورني كل مرة كطيف أو كشيخ مخلص لموسم أو زاوية ما لا يثنيه عنها إلا الموت أو العجز القاهر.
كلما نزلت في ميناء أو مطار ببلدي وأخذني الوطن بين أحضانه إلا و تراودني تلك الجملة التي تتلوها علامة الإستفهام.
وكلما جلست بين زملائي وهم يحكون عن أحداث ميزت طفولتهم ومرت بها هولندا إلا وأحسست بتلك القطع المفقودة عندي لأنني أحمل معي قصصا أخرى وأحداث مختلفة .
في ذاكرتي مثلا: راية حمراء تتوسطها نجمة خماسية خضراء ترفرف فوق بيتنا في الأعياد الوطنية في نونبر و مارس..
نصوص قرأناها عن زلزال أغادير؛ حكايات الجدة عن مجاعة ضربت المغرب وجعلت الناس يأكلون العشب .
وفي ذاكرة زملائي نكبات مشابهة لكن عوض الجفاف هناك فيضانات أغرقت قرى هولندية و موت أتى به هتلر وأسماء أبطال سباقات التزحلق على الجليد.
لا يمكننا أن نكون في مكانين مختلفين في آن واحد ولايمكننا أن نوقف الزمن والأحداث في أحدهما أو كما يقول أدورونو في المينيما موراليا:' لقد بطلت كما نعلم حياة المهاجرين السابقة.
في السابق كان ما أعلن أنه غير قابل للتحويل وغير قابل للتطبيع هو مذكرة الإعتقال،واليوم هو التجربة الفكرية.
كل ماهو غير متشيء،ولا يمكن عده وقياسه ،يكف عن الوجود.
غير أن التشيؤ إذ لا يكتفي بهذا، ينتشر باتجاه نقيضه، الحياة التي لايمكن أن تكون متحققة مباشرة؛ فكل ما يواصل العيش إنما يواصله كفكر وتأمل و ليس غير.
ولقد ابتدع من أجل هذا اسم خاص فهو يدعى" الخلفية" و يظهر على الإستمارة كملحق، بعد الجنس و العمر و المهنة.
ولكي يكمل إنتهاكه ،فإن الحياة تجرجرها سيارة الإحصائيين المتحدين الظافرة، وحتى الماضي لا يعود في مأمن من الحاضر الذي لا يلبث تذكره أن يسلمه إلى النسيان مرة أخرى".
الذكريات السابقة الكثيرة للمهاجر تبطل في المجتمع الجديد الذي ينضم إليه، إنها تصير عديمة المعنى و السياق وحديثه عنها قد يكون مسليا لبعض الوقت لكن غير مرغوب فيه وشاذا اإن تكرر وطال لأنه يحتاج لشرح وتخيل أبعاد قد تستعصي على مخيلة المستمع.
"الخلفية "تظل موجودة في فكر وفي تأملات و في مشاعرالمهاجر لكنها لاتحيا ولا تتفاعل في ممارسته اليومية إن كان عنصرا فعالا في مجتمعه الجديد لأنه يجب أن ينسجم مع نظم و أعراف وثقافة من حوله.عليه أن يتحدث لغتهم ويواكب دواليب التواصل معهم .
في واحد من أجمل الكتب المتحدثة عن تجربة المهاجر و العودة يقول ميلان كوندرا:"لنتخيل مثلا عواطف شخصين لم
يلتقيا بعض منذ زمن طويل ؛ كانا في السابق أو لنقل في زمن مضى يلتقيان بكثافة و لهذا هما يعتقدان أن نفس الذكريات تجمعهما. وهنا يبدأ الخطأ:لأن الذكريات ليست نفسها عند كليهما فكل فرد يخزن ذكرياته بطريقته حتى الكمية التي تم حفظها ستختلف بينهما. أحدهما سيذكر الآخر أفضل و العكس صحيح.
عندما يسكن شخصان نفس المنزل ،يتقابلان كل يوم، يتقاسمان هموم ومسؤوليات و مشاغل اليوم فإن محاوراتهما اليومية ومايتشاركان فيه يخلق ذكرياتهما المشتركة ويجعلهما يتحادثان عن نفس التفاصيل الأمر الذي يكون تأكيدا على أنهما يعيشان سوية.(من كتاب "الجهل" لميلان كوندرا)
نفس المثل يمكن توسيع رقعته وجعل المهاجر ثابتا بعيدا و مجموعة أبناء بلده الأصلي ذلك الآخر الذي خزنت عنه ومعه ذكريات لكن التشارك الغير المتجدد جعل الهوة تكبر والسلاسة في التعامل تصير أكثر تعقيدا.
المسافة التي تحاول وسائل الإعلام والقنوات الفضائية تقليصها بين البلدان وساكنيها قد تقصر نوعا ما مسهلة التواصل الفكري و المعرفي و الثقافي لكنها أبدا لن تمزج ألوان الأوطان و ثقافات البلدان خاصة دول الغرب و الشرق.
لذا قد نجد خاصة عند المثقفين والفنانين الذين غادروا أوطانهم بعد مرحلة الشباب محاولةالإستيطان في كتابتهم و إبداعاتهم التي قد تفشل حين يتسلقون سلم النجاح العالمي أو لأقل تلك الحالة الكونرادية نسبة إلى جوزيف كونراد الكاتب الإنجليزي البولندي الأصل حين يقول:' يقيم الكاتب بيتا...من لم يعد له وطن تغدو الكتابة بالنسبة إليه مكانا للعيش..غير أن الحاجة لأن يتقسى المرء على ذاته تنطوي على الضرورة التقنية المتمثلة بمواجهة أي تراخ في التوتر الفكري بأقصى اليقظة،وإزالة كل مايبدأ بتشكيل قشرة فوق العمل أو يسوقه إلى الكسل و التواني، مما كان في مرحلة سابقة قد أفاد، كما القيل و القال، في خلق الجو الدافئ المساعد على النمو، لكنه تراجع الآن إلى الخلف.
في النهاية ليس يسمح للكاتب أن يعيش حتى في كتاباته."
وهل يعود المهاجر كما ذهب؟ حتما لا حتى وإن سكنه الوطن.

Nassira

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
نصيرة تختوخ غير متصل   رد مع اقتباس