الموضوع: همسات قاتلة
عرض مشاركة واحدة
قديم 12 / 06 / 2011, 29 : 03 AM   رقم المشاركة : [1]
عمر باوزير
كاتب نور أدبي مشارك

 الصورة الرمزية عمر باوزير
 




عمر باوزير is on a distinguished road

همسات قاتلة

همسات قاتلة
أيام تمضي وتمر والمصائب تزداد كل يوم والمعذبون في الأرض يزداد عذابهم أمام ذئاب لا ترحم...اكتب لعل النجوم تسقط من السماء وتغور في عمق الأرض لتصنع الجواهر...لكن أثمن الجواهر توجد في قلوب الناس الطيبين.
في هدأة الليل وقبل أن تلفني سلاسل السبات جعلت الخيال يكتب لي أحداثاً توالت وانقضت إلى زوال...صرخات مدوية تلحقها نياحات ودموع حتى الثرى لم يتماسك نفسه من أنين بقايا الجسد الدامي لتلك الفتاة ،والتي أخذت أنفاسها تنقطع رويداً رويداً حتى فارقت جسدها...(وما الذي حصل؟).هاهي أفواه الثرى تروي وتحكي، ونقوش الدماء التي عليها تشهد لتمس الخواطر وتتغلغل إليها.
في ليلة شتاء باردة وقد كسا الليل الأفق بردائه اتجهت فتاة في العقد الثاني من عمرها إلى محطة الحافلات...كان الصمت والسكون يطنبان على هذا الخلاء بعدما دقت الساعة اثنتي عشرة مرة، وجدت الفتاة المسكينة حافلة زرقاء وحيدة فركبتها..الحافلة لم يوجد فيها أحد. بجسدها المتعب تلقي الفتاة نفسها على مقعد و تسبح بنظرها في فضاء الليل الحالك الذي يلف السكون من حولها فزاد قلقها، ورغم الإضاءة الكلاسيكية إلا أن الكآبة كانت تتفشى في المكان على غير العادة، وبدأت أحاسيس الخوف تتسرب إلى نفسها.. فجأة تسمع أنفاساً تخرج بحرارة تعلو وتهبط باحثةً عن ضحية..أي ضحية المهم أن تتحقق رغبة النفس المنحرفة...رغبة جارفة بتعذيب مخلوق بشري ولاسيما إذا كان هذا المخلوق فتاة وحيدة!!
شعرت الفتاة بأن أحد ما يراقبها..أرسلت نظرات خائفة باتجاه الباب ، لمحت ظل مخلوق ضخم منفوش الشعر فسرت القشعريرة في جسدها وصرفت بصرها تجاه النافذة فارتد بصرها عن سواد ليل بهيم،وشعرت أن أطرافها ثقيلة من شدة الخوف ومع ذلك رفعت يدها المرتعشة ببطء وأدخلتها في حقيبتها وأخذت تبحث عن هاتفها النقال...وجدته ولكنها من شدة الخوف لم تستطع النظر إليه بل تجمدت نظراتها ناحية الباب، تراقب بنظرات خائفة مرتعشة ظل الوحش البشري وهو يتجرع الخمر من قارورة زجاجية.
أحست بأنفاس مخيفة تقترب من مكانها،اقشعر بدنها حتى سرت في جسدها رعشة جعلت شعر رأسها وذراعها يقف،وأخذ ضجيج الأنفاس الشريرة يزداد لحظة بلحظة كلما اقترب،وشعرت أن حلكة الظلام زادت من حولها،وأن سمعها يضعف عن سماع أي شيء سوى صوت هذه الأنفاس المخيفة.تقف مذعورة جاحظة العينين ترتعش ارتعاشة أغصان الشجر في مهب الريح العاصف، وتسمّرت عيناها الخائفتان مباشرة على ذلك الوحش البشري المخيف- تتضح لها الصورة للدرك الأسفل من الحيوانية- وجهاً لوجه ينظر إليها نظرات مفترسة،وضعت يديها على صدرها تتحسس دقات قلبها المضطربة. ويظهر عدم تلاقح الأفكار بينه وبينها أن« المرأة قماش أحمر..والرجل ذلك المخلوق الذي يهرول لتلك القطعة الحمراء...علماً بأنه مصاب بعمى الألوان.» وتشعر الفتاة بالبرود وأطرافها ترتعش والمرئيات أمامها مهزوزة .
المشهد لايغري بإراقة دماء وتدنيس عفة فتاة ضعيفة بريئة تصيح وتنتحب أمامه حين يفقدها بتولتها وتترجاه أن يتركها لكن لافائدة من ذلك القلب المتحجر الذي لايؤثر فيه أي صوت ألم أو ندم، ومع دموع قاتلة تنساب من عينيها يستمر هو في اغتصابها بشكل عنيف لاإنساني ودون اكتراث منه ويسمع صوت أنفاسه الكريهة وتنهداته. لم يكن بإمكان الفتاة عمل شيء إلا مقاومته بأظافرها الناعمة وصيحاتها البريئة ،وتمنت أن تجهض الأرض حلمها بأن تموت فقد مات فيها كل إحساس بالكرامة.احمرت عروق عيني الوحش البشري وحدق لعينيها ليستشف غياهب دماغها...ليرى فريسة الشتاء يوم بؤسها تزف.أهملها مستلقية على أرض طينية لوثت جسمها البارد ويطلق على أذنها اليسرى همسات وهلوسات ،ولبسته حالة الشرود والضعف بعد انتهاء اللذة وانتابته تلك الحالة كلما حاولت أصابعه أن تمس جسدها .فما لبث إلا أن أمسك سكيناً حاداً وبكل برود يمثل بجسدها بادئاً بقطع أذنها اليسرى.حاولت الفتاة الهروب لكن لاجدوى فقد وقعت في شراكه وصارت الضحية.انتهت الإثارة بالنسبة له فمضى وترك بقايا جسدها على الأرض...إنها جثة باردة على أرض كانت دافئة قبيل لحظات...راقدة على الأرض..عيناها مفتوحتان باتساعهما فيما انطبقت شفتاها على ابتسامة صماء شاردة...وبعد ساعات كانت المدينة قد اغتسلت من وجع الفتاة والتهت عنها بأخبار زائفة . و اعتقد أنه لا بد من أنسنة الإنسان إن نسي كينونته وتبقى الذكريات والكلمات جرساً يرن في آذان الماضي ويبقى الجهل ظلاماً يجتاح طريق الفؤاد.
تأليف: عمر محمد عمر بن طاهر باوزير
صيرة/م.عدن_اليمن 2009

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع عمر باوزير
 
الدنيا تعلمنا مالم يعلمنا به أحد فهي قاموس حكايات وعبر ،والموت ليس معادلة مركبة لكنه واقع ملموس تذوقه أنت إن كان قدرك أقبل والمرض ليس بشرط أن يكون نهايته الدفن في الصغر ...نعم انتظر ليحن قدرك فقد تكون آنذاك استعدت صحتك فلتنتظر قدرك ولتجعل الزمن يكتب قصتك ..لعل السطور توفي ما اكتبه لكنها لن تعبّر عن ما يكنه فؤادي ... شـكــــرا لكم وبارك الله فيكم ... لكم مني أجمل تحية .
عمر باوزير غير متصل   رد مع اقتباس