عرض مشاركة واحدة
قديم 19 / 06 / 2011, 15 : 09 AM   رقم المشاركة : [1]
خيري حمدان
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم

 الصورة الرمزية خيري حمدان
 





خيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond repute

البحث عن السعادة لدى الكاتب الأرجنتيني خورخي بوكاي


إذا كنت قادرًا على تناول وجبة واحدة خلال النهار،
وقضاء الليل تحت سقف لا يرشح قطرات المطر.
إذا كنت قادرًا على توفير دولار واحد نهاية كلّ شهر،
إذًا فأنت أحد المحظوظين في العالم، الذين لا تتجاوز نسبتهم 10%.
خورخي بوكاي
---------------------------------------------------------------

هل هو كاتب أو خبير في علم النفس؟ هو الاثنين معًا. يقوم خورخيه بوكاي هذه الأيام بزيارة بلغاريا للمرّة التالية على التوالي، لأنه مغرم بطبيعتها الجميلة، ولكثرة معارفه وأصدقائه في البلاد. كما سيقوم بتوقيع مؤلفه الجديد الذي يحمل عنوان "تحدّث معي". يحاول الكاتب من خلال قصصه وإنتاجه الأدبي التوصل ومساعدة الآخرين على التوصّل إلى وصفة إنسانية للسعادة، وهو أمرٌ يحتمل الكثير من التأويلات. من هو الغنيّ ومن هو الفقير بالتالي؟ هل المال هو أقصر الطرق إلى السعادة؟ يقول بوكاي بأن الغنيّ يملك أولوية كبيرة أمام الفقير وهي إدراكه بأنّ المال لا يكفي". كلّما حصلت على بعض المال شعرت بضرورة الحصول على المزيد. الفقير وفقًا للبيانات ذات العلاقة، هو الإنسان غير القادر على إيجاد ما يزيد عن 2 دولار آخر كلّ شهر كفائض عن حاجته، وهو القادر على تناول وجبة كاملة كلّ يوم، وقضاء الليل تحت سقف ما كلّ ليلة. هذه الفئة من الناس لا تزيد نسبتها عن 10% من تعداد البشرية! قد تبدو هذه النسبة مرعبة، كبيرة. لكنّها الحقيقة.

ماذا تريد المرأة لتشعر بالسعادة المنشودة؟ هذا سؤال حرج يحتمل إجابات عديدة. لكن دعنا نرصد قصّة كتبها بوكاي في هذا الشأن، قامت ساحرة قبيحة ذميممة على مساعدة أمير البلاد للشفاء من مرض مزمن، كان شرطها أن يتزوجها إذا تمكنت هي من شفائه. كان لها ما أرادت بالطبع وشفي الأمير الوسيم من مرضه، وحان الوقت لدفع الدين. وافق الأمير على الفور على زواجها، لكنّه اضطر ليلة عرسه للخروج لأمر طارئ، وعاد على عجل ليجد في غرفة نومه سيدة حسناء، ذات عيون زرقاء وشعر ذهبيّ طويل وملامح تخلب الأبصار. قال لها بأدب:
- أين زوجتي؟ قالت له فرحة:
- أنا زوجتك، هل نسيت بأنني ساحرة! أخبرني من تفضّل من الاثنتين، القبيحة الذميمة التي تعرفها أم الحسناء الجميلة المجهولة التي تقف الآن بين يديك؟ فكر لبعض الوقت وقال بذكاء:
- أترك لك حريّة أن تكوني المرأة التي تريدين. الجميلة أو الذميمة. فضّلت زوجه في تلك اللحظة الإبقاء على الجميلة الحسناء وبهذا تخلّص الأمير من الساحرة القبيحة وباتت الحسناء زوجته الدائمة. ما الحكمة التي يمكن استخلاصها من هذه الحكاية؟ سعادة المرأة تكمن في القدرة على جعلها تشعر بذاتها. أعتقد بأن هذه المعادلة تصلح لجميع بني البشر، المعادلة ليست حكرًا فقط على النساء والساحرات القادرات على التحوّل من قبيحة ذميمة لجميلة حسناء! كلّ إنسان يسعى للحريّة المطلقة، حريّة ممارسة الحياة بكرامة. من جهة أخرى يصبح الثراء موضع جدل حين يفقد الدولار قيمته الاقتصادية، ليتحول إلى وسيلة لتركيع المواطن. يقوم العديد من رؤساء الدول العربية بهدر مئات الملايين من الدولارات في شتّى الأوجه، دون الأخذ بعين الاعتبار حاجة مواطنيهم وتقديم الحدّ الأدنى من الحرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. عبث المال وهدره جعل من أبناء الرؤساء لا يعرفون قيمة الأوراق المالية، بعضهم لم يشاهد طوال حياته ورقة العشرة يورو أو العشرين دولارًا! فما بالك بالدولار الواحد. لنأخذ على سبيل المثال بنغلادش التي يبلغ تعداد سكانها حوالي 160 مليون نسمة، ولا يتجاوز دخل المواطن هناك 3.5 دولار يوميًا، وفقًا للبيانات التي توصّلت إليها المؤسسة الدولية للتنمية عام 2006، ولا أظن بأن الوضع بات مختلفًا في الوقت الراهن. إذن هي ليست بدولة معدمة وإن كانت فقيرة إذا أخذنا بعين الاعتبار أقوال بوكاي. بدوري أطرح سؤالاً آخر: هل بالضرورة أن يكون سكان بنغلادش تعساء؟ بالطبع لا. المال ليس كلّ شيء وقد يتحوّل إلى لعنة في الكثير من الأحوال. لكن ماذا عن الأسرة ومكوّناتها وأسسها.

هل باتت مؤسسة الزواج جزءًا من الماضي، بعد أن تبين بأن عددًا كبيرًا من الأطفال في أوروبا وأمركيا يولدون خارج مؤسسة الزواج؟ البيانات تشير إلى أن الأطفال الذين يولدون ضمن مؤسسة العائلة هم أكثر سعادة وقادرين على تحقيق المزيد من النجاح مقارنة بالأطفال الآخرين، هذا رأي السيد بوكاي كذلك مع الإشارة إلى ضرورة إجراء إصلاحات على هذه المؤسسة لتتوافق مع متطلبات العصر. قد تكون هذه المقارنة في غير محلّها حين نتناول شؤون الأسرة في العالم العربي. لأنها تعاني من مشاكل مغايرة، لكنّها لا تقلّ خطرًا عن تربية الطفل في حضانة أحد الوالدين دون الآخر، مع أن الاحصاءات تشير إلى ارتفاع نسبة الطلاق إلى مستويات كبيرة في دول العالم العربي، عدا عن العنوسة وإحجام الرجال عن الزواج بسبب كلفة الزواج والتبعات المترتبة عليه في العالم العربي والهجرة المبكرة إلى الغرب. كما أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال الذين يعملون بالرغم من قوانين العمل الدولية التي تمنع وتحرّم عمالة الأطفال تحت سنّ معيّنة. لكن يمكن معرفة حجم احترام العديد من الدول العربية للطفولة، إذا ألقينا نظرة عاجلة على محلات تصليح السيارات وغسلها والعمل في المطاعم والمقاهي بأجور رمزية. إذن تبقى السعادة المنشودة نسبية، ويمكن لأطفال العالم الثالث الشعور بالسعادة حال حصولهم على جزء قليل ممّا يحصل عليه أطفال الدول الكبرى والمتقدّمة، الذين يتعثرون بالألعاب والأجهزة الالكترونية وغير ذلك من استحقاقات الحضارة، في الوقت الذي يحلم فيه أطفال العالم الثالث بالحصول على الفتات والشعور بالشبع والأمان.

لاحظنا كذلك كيف قامت المنظمات الأصولية من غسل أدمغة الشباب في سنّ مبكّرة، ليصبحوا على استعداد لاحقًا لتفجير انفسهم بأحزمة متفجّرة، بصفتهم عبوات متنقلة. كم نحن بحاجة لتقدير معنى الحياة التي وهبنا إيّاها الخالق!

لا شكّ بأن السعادة تكمن في تفاصيل الحياة، فكلّ شيء نسبيّ وعابر. هناك دائمًا مكان لكلّ مخلوق تحت الشمس، وتبقى فلسفة السعادة مرتبطة بالكثير من القيم والأخلاق. المواطن العربي بالطبع لا يمكن أن يكون استثناءً برغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها. من الممكن أن يغرف من السعادة قدر ما يشاء، إذا فهم الحياة وعرف كيف يتعامل معها.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
خيري حمدان غير متصل   رد مع اقتباس