04 / 10 / 2011, 11 : 11 PM
|
رقم المشاركة : [4]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: الصهيونية وآثارها.
[align=justify]نتابع نشر القسم الثالث والأخير من مقال الصهيونية وآثارها.
الصهيونية العملية
من أجل تحقيق أهداف الصهيونية وإقامة الوطن القومي اليهودي، تعهدت الحركة الصهيونية الخطوات العملية التالية:
1. بناء الهياكل السياسية التي سيمكنها من تولي مهام الدولة في المستقبل.
2. أنشاء قوة عسكرية.
3. تشجيع الهجرة اليهودية.
4. إكتساب أكبر كمية ممكنة من الأراضي في فلسطين وتحويلها لممتلكات غير قابلة للتصرف (او كوقف) للشعب اليهودي.
5. انشاء الامتيازات الاحتكارية. إتحاد العمالي الصهيوني (الهستدروت) ضغط بقوة على الشركات اليهودية لتوظيف العمال اليهود فقط.
6. إنشاء هيئة مستقلة لتعليم اللغة العبرية وترسيخها في المدارس والمؤسسات الحكومية.
هذه الخطوات العملية خلقت نظاماً قائما بذاته على أرض فلسطين منفصلاً بشكل كامل عن المجتمع العربي.
أسس الصهاينة مجالس محلية منتخبة، أجهزة تنفيذية، هيئات إدارية ومحاكم دينية فوراً بعد تولي البريطانيين السلطة على فلسطين. عندما صادقت عصبة الأمم على الأنتداب البريطاني في فلسطين عام 1922، إكتسبت المنظمة الصهيونية العالمية مسؤولية تقديم المشورة والتعاون مع الادارة البريطانية وهذا لم يكن فقط في المسائل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على الوطن القومي اليهودي، ولكن ايضا في القضايا التي تتعلق بالتطوير العام للبلد. على الرغم من الضغوطات التي تعرضت لها الحكومة البريطانية رفضت إعطاء المنظمة الصهيونية العالمية حصة متساوية فى إدارة ومراقبة الهجرة ونقل ملكية الاراضي للحركة الصهيونية، إلا أن الصهاينة إكتسبوا إمتيازات كإستشاريين في آلية أخذ القرارات.
لقد إنتقد الصهاينة بشدة الجهود البريطانية لإنشاء المجلس التشريعي الفلسطيني في 1923، 1930، و 1936. وأدركوا أن مطالبت الفلسطينيين للمجلس التشريعي الفلسطيني ستجعلهم في موقف ضعيف لأن الفلسطينيين أغلبية ولذلك طالبوا بتأجيل تكوين الهيئات التمثيلية لوقت يكون المجتمع اليهودي أكبر. رفض اليهود المشاركة في إنتخابات المجلس التشريعي في عام 1923 ولكنهم اُنقذوا عندما قاطع الأنتخبات الفلسطينيون مما أجبر البريطان على إلغاء النتائج. عارضت المنظمة الصهيونية العالمية بشدة في عامي 1930 و 1936 المقترحات البريطانية لإجراء الأنتخبات التشريعية خشية فوزالفلسطينيون وذلك لأنهم سيقوضون الهجرة اليهودية وشراء الاراضي. إستمرت المعارضة الصهيونية في هذا المجال مستخدمة العذر بأن فلسطين ليست ناضجة للحكم الذاتي وذلك لإكتساب الوقت حتى أن يصبح اليهودي اغلبية في فلسطين.
لمساندة هذا المواقف شكلت الحركة الصهيونية قوة عسكرية (هاغانا) في اذار1920. وقد سبق الهاغانا إنشاء ميليشيا يهودية تدعى الحراس (هاشومير) في المستوطنات الصهيونية في القرن العشرين وتشكيل الفيلق اليهودي غضون الحرب العالمية الاولى، ولكن الأحتلال البريطاني حلّ الفيلق وسمح بتواجد مستودعات للأسلحة فى المستوطنات اليهودية لكنها كانت مختومة، وفي المناطق اليهودية - البريطانية المختلطة تم تشكيل لجان للدفاع المشترك. يرجى الملاحظة بأن إمتلاك الفلسطينيين للسلاح غضون فترة الأحتلال البريطاني كان ممنوعاً والكثير سجن بسب ذلك.
بالرغم من وضع الهاغانا الغير القانون أصبح عدد قواتها عام 1936 10,000 جندي مدرب وفي الاحتياط كان هنالك 40,000 جندي. خلال ثورة 36 شاركت الهاغانا الأحتلال البريطاني ضد الثوار الفلسطينيين، وتعاونت مع الأحتلال في حراسة خطوط سكك الحديدية وخطوط انابيب النفط الأتية من العراق الى حيفا وحراسة المناطق الحدودية. تعمق هذا التعاون أثناء الحرب العالمية الثانية عندما إنخرط 18,800 يهودي في الجيش البريطاني، وهذا أعطا الهاغانا التجارب والخبرة الازمة لتحيولها لقوة عسكرية فعالة. عندما اصبح بن غوريون وزير دفاع المنظمة الصهيونية العالمية (الى جانب رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية) في حزيران 1947 سارع في إعلان التعبئة العامة للهاجانا وبشراء الاسلحة من الولايات المتحدة واوروبا. نتيجة لذلك قفزت قوة الهاغانا الى 30,000 جندي بحلول ايار 1948 ومن ثم تضاعفت قوتها الى 60,000 بحلول منتصف يوليو التي كانت ضعف تعداد الجيوش العربية المتواجدة في فلسطين في ذلك الوقت.
كانت احدى الوسائل الرئيسية لبناء الوطن القومي تشجيع الهجرة اليهودية من اوروبا لفلسطين. إحصاءات السكان في فلسطين اثبتت التأثير الكبير للهجرة اليهودية. اول إحصاء بريطاني للسكان كان (31 ديسمبر 1922) 757,182 نسمة منهم 83,794 يهودي، وثاني إحصاء (31 كانون الأول 1931) 1,035,821 نسمة كان منهم 174,006 يهودي. وهكذا فإن السكان من اليهود كانوا بتزايد فنسبتهم زادت من 11 في المئة الى 17 في المئة. يرجى الملاحظة بأن ثلثا هذه الزيادة كان سببها الهجرة، والثلث الآخر كان نتيجة الزيادة الطبيعية. أما بالنسبة للتواجد اليهودي فالثلثين تركيزهم كان في القدس ويافا وتل ابيب، والباقي معظم تركيزهم في الشمال بما في ذلك مدينة حيفا، وصفد، وطبرية.
في بداية الأنتداب إشترط الأحتلال البريطاني أن تحدد الهجرة اليهودية بطريقة تتفق مع القدرات الاقتصادية للبلد لإستيعاب المهاجرين. لكن في عام 1931 أعلن الأحتلال البريطاني إعادة تفسير هذا القانون وربطه بقدرات القطاع الأقتصادي اليهودي على إستيعاب المهاجرين باستثناء القطاع الفلسطيني الذي كان يعاني من البطالة الشديدة. نتيجة لذلك تسارعت وتيرة الهجرة في عام 1932 وبلغة ذروتها في 1935-1936. بعبارة اخرى، إن تعداد السكان من اليهود تضاعف غضون خمس سنوات (1931 - 1936) الى 370,000 يهودي بحيث أصبحوا يشكلون 28 ٪ من مجموع السكان. سياسة الأحتلال البريطاني لم تتغير حتى عام 1939 ومن ثم تم تحديد حصة المهاجرين اليهود تلبيةً للضغوطات العربية ومطالب ثورة 36. قاومت الحركة الصهيونية هذه القيود بشدة حتى لحالة اليأس، إذ أن هذه القيود أغلقت أهم المخارج الرئيسية امام اليهود المضطهدين في المانيا وبقية اوروبا إبان الاحتلال النازي. يرجى الملاحظة بأن الولايات المتحدة وبريطانيا وبلدان أمريكا الجنوبية وضعوا قيود مشابهة أمام الاجئين اليهود وفي ذلك الوقت كانت فلسطين أكبر من إستوعب الاجئين اليهود. خلال سنوات الحرب في الاربعينات كانت الهجرة محدودة، ولكن بعد إحصاء الأنتداب للسكان في عام 1946 ووجدوا هنالك حوالى 583,000 من اليهود من إجمال 1,888,000 نسمة، او ما يعادل 31 فى المائة كانوا من اليهود. يرجى الملاحظة بأن سبعين فى المائة من الصهاينة يسكنون المدن المخصصة لليهود فقط، والاغلبية تركزوا في القدس (100,000)، حيفا (119,000)، والمناطق المحيطة ليافا والرملة (327,000)، والباقي كانوا في الجليل مع تناثر قليل في النقب ويكاد لا يوجد تواجد لهم في المرتفعات الوسطى (الضفة الغربية).
(خارطة توضحية لتوزيع السكان في فلسطين عام 1946).
http://lw.palestineremembered.com/Ma...OwnerShip2.gif
لقد قامت المنظمة الصهيونية العالمية بشن حملة واسعة النطاق لشراء أكبر كمية ممكنة من الاراضي من اجل تأسيس المستوطنات الريفية وترسيخ مطالبهم الاقليمية. في عام 1920 ملك الصهاينة 650,000 دونم وفي عام 1930 توسعوا الى 1,164,000 دونم وفي عام 1936 زادت ملكيتهم للأراضي الى 1,400,000 دونم. بحلول عام 1936 يُقدر ان أكبر مالك للأراضي الصهيونية في فلسطين (وهي شركة تنمية الاراضي الفلسطينية) قد إشترت 89 ٪ من نسبة الأراضي من إقطاعيين معظمهم غائبين من بيروت وتم شراء فقط 11 ٪ من الفلاحين الفلسطينيين، وفي عام 1947، إمتلك الصهاينة 1,900,000 دونم. ومع ذلك، فهذا لا يمثل سوى 7 ٪ من المساحة الاجمالية لفلسطين، او ما يعادل 10 الى 12 في المئة من إجمالي الاراضي الصالحة للزراعة
(خريطة توضح توزيع ملكية الأراضي في فلسطين في عام 1946).
http://lw.palestineremembered.com/Ma...OwnerShip2.gif
ووفقا للمادة 3 من دستور الوكالة اليهودية، الأراضي التي يملكها الصندوق القومي اليهودي هي ممتلكات وقف (غير قابلة للتصرف) لكافة الشعب اليهودي، وإشترطت أن تكون القوى العاملة يهودية في المستوطنات والإستثمارات الصهيونية. إحتج الفلسطينيون بحدة ضد هذا الشروط العنصرية وقدموا إلتماسات للأنتداب البريطاني في عام 1935 للحد من بيع الاراضي للصهاينة لأن المسألة لهم أصبحت مسألة حياة او موت لكل الشعب الفلسطيني لأنه يوجد خطر كبير لتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين ونقلهم للبلدان المجاورة.
لقد كان إختيارالحركة الصهيونية لمواقع المستوطنات اليهودية عادتاً يتم بناءاً على إعتبارات سياسية. كان هنالك أربع معايير لشراء الأراضي وهي كالتالي:
1. يجب أن تكون ملائمة إقتصادية.
2. يجب أن يكون تواجدها مساهم في تشكيل كتلة قوية ومتواصلة مع الأراضي اليهودية.
3. يجب أن لا تعزل المستوطنات عن باقي المستوطنات الصهيونية.
4. شراء الأراضي يجب أن يساعد على ترسيخ المطالب السياسية والاقليمية للحركة الصهيونية.
فعلى سبيل المثال تم تشيد أبراج للمراقبة في المستوطنات عام 1937 وذلك لتأمين السيطرة على اجزاء رئيسية في البلد في حالة تطبيق توصيات لجنة بيل البريطانية التي طالبت بتقسيم فلسطين لدولتين. وبالمثل شيدت أحد عشر مستوطنة (اُقيمت على عجل) في النقب فى اواخر عام 1946 لبسط نفوذها على الأراضي التي كانت مأهولة بالكامل بالفلسطينيين.
بالاضافة الى شراء الأراضي، لقد أعطت الحكومة البريطانية إحتكارات لرجال أعمال يهود بارزين مما أعطى الحركة الصهيونية دوراً مهماً فى تنمية الموارد الطبيعية في فلسطين. فعلى سبيل المثال حصل بنهاس روتنبرج في عام 1921 على إحتكار لتزويد كل فلسطين بالكهرباء بإستثناء مدينة القدس، وموشي نوفومييسكي حصل على إمتياز فى عام 1927 لتطوير المعادن في البحر الميت، وشركة تطوير الأراضي الفلسطينية الصهيونية حصلت في عام 1934 على إمتياز تجفيف بحيرة الحولة شمال بحيرة طبرية. يرحى الملاحظة بأأنه في كل حالة تم منح إمتياز فيها لليهود والحركة الصهيونية قام الفلسطينيون بتقديم عروض مماثلة لكن الإحتلال البريطاني رفضها كلها؛ فكان السياسيون الفلسطينيون يقولون ان على الحكومة ان تحتفظ بسلطتها في سبيل تنمية الموارد الطبيعية لصالح البلد بأسره ولكافة مواطنيها.
يرجى الملاحظة بأن كل عقودات الصندوق القومي اليهودي إحتوت على بند يشترط بأن تكون الأيدي العاملة يهودية في المستوطنات الزراعية والمصانع اليهودية، ونفذت سياسة مطابقة من قبل الحركة العمالية الصهيونية (الهستدروت) التى تأسست فى عام 1920. إبتداءاً من عام 1933 قام الهستدروت بحملة إعلامية شرسة ضد الشركات والمزارعين اليهود لإستخدامهم الأيدي العاملة الفلسطينية وطالبت بطردهم. فعلى سبيل المثال تظاهر منظمي الهستدروت بالقرب من بيارات الحمضيات ومواقع البناء والمصانع اليهودية في المدن وذلك لطرد العمال الفلسطينيين وإستبدالهم بعمال يهود. هذه الدعاية الصاخبة زادت من مخاوف الفلسطينين، وفي هذا السياق قال جورج منصور(الزعيم العمالي الفلسطيني الحيفاوي) بغضب في عام 1937 :
"الهدف الاساسي للهستدروت هو 'الهيمنة على فرص العمل'... فمهما كان عدد العمال العرب العاطلين عن العمل، لا يحق لها اخذ وظيفة عامل عربي وإعطائها لمهاجر يهودي حتى ولو كان مؤهل. العمال العرب لا يملكون حق العمل في المشاريع اليهودية. "
وأخيرا، إنشاء نظام تعليمي خاص لليهود باللغة العبرية كان عنصراً اساسياً لبناء الوطن القومي اليهودي، وهذا ساعد على خلق روح وطنية متماسكه ولغة موحِدة للمهاجرين الذين قدموا من بلدان مختلفة. حتى في المدارس الحكومية فُصل الأطفال اليهود عن الأطفال الفلسطينيين. نتيجة لهذه السياسة اللغوية اتساعت الهوة الثقافية بين الشعبين. بالاضافة الى ذلك كان هناك تناقض صارخ في مستويات محو الامية. في عام 1931 :
93 ٪ من اليهود الذكور (فوق السن السابع) يجيدون القراءة والكتابة.
71 ٪ من النصارى الذكور يجيدون القراءة والكتابة.
25 ٪ فقط من المسلمين الذكور يجيدون القراءة والكتابة.
عموما كانت نسبة الفلسطينيين الذين يجيدون القراءة والكتابة 19 فى المائة فى عام 1931، وإرتفعت النسبة إلى 27 ٪ بحلول عام 1940، ولكن يرجى الملاحظة أن الحد الأعلى لإستيعاب الطلاب الفلسطينيين في المدارس الحكومية والخاصة كان 30 ٪ فقط، ويرجع ذلك لقلة الميزانية المخصصة لوزارة التربية والتعليم.
السياسات العملية للحركة الصهيونية خلقت مجتمع جذوره في غاية الترابط في اواخر الاربعينات. الصهاينة كان لهم نظاماً سياسياً وتعليمياً واقتصادياً وعسكرياً منفصلاً وموازياً للأنظامة الحكومية. اليهود قللوا من إتصالاتهم مع المجتمع العربي، وتفوقوا على العرب في بعض النواحي الأساسية. على سبيل المثال اليهود في المدن تفوقوا بكثير على عدد الفلسطينيين في المدن مع أن اليهود شكلوا ثلث السكان، وفاق تعداد الاطفال اليهود في المدارس عن تعداد الأطفال العرب، والشركات اليهودية كانت توظف سبعة أضعاف العمال التي توظفهم الشركات العربية.
وهكذا فإن الوزن النسبي والاستقلال الذاتي الذي حققه الصهاينة كان أكبر بكثير من مجرد إحصاءات. إنتقال الحركة الصهيونية الى الدولة لم يكن فقط بفضل وجود الأجهزة والمؤسسات، بل لوجود المجتمع المتعلم ايضاً. هذه السياسة ساعدت وسهلت الإنفصال عن الفلسطينيين.
السياسات تجاه الفلسطينيين
كانت سياسة الحركة الصهيونية الرئيسية تجاه الفلسطينيين بأن مشكلتهم ستحل بعد حل المشكلة اليهودية، ومع مرورالوقت سيتعامل الفلسطينيون بواقع تواجد الأغلبية اليهودية. فالمستوطنات وشراء الاراضي والصناعات، والقوات العسكرية تم إكتسابها تدريجيا وبصورة في غاية التنظيم بحيث أصبحت الحركة الصهيونية قوة ليس من السهل إجتثاثها. في رسالة أرسلها وايزمان لابنة قارن الفلسطينيين فيها بالصخوروالعقبات التي يجب إزالتها لتسوية الطريق. عندما شن الفلسطينيون احتجاجاتهم العنيفة في 1920، 1921، 1929، و 1936-1939 وأواخر الأربعينات، سعت الحركة الصهيونية الى كبح جماحهم بالقوة، بدلاً من السعي الى التوصل لحل سياسي مع السكان الاصليين. اي تنازلات كانت الحكومة البريطانية تقدمها الى الفلسطينيين بشأن الهجرة اليهودية وبيع الاراضي لهم كان عادتاً تقاوم بإحتجاجات صارمة من قبل قادة الحركة الصهيونية. في الواقع أعلن بن غوريون في عام 1936 ان الفلسطينيين لن يرضخوا لإرادة الحركة الصهيونية إلا بعد وصولهم لحالة من اليأس التام.
ينظر الصهاينة نحو قبولهم لقرار التقسيم كإجراء مؤقت وإنهم لم يتخلوا عن فكرة حقهم التاريخي بكامل فلسطين. في هذا السياق علق وايزمان في عام 1937 :
"في مجرى الزمن سنتوسع في كل بلد... هذا مجرد ترتيب ل 15-30 سنة مقبلة فقط".
وبن غوريون صرح في عام 1938 ،
"بعد ان نصبح قوة ، نتيجة لإنشاء الدولة، سنقوم بإلغاء التقسيم والتوسع في كل فلسطين".
فالجهود التي بذلت لتقليص المعارضة الفلسطينية كانت قليلة.
فعلى سبيل المثال في العشرينات، مولت المنظمات الصهيونية بعض الأحزاب السياسية الفلسطينية، والصحف والافراد، وهذا كان له أثر واضوح في إنشاء ودعم الجمعبات الاسلامية الوطنية (1921-1923) والأحزاب الزراعية (1924-1926)، على ان يكون لهم مواقف محايدة او إيجابية تجاه الحركة الصهيونية، ومقابل ذلك يحصل أعضاء هذه الجمعيات والأحزاب العرب على إعانات وقروض مالية وفرص عمل في الشركات الصهيونية. وايزمان دعم هذه السياسة قائلاً:
"المتطرفين والمعتدلين على حد سواء هم عرضة للنفوذ المالي"
كان ليونارد شتاين (هو عضو في المنظمة الصهيونية العالمية في مكتب لندن) ضد هذه السياسة. كان رأيه انه يجب على الحركة الصهيونية ان تسعى دائما للتعايش مع الفلسطينيين وتوظيفهم في الشركات اليهودية وقبولهم في الجامعات اليهودية. وقال إن الأحزاب السياسية العربية المعتدلة ما هم إلا بمرددين للدعاية الصهيونية وأنهم سينهارون بمجرد إنتهاء الدعم المالي لهم. وعلى أية حال، قامت المنظمة الصهيونية العالمية بإنهاء هذة السياسة عام 1927 لأنها كانت تعاني من أزمة مالية، كما ان معظم زعماء الحركة رأوا ان هذه السياسة لن تكون مجدية.
بعض القادة الصهاينة ساندوا فكرة مشاركة العرب في الجهود العملية للحركة الصهيونية. كالفاريسكي هرتزوغ قال في عام 1923:
"يقول البعض... ان الطريق الوحيد للوصول لتفاهم المشترك مع العرب هو العمل المشترك فى مجال التجارة ،الصناعة والزراعة... ولكن هذا ما هو إلا مجرد فكرة نظرية. عملياً لم نفعل شيئا في أي عمل مشترك.
كم عربياً وظفنا في مصارفنا؟ لا أحد.
كم عربي قبلنا في مدارسنا؟ لا أحد.
كم بيوت تجارية شاركنا فيها العرب؟ لا أحد."
بعد سنتين عبر كالفاريسكي عن أسفه قائلاً :
"اننا نعرف جميعا أهمية الأقتراب من العرب، ولكن في الحقيقة اننا نزداد بعدا عنهم. لا يوجد لدينا إتصالات معهم: أننا كعالمين منفصلين، كلٌ يعيش حياته ويقاتل الاخرى."
بعض أعضاء الحركة الصهيونية أكدوا على ضرورية إنشاء علاقات سياسية جيدة مع العرب الفلسطينيين من أجل تحقيق سلام، وذلك اما لأجل تقسيم فلسطين (كما سعى له ناحوم جولدمان) أو لإنشاء دولة ثنائية القومية (كما إقتراح بريت شالوم وحركة هاشومير هتزاير). لكن الذين ذهبوا أبعد من ذلك كانوا قلة كالدكتور جودا ماغنيس (مؤسس الجامعة العبرية وأول رئيس لها) الذي إعتبر بأن مفهومه للصهيونية هو مجرد إنشاء مركز ثقافي يهودي في فلسطين وليس إقامة دولة يهودية مستقلة. في اي حال، على الأطار السياسي لم يكن هنالك أي تأثير لمؤيدي الدولة الواحدة وبشكل عام تمت مقاومتهم بحدة في الحركة الصهيونية.
رأى القادة الصهاينة انهم لا يضرون الفلسطينيون بحرمانهم من العمل في المستوطنات والمصانع اليهودية او حتى تقويض مركزهم كأغلبية في البلد. فبرأيهم الفلسطينيون يعتبرون أنفسهم جزء صغير من الأمة العربية الكبيرة؛ فمتطلباتهم الإقتصادية والسياسية يمكن تلبيتها في المناطق العربية الأخرى ولكن ليس في فلسطين. فأنه من الممكن نقلهم (او ترحيلهم) الى أماكن اخرى ومن المكن أيضاً دمجهم مع دولة شرق الأردن اذا رغبوا في الاستقلال السياسي. .
وأدى هذا التفكير لمفهوم النقل (او الترحيل) السكاني (TRANSFER). إقترح وايزمان في عام 1930 ان مشاكل عدم كفاية الارضي في فلسطين وتشريد الفلاحين يمكن حلها عن طريق نقل الفلسطينيين الى شرق الأردن والعراق. وحث الوكالة اليهودية لتقديم قرض بمليون جنيه إسترليني لمساعدة نقل المزارعين الفلسطينيين لشرق الأردن. وقد نوقشت هذه المسألة مطولاً في الوكالة اليهودية 1936-1937 في الفترة التي نوقشت فيها مسألة تقسيم فلسطين لدولتين (بناءاً على توصيات لجنة بيل البريطانية). في البداية اقترحت الأغلبية نقل طوعي للفلسطينيين من الدولة اليهودية، ولكن لاحقا أدركوا أن الفلسطينيين لن يغادر طوعا. لذلك اصرالزعماء الكبار (مثل بن غوريون) على النقل القصري للشعب الفلسطيني، وصوتت الوكالة اليهودية انه يجب على الحكومة البريطانية ان تدفع تكاليف إزالة العرب الفلسطينيين من الاراضي المخصصة للدولة اليهودية.
خلال فترة الأقتتال التي حدثت من 1947 الى 1949 ادت الى نقل سكاني اكبر بكثير مما تم تصوره في عام 1937. فالمشكلة العربية حلت بتهجير معظم العرب الفلسطينيين، وهذا كان تجسيداً لسياسة القوة القاهرة.
خاتمة
قد تحولت أرض وشعب فلسطين بالكامل خلال ثلاثين عاما من الحكم البريطاني. ان الاستعمارالذي قامت به الحركة الصهيونية مكن الطائفة اليهودية من إقامة أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعسكرية منفصلة ومستقلة عمليا. بعبارة اخرى شكلت الحركة الصهيونية دولة داخل الدولة القائمة في الوقت الذي شنت حملتها من اجل الاستقلال. قدم الأحتلال البريطاني الأسس القانونية والحماية العسكرية لإقامة جالية يهودية قوية ومستقلة قادرة على فرض إرادتها على السكان الأصلين. كانت اللجنة الملكية البريطانية (برئاسة بيل) فى يوليو 1937 أول من إقترح إنشاء الدولة اليهودية، ومن ثم أقرتها الامم المتحدة في تشرين الثاني 1947.
إندفاع الحركة لتكوينها الدولة اليهودية تجاهل تواجد الأغلبية الفلسطينية وتطلعاتها الوطنية. بعض أعضاء الحركة الصهيونية أيدوا فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية، لكن معظم قادة الحركة الصهاينة رأوا أن تقسيم فلسطين هو الطريق لتحقيق الدولة مع تقديم بعض الحقوق الوطنية للفلسطينيين. كانت فكرة نقل الفلسطينيين الى الدول العربية المجاورة تعد أيضا بمثابة وسيلة لضمان تشكيل دولة تكون أغلبيتها من اليهود. تطبيق هذه السياسة أدى لتشكيل دولة اسرائيلية على حساب تمزيق المجتمع الفلسطيني وتعزيز العداء طويل الأمد مع العالم العربي. [/align]
|
|
|
|