عرض مشاركة واحدة
قديم 09 / 04 / 2008, 47 : 04 AM   رقم المشاركة : [1]
هشام البرجاوي
ضيف
 


الرئيس هواري بومدين.

[align=justify]
لا تزال فئات واسعة من الشعب الجزائري تحن إلى أيام الرئيس هواري بومدين، أحد أقطاب المقاومة الوطنية ضد الإحتلال الفرنسي و القائد الذي خلص الجزائر من التبعية الثقافية اللغوية و السايكولوجية و المادية لفرنسا. و رغم أن بعض الكتابات تتهمه بالدكتاتورية انطلاقا من ارسائه لنظام الحزب الوحيد و سيطرته على أجهزة السلطة، فإن الإنجازات الإقتصادية، في ميداني الزراعة و الصناعة المتطورة و الإرتقاء بالأوضاع المعيشية للشعب الجزائري، لنظامه انتشلت الجزائر من التصنيف الذي كان يضعها بين البلدان المتخلفة. مثل كل الزعماء الثوريين، قرر الرئيس هواري بومدين تأميم قطاع الطاقة و تخصيص مداخيله لتطوير المجالات الحيوية للشعب الجزائري. و كان من الطبيعي أن يكتسب عداء فرنسا التي كانت المشرف المطلق على تدبير النفط و الغاز الجزائريين. اختزل علاقاته مع الأنظمة الأمبريالية الغربية في مقولة تاريخية:" نطوي صفحة الإستعمار لكننا لا نمزقها". و هو موقف يتماهى مع المدة الطويلة التي قضاها في صفوف الوطنيين الجزائريين. و قد أبدى السياسيون الفرنسيون امتعاضا بعد وصوله إلى الرئاسة في الجزائر، حيث رفض خدمة العلم الفرنسي زمن الإحتلال. دراسته في المؤسسات الدينية ربطته بفكر ابن باديس المتأسس على الإسلام و الأطروحة القومية.

و على النقيض من تجربة التعددية الحزبية التي أقرها الملك الحسن الثاني اختار الرئيس بومدين الشمولية التقدمية، و يرجع الإختلاف و إلى حد بعيد التنافر في قناعتي الزعيمين إلى تباين التربية التي تلقاها كل واحد منها، فقد أطر تربويون فرنسيون شخصية الحسن الثاني بينما نبت فكر بومدين بين الفلاحين و المزارعين البسطاء. و المشهور أن مفهوم تداول الحكم غائب في العرف السياسي العربي و الإسلامي، فحتى تطبيق الخلفاء الراشدين لمبدأ الشورى يقتصر على مرة واحدة، و يظل الخليفة متشبثا بالسلطة إلى أن يموت غالبا مقتولا. و قد لمس الخلفاء بعد أبي بكر الصديق المصير المأساوي للإستمرار الصلب في السلطة. و رغم أن عثمان بن عفان عاين مصرع عمر بن الخطاب، فإنه لم يخطط لتجديد ثقة الجمهور الإسلامي في ولايته من خلال عقد شورى على فترات منتظمة، و استمر في الحكم إلى أن قتل. نفس النهاية المأساوية أجهزت على عهد علي بن أبي طالب، لتحذف الشورى بعد قيام الدولة الأموية و الأمبراطوريات الإسلامية التي تشكلت بعدها. إن الصراع الذي احتدم بين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان يؤشر إلى خلاف عائلتين أو انتماءين عربيين على الحكم. و منذ ظهور المذهب الشيعي العلوي، فإن دعوته استهدفت القضاء على شمولية الرسالة الإسلامية، فالإسلام ليس دين عائلة واحدة و ليس منسجما مع القول ببعثة محمد إلى الإنسانية حصر الإمامة و القيادة في البيت النبوي.

مثل هذه الاستنتاجات يكتسبها، بوعي أو لاشعوريا، خريجو المدارس الدينية الأولية كالرئيس هواري بومدين و صدام حسين و جمال عبد الناصر و غيرهم من السباقين إلى حشد تأييد كل الشعب عند الانتخابات. إذ لا تنزل نسبة التأييد عن التسعين بالمائة. لقد حصل بشار الأسد على 99 بالمائة من أصوات الناخبين أثناء آخر استحقاقات رئاسية. و مهما تعددت المنطلقات الأيديولوجية الدينية أم العلمانية، فإن القائد السياسي العربي يتسلقها نحو الخلود في الحكم. بعيدا عن المقاربات التاريخية، فإن مشاريع التقدم و التنمية و البعث العملاقة التي حلم بها أمثال صدام حسين و هواري بومدين تستوجب على الأقل أكثر من ربع قرن على الأقل لتنفيذها.

من الإشكاليات العميقة التي تواجه الديمقراطية تغييرها للأيديولوجيات الإنمائية لدى فرضها لاستبدال رئيس أنهى ولايته أو ولاياته طبقا للقانون. و رغم أن الديمقراطية لم تتدخل في تغيير عبد الناصر و بومدين و صدام حسين فإن غيابهم أفضى إلى انهيارات جسيمة للإنجازات التقدمية التي أنفقوا سنوات طويلة لإنجازها. المشكل الذي نستطيع معالجته هو اتهام الدكتاتورية. لا أعتقد أن شعور الأبوة الذي يكنه القائد السياسي لشعبه و الكفاءة الكاريزمية في المنحى الإيجابي( و ليس المكر الكاريزمي) المستمدة من الترعرع بين الفلاحين و المضطهدين مواصفات دكتاتورية، و بالرجوع إلى التاريخ و التعريف المنطقي للدكتاتورية فإنني أقول إنها لا تزال اتجاها سياسيا نظريا.(أرجوع الإطلاع على مقالة:"المذهب الدكتاتوري") في القاموس الفكري الإصطلاحي للزعماء الثوريين و من ضمنهم آدولف هتلر و موسوليني سنستشف بسهولة أن مفردة:"الشعب" ترادف:"الإلوهية" و :"القدسية" و غيرها من الخصال التي يرى متقلدو الخطاب الديني أنها محصورة في الله و أنبيائه. إن هذا التباين العقدي يفسر التوتر بين الإسلاميين و القوميين مثلا في العالم العربي. غير أنه في المصير، و هو الأهم من كل القشور الأيديولوجية المولدة لصراعات جزئية، فإن الثوريين يبقون أطهارا، فقد قال بومدين:" الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" و شنق صدام حسين و هو يهتف بحرية فلسطين.
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
  رد مع اقتباس