كُتّابٌ في مَرْمى النار
ما هو العامل المشترك ما بين ألكسندر سولجنتسين وسلمان رشدي وبوعلام صنصال وأورخان باموق وفكتور سوفوروف والكاتب الإيطالي روبرتو سفيانو والكاتب البلغاري غيورعي ماركوف والفنان ناجي العلي وعلي فرزات. إنّه القلم والريشة اللذان أرقّا الكثير من القادة عبر التاريخ المعاصر وما قبل ذلك.
ألكسندر سولجنتسين الذي فارق الحياة عن عمر يناهز التسعين عامًا قبل بضعة سنوات، بقي ملاحقًا لفترات طويلة ونفي في وطنه الاتحاد السوفييتي واضطر للهرب إلى أوروبا هربًا من السلطة المطلقة لستالين الذي لم يكن يطيق نقدًا أبدًا، وكان لا يتردّد في قتل ونفي ونعذيب كلّ من يفكر بأن يقف في وجهه حتى وإن كان هذا في مصلحة البلاد على المستوى البعيد. سولجنتسين يعتبر من الكتّاب المبدعين الذين تمكنوا من تشريح المجتمع السوفييتي بدقّة متناهية ومؤلمة ذات الوقت، وبقي يكتب حتى اللحظة الأخيرة من حياته وهو من المجددين في مجال القصة القصيرة والرواية.
سلمان رشدي صاحب الآيات الشيطانية، كاد أن يثري قاتله لو تمكن من تحقيق مهمته، بعد أن قدّم آية الله الخميني جائزة مالية سخية تقدّر بملايين الدولارات. أحد أتباع تنظيم حزب الله كان على وشك اغتياله بكتاب مفخخ عام 1989لكن الكتاب انفجر مبكرًا وقتل صاحبه، ليختفي رشدي على أثر ذلك عن الأنظار لمدة 10 سنوات، ثم حصل بعد ذلك على لقب فارس من قبل الحكومة البريطانية. ردًا على ذلك، لُقّبَ أسامة بن لادن بسيف الله.
بوعلام صنصال عانى كثيرًا في الجزائر من الرقابة ومنعت كتبه من المبيع بحريّة في موطنه، وقد حصل مؤخرًا على جائزة السلام في أثناء أعمال معرض الكتاب في فرانكفورت.
الكاتب التركي أورهان باموق تعرّض أيضًا للمضايقة قبل حصوله على جائزة نوبل للآداب، لكن هذه المعاملة تغيّرت بعد حصوله على هذه الجائزة باعتبارها تكريمًا لتركيا أيضًا.
أمًا الكاتب فكتور سوفوروف الذي عمل في جهاز الاستخبارات الروسي قبل هربه إلى أوروبا وإصدار كتابه الشهير كاسحة الثلوج، حيث أوضح في هذا الكتاب وبأدلة لا تقبل الشك بأن ستالين كان يعدّ لمهاجمة ألمانيا في العام 1939 لكن هتلر سبقه وأعلن الهجوم على روسيا، وبقي ستالين مكتوف الأيدي وخسر جيشه الكثير قبل أن يتمكن من شنّ هجوم معاكس، مع أن دوره كان دفاعيًا في الدرجة الأولى ولم تنقذه سوى الثلوج التي أرهقت القوات النازية. تشير الوقائع إلى أن قرار ستالين بإعدام الجنرالات وتنحيتهم بعيدًا عن موقع القرار قبل الحرب العالمية، كان له أثرًا سلبيًا قاتلاً في مسار العمليات العسكرية لصدّ الهجمات الألمانية، ودفع الروس ثمن ذلك باهظًا جدًا، حيث قدرت الخسائر بالأرواح حوالي 20 مليون مقاتل. ولوحق سافاروف بسبب كتابه هذا من قبل أجهزة الاستخبارات الروسية طويلاً.
أمّا الإيطالي روبرتو سافيانو صاحب رواية "غومورو" التي تعرّض فيها لأدق تفاصيل ممارسات المافيا الإيطالية في نابولي، وجاء ردّ المافيا فوريًا وحاسمًا، حيث أصدرت قرارًا بتصفيته قبل نهاية العلم 2008، وأضطرت أجهزة الأمن إلى فرض رقابة دائمة لمدة 24 ساعة لحمايته، لكنّه سئم بعد سنتين هذا النمط من الحياة وهرب بعيدًا عن إيطاليا.
الكاتب والصحفي البلغاري غيورغي ماركوف، الذي عارض الرئيس البلغاري الشهير تيودور جيفكوف وأضطر للهرب إلى لندن، حيث تزوج بريطانية وبدأ العمل في محطة أوروبا الحرّة المتحدثة باللغة البلغارية. أصدرت اللجنة المركزية قرارًا بالتخلّص منه، وطعن بطرف شمسية مسمّمة في باطن قدمه في أحد أنفاق لندن، وقضى بعد يومين متأثرًا بمضاعفات السمّ في جسده.
الريشة الجريئة أيضًا طعنت أصحابها وأكبر مثال على ذلك الفنان الفلسطيني الكبير ضمير القضية والمواطنة ناجي العلي. هل هي مصادفة أيضًا في اختيار لندن، العاصمة البريطانية كانت آخر المدن التي احتضنت رفات هذا المناضل الكبير، الذي تلقّى رصاصة في إحدى الصباحات اللندنية الضبابية صيف العام 1987. مضى ناجي العلي، بعد أن أرّقت رسومه الكاريكاتورية الساخرة مضاجع الأصدقاء والأعداء. وبقي رمز الفتى الذي أدار ظهره للحياة في سنّ التاسعة حيًا يرزق، رمزٌ احتزل مأساة الهجرة الفلسطينية، بقي رمزًا خالدًا بالرغم من مرور ما يزيد على عشرين عامًا على استشهاده.
علي فرزات فنان الكاريكاتير السوري الكبير، تعرّض هو أيضًا لاعتداء مفضوح من قبل شبيحة النظام السوري الذين حاولوا تكسير أصابع يديه، لحرمانه من القدرة على الرسم والنقد والتعبير الحرّ عن ضمير المواطن السوري.
القلم والفرشاة بالرغم من هشاشتهما قادرتان على تحقيق المستحيل وقلب الموازين رأسًا على عقب لأنهما تخاطبان الوعي مباشرة، وهما أخطر بكثير من البنادق والمتفجرات، وتأثيرهما واسع وكبير. لهذا هناك حاجة ماسة لتقديم الأولوية لسلاح الوعي والضمير لتوعية وتنوير الجماهير ورمزهما القلم الفرشاة.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|