يجب أن نعترف أن " الإسلام " الدين السماوي ، القائم على مكارم الأخلاق
والرحمة والتسامح ، قد نما على جنابته وتحت عباءته ، مجموعات لا تتمتع
بكل الصفات الحميدة وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم مباشرة ؛
فمنهم من ارتدّ عن الدين وأجبر الخليفة الأول على استخدام السيف وقطع الرؤوس
ومنهم من فصّل الدين على مقاس مصالحه فأتعب المصلحين ، ، ومنهم من
فهم الدين على هواه واحتكر التأويل فكفّروا من خالفهم ؛ يجب أن نعترف بذلك
ولا نُزيّن القبح بقناع سرعان ما يسقط ويظهر جليا للعالمين ؛ فإن أول أفعال تلك
المدارس كان تكفيرها لثلاثة من أصل أربعة من الخلفاء الراشدين وثم قتلهم .
إذا كان الدين في حلّته الأولى ومع وجود الصحابة وأهل العفاف قد ظهر هؤلاء
فما بالكم ما حلّ به بعد قرون من الزمن وقد كثر أعداءه وتعددت المشارب والأفكار
وأصبح دين الله دين القرآن هو دين الأقوال والقوالون في تزايد والساحة تتسع لمن هبّ ودبّ ؟!
ويجب أن نعترف أيضا بأن ما من حزب سياسي لا يضم مجموعة من الفاسدين
والمنتفعين والانتهازيين العاملين على إقصاء غيرهم أيضا ؛ ولكن هنا باستطاعتك
النقد والتهجّم حتى دون خشية فأفكار الحزب هنا ليست مقدسه .. وحين توجه النقد
لا تخشى من اتهامك بأنك هاجمت الدين كما حال الأحزاب الدينية !
وأنا هنا وبشكل مباشر، سأتحدث عن الصراع ما بين حزب " ديني "هو
حزب الإخوان المسلمين وحزب " علماني " هو حزب البعث العربي الاشتراكي
والصراع الذي بدأ بينهما منذ أربعينات القرن الماضي وعلى خلفيات سياسية :
" الإسلامي " اتهم " البعثي " بأنه ملحد ، فردّ عليه الأخير بأنه " رجعي وعميل "
والغريب إني لم ألاحظ صراعا ما بين الإسلاميين مع المتهمون بالإلحاد فعلا
من الأحزاب الشيوعية ، بل على العكس تماما .. فتاريخ الصراع
الحزبي في سوريا قد أثبت وفي كل المراحل تحالفا غريبا ما بين هذا " الإسلامي "
وذاك الشيوعي ..! قد يبدو الأمر عجيبا لكني سأبين السبب ربما يزول العجب .
المجتمع السوري كأي مجتمع عربي هويته عربية إسلامية والمجتمع بطبعه
يمارس طقوس العبادة دون وصاية أو تطويع فهو مؤمن بربه وبدينه ،
وعندما يأتي حزب يمتطي صهوة الدين فبعض الناس تؤيده والبعض الآخر
لا يبالي ، وقلّة تقف ضده ؛ والحزب الديني يحمل بذاته عوامل تمزيق المجتمع
المسلم منذ البداية ! لماذا وكيف ؟
عندما نقول : حزب . نعني فئة مُنَظّمة من الناس ، لها برنامج تنظيمي ولها أهداف ؛
وعندما تعمل في مجتمع إسلامي وتطرح فكرها ، تخلق نوعا من الصدمة في
وجدان كل مسلم حيث يتساءل عن أسباب وجود حزب إسلامي في مجتمع مسلم
.. ثم يتعجب من تتعدد الأحزاب التي تقول بأنها إسلامية !
فهو يعرف بأن الله سبحانه واحد ، وأن قرآنه أيضا واحد ، ويعرف بأن أباه
وأمه وأجداده مسلمون مؤمنون ويعرف أن أقرباءه وأبناء حيّه وقريته
ومدينته هم أيضا مثله مسلمون مؤمنون بالله ورسوله .. فما الذي سوف
تضيفه تلك الأحزاب غير أنها سوف تتقاسم المجتمع وتجعل منه فئات
سرعان ما يتمّ تعبئتها وتبدأ في الخصام على قاعدة أنها هي الفئة الصالحة
/ " الفرقة الناجية " وأما الآخرون " في النار " ! فما بالكم حين يكون الحزب
غير " إسلامي " ؟ ! التعبئة هنا سوف تُفلسف على نواح متعددة كاتهام هذا
الحزب المنافس خصوصا إذا كان قويا بانه حزب علماني كافر ( إذ ليس بعد الكُفر ذنب ) !
هكذا بدأ مشوار الإخوان مع الحزب " العربي الاشتراكي " في مدينة حماة
فمؤسسه " أكرم الحوراني "
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%...86%D9%8Aالمسلم السني الحموي هو سليل عائلة إقطاعية
ونشأ في بيئة شهد فيها على تحالف الإقطاع ورجال الدين والظلم الذي كانوا
يسومونه للفلاحين والفقراء ، فانجذب نحو الإيمان بالدولة المدنية التي تفصل
الدين عن السياسة وبدا مسيرته السياسية مشاركا ومبشرا بالتخلص من
التحالف القائم ما بين بعض رجال الدين والإقطاع والمحتل الفرنسي فقاد ثلاث
انتفاضات قام بها الفلاحون ضد الإقطاع والمحتل في سنوات 1943، 1947،
1949 بعد فوزه بانتخابات مجلس النواب السوري عام 1943 ثم صار وزيرا
للدفاع عام 1949 وكان له الدور البارز في تسييس الجيش السوري وتقوية
أجهزة المخابرات السورية وعُرف عنه وقوفه ضد حزب الإخوان المسلمين
لطبيعة فكره العلماني الذي كما أسلفنا يؤمن بالدولة المدنية
بعد خروجه من الوزارة قام بتأسيس حزبه " العربي الإشتراكي "
العام 1950 ثم التقى بأصدقائه القدامى من البعثيين وقام بدمج حزبه مع حزب " البعث العربي "
والذي صار يعرف باسم " حزب البعث العربي / الاشتراكي " منذ العام 1952
انتهى الحوراني إلى منفيا بعد سجنه من البعث نفسه عندما وقف ضد
عبد الناصر وضد وحدة سوريا ومصر وكان أحد أهم عناصر الانفصال
فسجنه البعثيون عندما حكموا ونفوه خارج سوريا ؛ المهم في هذا الموضوع
هو أن مدينة حماة كانت معقل الإقطاع السوري ، فكسب الحوراني والبعث عداوة رجال الدين
وحزب الإخوان ومن ولاهم ، ثم ورث حزب البعث بعد حكمه عام 1963 عداوة :
الإخوان ، والإقطاع ، وجماهير أكرم الحوراني البعثي !
فالمصالح وحدّت ما بين أعداء الأمس فصار العلماني حليف الإسلامي
وصار بعثيو الحوراني أعداءً لحكم البعث منذ البداية ؛ ومنذ البداية تولى
رئاسة سوريا الرئيس الحلبي أمين الحافظ فعادت حماة بمكوناتها الجديدة
للثورة على نظام البعث وعلى الرئيس الحلبي وحملوا السلاح في وجه
الدولة فأرسل الجيش إلى حماة ليخمد ثورتها وقصف مصادر إطلاق النار
ولم تسلم الجوامع التي قُصفت مآذنها وهدمت بعض بيوتها وقتل بعض
ناسها وذلك في العام 1964 ومنذ ذلك التاريخ وذلك الحلف الثلاثي الذي انضم إليه رابع :
( بعث أكرم الحوراني + بقايا الإقطاع + الإخوان + وقسم من الشيوعيين ) وما استجد !
أقول : منذ ذلك التاريخ " والحلف" ينتظر الفرصة لينقضّ على البعث ونظامه !
ليس في حماة وحدها إنما في كل أرجاء سوريا كلها ، فالصراع السياسي كان
حاميا في المدن التي كان يسيطر فيها الشيوعيون والإخوان فنافسهم البعث وأزاحهم
منها وذلك ليس كما يُشاع بقوة العسكر والمخابرات لأن البعث انتشر كما قدمنا
منذ البداية انتشار النار في الهشيم قبل أن يحكم ب20 عاما ولكن حين حكم انتقم
من أعداءه فاستتب له الأمر حتى جاء الحكم بحافظ الأسد إلى الرئاسة ودخل على
الصراع مادّة جديدة استعملها " الإخوان "بقوة ، ألا وهي طائفة الرئيس !