الأمازيغ: الشعوبية و استرجاع الهوية؟
[align=justify]
الأمازيغ هم السكان الأوائل لشمال أفريقيا، و خلال التواجد الفرنسي بالجزائر استخدمهم السياسيون الفرنسيون مدخلا إلى البرهنة التاريخية على الأصل المسيحي للشعب الأمازيغي الذي اضطهده الإستعماريون العرب، ذلك أن العديد من مثقفي الأمازيغ، المؤيدين لفرنسا، يناهضون تسمية:"الفتح العربي الإسلامي" و يعتبرونها اخفاء شوفينيا للسمة الإمبريالية للتدخل العربي في منطقة نوميديا، أو ما يعرف حاليا بالمغرب العربي. و اعتمادا على الرواية الفرنسية ناضل فريق من الأمازيغ من أجل التأكيد على الأصل المسيحي لشمال أفريقيا. هكذا ابتكرت فرنسا قصة القديس أوغسطين البربري، و هو أحد الفقهاء المسيحيين البربر الذين عاصروا العهد الروماني و إليه ينسب نشر المسيحية في أرض "تمازغا" أي الوطن الكبير للأمازيغ، و يشمل بلدان المغرب العربي و بعض المناطق في افريقيا الوسطى. لقد حاول الإحتلال الفرنسي أن يقول للبربر:" إن المسيحية كانت هنا و أنتم مسيحيون قبل الغزو العربي"، و هو الشعار الإمبريالي الذي احتضنه العديد من المثقفين الأمازيغ و نادوا عبره باسترجاع الهوية التي أخفقت، حسب رؤيتهم، السياسة العربية الفاشية في طمسها. و يتراوح موقف الأمازيغ بين التشدد و الإعتدال، إلا أن بعض المطالب يتصدرها تطوير اللغة الأمازيغية و الحفاظ على الميراث الثقافي تعد ثوابت لا يخترقها مقياس التشدد(الشعوبية) و الإعتدال المستمد من الإنسجام مع الوحدة الوطنية و التحرك الحقوقي و الإعلامي وفق حدودها.
الكتابات التي تتناول القضية الأمازيغية لا تفصلها عن الكرد في العراق و الأقباط في مصر، و تتفاوت خطورتها طبقا لقرارات الزعماء المؤمنين بالأطروحة القومية كالرئيس الراحل هواري بومدين في الجزائر و القذافي في ليبيا و النظام المصري و الزعماء المائلين إلى الخط العربي كالملك الحسن الثاني. و قد أسس كل هؤلاء القادة أنظمة شمولية ساهمت في اقصاء قضايا القوميات غير العربية التي تسكن الوطن العربي إلى جانب العرب، و رغم أن التيار القومي يعتقد أن العروبة ثقافة و مشروع تحرر و تقدم، فإن مجرد الإلتحاق بالموكب القومي يفضي إلى اغتيال الذات و نسف هويتها الثقافية المتميزة و المختلفة باطنيا. و مهما تكن التوافقات التي يبدعها الخط القومي فإنها تظل عاجزة عن اشباع حقوق القوميات غير العربية. لقد منح الرئيس صدام حسين الحكم الذاتي بكل مقوماته السياسية و السوسيو-اقتصادية للكرد، لكنهم كانوا في طليعة المباركين و المؤيدين معنويا و اجرائيا للعدوان الأنجلو-أمريكي، و بقي البارزاني حاكم اقليم كردستان يرفض رفع العلم العراقي الممثل لدولة اضطهدت شعبه، و لم يرفع العلم العراقي في الأراضي الكردستانية إلا بعد تغييره بالتماهي مع الإرادة الفارسية و بعد زيارة أحمدي نجاد للعراق و إعرابه عن دعم بلاده لحكومة نصبها الإحتلال و فرض عليها خطة الطريق. الكرد أزالوا مقترح الحكم الذاتي و استبدلوه باستقلال شامل عن الدولة العراقية المهشمة، فمواطن عراقي غير كردي يرغب في زيارة كردستان يحتاج إلى جواز عبور، و إلى شخص يقدم له الإقامة(المحدودة) في الإقليم و كأنه يسافر إلى بلد آخر. في النموذج الكردي العراقي الحديث عن الحرية يتناقض مع الترجمة العملية لتحرر قومية ما و بنائها لجهاز سياسي يتكيف مع انتمائها الوطني.
و قد حصلت نفس ممهدات الإنفصال الكردي(التمرد، الشعوبية) في منطقة القبائل الأمازيغية في الجزائر حيث تظاهر البربر ضد وجود تشكيلات الدرك،( تشكيلات عسكرية نظامية جزائرية) و ألحوا من خلال عمليات عنف و شغب على سحبها، كما طالبوا بتحرير اللغة الأمازيغية و وقاية ميراثها الأدبي الثري من الضياع و التزييف. و على النقيض من الرؤساء الجزائريين السابقين و في مقدمتهم الراحل هواري بومدين، فإن عبد العزيز بوتفليقة استجاب لمطالب الجمهور الأمازيغي عندما أعلن عن ترسيم اللغة الأمازيغية و اعتبارها لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية، كما خصص مجلسا أعلى لتدبير مواردها الثقافية ملبيا أحد أثقل المطالب الأمازيغية التي لم يجرؤ أحد على النضال من أجلها زمن هواري بومدين و من ترأس الجزائر من بعده وصولا إلى زروال، و الذي انطلقت في عهده أولى اشارات الحوار و الإنفتاح على مرتكزات القضية الأمازيغية. و قد تفاعل الملك الحسن الثاني أيضا في أواخر مرحلته مع الثقافة الأمازيغية إذ شيد لها معهدا متخصصا و مجهزا لدراسة مصادرها و تتبع سيرورتها التاريخية، و أدمج تدريس الأمازيغية في المدارس الإبتدائية و التحضيرات قائمة لإدخالها لباقي المستويات الدراسية. كما رخصت وزارة الداخلية المغربية للحزب الديمقراطي الأمازيغي الذي دعا أمينه العام إلى طرد العرب من المغرب و عاد إلى اعتزال تصريحه إثر خضوعه لضغوطات جافة من قبل جهات نافذة في السلطة المغربية.
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|