رد: رسالة إلى صديقة
إلى صديقة
نصيرة يا حبيبة
الحزن كما أخبرتك في حديث سابق لنا في مكان آخر الحزن لا نخلعه نحن لأننا أصلاً لا نرتديه .. إنما هو حالة عصية تلبسنا وتخلعنا وقت هي تشاء ..
ربما نحن نحاول ونقاوم وندافع عن المساحات التي داهمها الحزن بشراسة ولكن ليس دائماً ننتصر على الأحزان ..
ومع ذلك فالحزن أيضاً يرحل لكن بعد أن يترك ندبة كبيرة في القلب .
أنا يا نصيرة فقدت أبي .. أبي الذي كان لي منذ وعيت على هذه الدنيا مصدراً للأمان .. أعلم جيداً أن الأمان بالله ولكن لطفلة صغيرة تتخيل أن الأب هو مركز كل شيء في دنياها الصغيره وهو مصدر الأمان ومصدر السعادة ومصدر الأمل والفرح ربما من هنا جاءت مقولة كل فتاة بأبيها معجبة وأنا لم أكن معجبة بوالدي فقط بل كنت متعلقة به ليس تعلق الفتاة الصغيرة التي تحلم بهدية جميلة أو ثوب العيد بل تعلق الفتاة التي شُرّدت من وطنها ونُفيت وذاقت مرارة الاغتراب وكانت تجد في أبيها ذلك الصدر الحنين والعقل الجبار والصبر الذي لا ينتهي والطيبة والدفء والورع والتقوى في زمن باتت فيه هذه الأشياء عملة نادرة ..
كنت متعلقة بأبي نعم وبناء عليه تعلقت أسرتي الصغيرة به وتعلق هو أيضاً بأسرتي الصغيرة وحين سافرت كنت دائماً أدعو الله أن يبقيه لي وكنت بداخلي أحلم كطفلة صغيرة تحلم بالخلود لوالدها ..
حتى أنني كنت أتخيل أن الموت لن يقترب منه ..
وبقي هذا الشعور عندي حين زرته في بيته الآخر بعد الرحيل .. سلمت عليه وقرأت له ما تيسر من القرآن الكريم وحملت نفسي وغادرت على أمل أن أقابل أبي في المنزل .. نعم لم أجده لكنني ما غادرت إلا على أمل أن ألقاه في استقبالي من جديد .. ولغاية هذه اللحظة التي أكتب لك فيها أتخيله أمامي كما يظهر لي في الأحلام ينظر إليَّ ويهزُّ رأسه بالموافقة على ما أقوم به وينال منه الإعجاب ..
ربما يا نصيرة كان الأباء لا يموتون ..
ربما ..
ومع ذلك إنا لله وإنا إليه راجعون .
أعذريني نصيرة ربما كانت الرسائل القادمة تحمل بعض الفرح ..
شكرا يا حبيبة .. شكراً أيتها الوفية النبيلة .
|