22 / 04 / 2008, 41 : 12 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
أديبة ومترجمة / مدرسة رياضيات
|
في حضن القرن الأول بعد بياتريس لأمين معلوف
قبل أن أبدأ حديثي عن الكتاب الذي انتهيت من قراءته منذ ساعات و الذي ظل في حضني و برفقتي طيلة هذه الأيام سأفتتح مقالتي بالآية الكريمة:' وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت" هناك من سيتذكر هذه الكلمات الإلهية بصوت مقرئ شجي أو بصورة سينمائية لرضيعة صارخة تقاوم الموت لكنني أربطها شخصيا بالتناقض و الفرق الشاسع بين رحمة الله وكرمه و غطرسة الإنسان و عنفه.
يهب الله الحنان و الطيبة و الإستمرارية ليدفنها الإنسان جهولا، عنيدا ،جاحدا.
قرون مضت على حكايات الجاهلية القاتمة لكن القصة لا زالت تتكرر، ليس بمواراة الجثة الغضة تحت التراب مباشرة لكن بالمسارعة إلى الإجهاض إذا كان الجنين أنثى كما يحدث في الهند ،أو بالتخلي عن المولودة لترمى في الملاجئ لعل أحد الغربيين يتبناها كما يحدث في الصين.
هنا قد يبتسم قارئ ظنا منه أن هذه العنصرية البشعة بعيدة عن الأبواب العربية وسأبتسم بدوري بحزن قائلة أنه في بعض القرى المغربية ولحد الآن يعلن عن ميلاد الذكر بالزغاريد وأن الأنثى الصغيرة تستقبل بتهاني صامتة.
نساء كثيرات في العالم العربي لا زلن يعتبرن تشريف الطفل الذكر كأول مولود إزاحة عبء ثقيل عن كاهلهن .
الآن سأفتح صفحات القرن الأول بعد بياتريس أو لقرون بدون نساء (كما ترجم العنوان ببعض اللغات)لأمين معلوف لأعرفكم على كتاب ذي نكهة خاصة:
حبوب الخنفساء التي تباع على جنبات أسواق القاهرة تلفت نظر عالم الحشرات الذي يدرك أن الهدف منها هو تعزيز الذكورة و الحصول على مولود ذكر .
الحبوب تكون بداية حكاية نضاله هوو كلا رنس زوجته الصحفية التي ستجعل من قضية العنصرية الجنسية وغطرسة الدول المتقدمة الإستعمارية قضيتها.
يكتشف الإثنان كيف أن العالم منقسم بخط أفقي إلى شمال و جنوب .
العالم كصاروخ ينطلق جزءه العلوي بسرعة مذهلة إلى الأعلى و يسقط جزءه السفلي مدمرا ،ملتهبا ومنقسما إلى آلاف الشظايا.
فاليريوس الصديق المثقف العجوز للكاتب عالم الحشرات و إيمانويل ليف عالم النبات يشاركان الزوجين في رحلة التعرف على الحقائق ومن بعد يضع فاليريوس على عاتق الكاتب مهمة إنشاء شبكة عالمية للتنبيه بأخطار مايحدث.
في واحد من المقاطع التي قد تلخص الكتاب بأكمله يتحدث إيمانويل ليف في مؤتمر عالمي غاص بالحضور قائلا:' نحن بكثرة على هذا الكوكب.سيقول البعض:'أكثر من اللازم!" وأنا لا أشاطرهم الرأي.
بكثرة نعم ربما تكاثرنا بسرعة لكن لو غرقنا جميعا في البحر الأبيض المتوسطي ونحن ثمان مليارات فإن مستوى مائه لن يرتفع إلا ببضع مليمترات, بعشر مليمتر.
نعم أيها الإخوة بكل نساءنا ورجالنا في القارات الست لسنا إلا طبقة رقيقة ,شريحة فكر ووعي ولحم رقيقة.
البعض يقول أن الأرض مكتظة وأناأقول إنها إن كانت ستكتظ فبأنانيتنا وطمعنا وطردنا للآخر.
مانسميه بكل أنانية "مساحات حياتنا","مساحات أمننا","مساحات تأثيرنا" ورغبتنا الشرسة في الإستقلالية والتخلي عن الآخر.
في أواخر القرن الماضي انقسم كوكبنا إلى جنوب ،ساخط محتج وشمال جد مستاء ومنفعل.
بعض الناس اختاروا بأن يروا هذا كواقع ثقافي وسياسي.
لكن الكراهية لايجب أن تبقى إلى مالانهاية واقعا يوميا.
في يوم ما ستنفجر الأوضاع ليكتشف المرء أنه في ظرف مئة سنة أوألف عام أو على مدار ألفي عام لم يوضع شيء في سجلات النسيان،لا لمسة احتقار ولا جزيئة خوف.
عندما يتعلق الأمر بالكراهية فإن الذاكرة تسافر عبر الزمن وتغذي نفسها بكل شيء و أي شيء حتى بالحب أحيانا.
عبر التاريخ نجحت فلسفات و مذاهب قليلة في اقتلاع الكراهية بل أنها نجحت فقط في تحويل الكراهية من موضع لآخرومن مسألة لأخرى.
من الكافر إلى الغريب أو إلى الفاشل أو الحاكم أو العبد أو الأب..طبعا تسمى الكراهية بهذا الإسم فقط عندما نستطيع ملاحظتها أما كل تلك الكراهية التي نخفيها بداخلنا فإنها تتخذ أسماء أخرى متعددة.
يوما بعد يوم تتخذ الكراهية شكل مادة مضرة، تصير ثمرة بحث مباح، كذلك الذي يسمح لنا بمحاربة الأورام الخبيثة واستئصالها وكذلك الذي يعطينا الحق في تعديل غذائنا.
لكن هذه المادة ثمرة تفقد الوعي وتعري غرائزنا السلبية.
آلاف القرون و الإنسان يستاء من ميلاد فتاة ويفرح بميلاد صبي.وفجأة يأتيهم من يقول حلمكم قابل للتحقيق.
آآلاف القرون وبعض الأجناس تحلم بإبادة أخرى و اليوم يأتي من يقول لهم بإمكانكم تحقيق ذلك دون أن يحاسبكم أحد...
عندما أقوم بتجاربي على جينات شجر الإجاص أحس بعميق القناعة بأن الله يساعدني وأنه يعطيني الحق فيما أعمل . لكن هناك فواكه محرمة.
ليس التزاوج و العلم كافيان، الفواكه المحرمة أعقد وصعب التفريق بينها .علينا لهذا التعرف عليها بعقولناوإيماننا..."
كما يشرح إيمانويل ليف في مقطعه هذا قلقه على العالم وانتشار الكراهية و عدم تقبل الآخر يأكد أمين معلوف بأحداث كثيرة حتى وإن كانت خيالية ورؤى وافتراضات مستقبلية أحيانا كيف أن مجتمعا يسوده الذكور يتحول إلى مجتمع دامي ، لاتسلم إناثه القلائل من الإغتصاب المستمر و الاختطاف ويسكنه الرعب و الموت برسمه لمجتمع متناحر في أقاصي إفريقيا سيحاول من استطاع الهرب منه الهرب فعلا إلى عالم الشمال الهادئ الذي لايأخذه بالأحضان.
يمكنني التوقف وأنا بصدد إلقاء الضوء على ظاهرة الهروب أمام جملة بديعة في الكتاب تقول:" من ريمال من نايبوتو(المناطق المتناحرة في إفريقيا)من الشرق الأدنى والأقصى ومن إفريقيا ومن أحياء الصفيح في العالم الجديد يهرب الناس متى أتيحت لهم فرصة الهرب بالقارب أو على ظهور البغال .
يحملون معهم حضارات قديمة ،يهربون كآخر الكلمات من فم يحتضر" .
في النهاية يتمنى أمين معلوف على لسان عالم الحشرات الذي تعلم احترام المخلوقات الصغيرة بدأبها و نضالها بأن يكون عالم التسامح والمحبة وتقبل الآخروتسخير العلم للعلاج والخير لا للشروالأذى ..عالم أحلامه هو حقيقة المستقبل وأن يكون ماعرفه عن العالم المتفرق المنقسم المتناحر كابوسا ,يقول هذا متجولا في ربوع الأرافيles aravis الألبية التي تمنح روحه كل الهدوء و التناغم.
ملاحظة بالفرنسية اسم الكتاب:le premier siecle apres Beatrice
بياتريس هي ابنة عالم الحشرات الوحيدة التي يحبها جدا و يتمنى أن تعيش في عالم أفضل.
Nassira
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|