الموضوع: رائحة الخبز
عرض مشاركة واحدة
قديم 11 / 02 / 2012, 21 : 02 AM   رقم المشاركة : [1]
نوره الدوسري
أستاذة تاريخ - أديبة وقاصّة
 





نوره الدوسري is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: السعودية

رائحة الخبز

رائحة الخبز






ذاك الشارع الكبير أشعر أنه مازال يرددني ....... وتلك البوابةالكبيرة المغلقة بسلاسل قديمه متآكلة تناديني حيث أصبحت هي هشة كا لبسكويت الذي يصنعه عم ( عبد القادر ) الذي هو الآخر يشتكي من الغربة فقد أصبحت الأرض خالية من المخبز ومن ساكنيها.
مازالت أشجار الورود المعمرة وأشجار الزينة العالية وهي تعانق السماء فقط هي الوحيدة التي تقبع في ذلك المكان
تردد صدى من مّر هنا يوماً وكأنها تصّر على ترديد الوفاء وإثباته لكل الراحلين عنها بعبقها المنتشر هنا تأهباً لحضورهم لتخبرهم عمّا أحدثه الزمان بعدهم وتزهر لهم زهوراً أجمل من الماضي بكثير
هنا تبدو السماء كماهي جميله واضحة صافية، لأن الأرض تزهو بارتفاعها لتكشف عن وجه آخر للجمال في تلك المنطقه الجميلة في المدينة.
كنت طفلة في الخامسة من عمري وبضفيرتين ، وأحياناً بشعر يتناثر بفوضويه على كتفي يميل إلى الحمرة، وكان لصغر حجمي جمالٌ آخر يميزني ،وبوجه عابس صغيرالملامح ،وغرة تنساب بعفوية باتجاه عينيي للتظللهم من الشمس .أحياناً أتصنع إبداء الشعيرات لأغمض جفنيي اتقاء رؤية من لاأحب رؤيتهم.
كان فهد ورفاقه يتدربون صباح كل يوم فقد تعودوا على رؤيتنا وتعودنا على رؤيتهم ( سهى .. سامي ) إخوتي كانوا يحبون لباسهم ويعشقون وضعية السلاح في أحزمتهم، كانوا يلقون عليهم التحيه كل صباح بطريقتهم العسكريه فهم ضرفاء ودودن... كنت أنا وأختي
( أمل ) معهما مرافقين كالعادة .كانا يسيران في المقدمة ونحن دائماًخلفهما ،فهما اللذان يحملان الخبز ويأكلان الرغيف الأول وهما يتحدثان مع بعضهما أو مع من يصادفهم من أبناء الجيران وأنا (نهلا ) و ( أمل ) في انتظار مايجودان به علينا من الخبز علينا فهما يمنان علينا بأخذنا معهم إلى المخبز .

كان ( فهد ) عندما يرانا يخفض رأسه باحثاً عني ، وإذا وقعت عيناه عليّ بدأت ملامح وجهي تزداد عبوساً وجفوة، بينما هو يزداد سعاده وأنساً ... يمسك بي عنوة وأنا أحاول الابتعاد عنه، فيقذف بي عالياً إلى السماء ،يجعلني حيناً على الشجرة وحيناً آخر على كتفيه ... فيزداد ضحكاً ... وأنا أبكي ... يزداد سعادة وأنا أغضب ... يزداد انشراحاً وأنا عابسة.

-انظر إلى أخوتي باستعطاف لعلهم يخلصوني من بين يديه ومن مزاحه الثقيل وفي نفسي أردد : إنه مجنون مثل ( صويلح ) ابن الجيران فازداد خوفاً منه
أستنجد ( بسهى ) و ( سامي ) أنادي بابا .. وماما ولكن مامن مجيب ولكني أتفاجأ بإخوتي يتضاحكون بل ويقهقون واشتاط غضباً
فلا أجد طريق للدفاع عن نفسي إلابالهجوم عليه فا تشبث به أكثر وأبدأ بلطم على وجهه .. كتفه .. صدره فيزداد ضحكاً وقهقه وسعادة
وأنا أشعر بالعجز والخيبة فهو جبل لايتألم !!! أهدده بأخي الاكبر ( جمال ) قائله: سأخبر ( جمال ) ليضربك ولكن مايؤ سفني ويشعرني باليأس والعجز انه أكبر منه سناً واضخم منه جسداً ،
فانا لاأشعر بالراحه والطمأنينه حتى أصل إلى المنزل حينئذ أعاتب أخوتي وأخبر امي فيتهموني بالجنون !! ( سهى ) تقفز من مكانها غاضبة وبصوت عالي تقول : من هذا الذي يجد من يحمله ويهتم به ويرفعه إلى السماء تدليلاً ويغضب !!! أنتِ محظوظة .. لابل مجنونة ... تظل أمي تنصت لحد يثنا وهي تبتسم

تمر الأيام وانا أرفض الذهاب معهم رغم أن قلبي يتقطع ألماً فهم يخرجون أمامي في كل صباح الى ذاك الشارع الكبير وأنا هنا وحيدة
في انتظارهم حتى أبناء الجيران يخرجون هم أيضاً لشراء الخبز وفي طريقهم يلعبون وتدور بينهم أحاديث شيقه . والسبب في عدم ذهابي
هو( فهد ) كم كرهته كنت أخشى أن أخبر أخي ( جمال ) لأنه كان يملك مسدساً بصفه دائمة ويحمله معه في كل مكان فالسكوت أفضل !! وعندما يعود أخوتي من المخبز ..أفرح بمجئيهم ففي تلك الفتره القصيرة التي غابوا فيها عني لشراء الخبز أفتقدتهم اقبل عليهم ولاأملك إلا سؤال واحداً ....هل جاء ذاك ا لرجل ؟؟ فيجيبون : نعم وهو يسئل عنك وعن صحتك ...فازداد له كرهاً .
-استيقظت في ذاك اليوم وقد استجمعت شجاعتي وقررت الذهاب تـــــــــــــحدياً لهم لتندرهم الدائم بي ! وكانت المفأجاة السارة ؟! أنني لم اره في هذا الصباح ..آه ... كنت سعيدة بغيابه مشينا ... ضحكنا .. لعبنا قليلاً ثم دخلنا الى المخبز وأناأضع وجهي على زجاج العرض الداخلي
لارى البسكويت بانواعه ... وأنظر إلى جمال الكعك حين يتزين بالكريمه الملونه . لتقع عيناي فجأه على ذاك الحذاء الكبير السميك والبنطال العسكري أركض والوذ بأختي ( سهى ) هذاهو
)فهد ) يهرول مسرعاً حتى يصل الي كالعادة لايهمه ردت فعلي فهو ينادي : نهلا .. نهلا ..أقتربي فقد جئت أنظري إلي ... يتعالى صراخي .. أبكي فتخبئني ( سهى ) جيداً خلفها للتهدي من روعي فما تلبث إلا قليلاًُ !! وتمسك بي وتدفعني إليه قائله : نهلا سلمي عليه فقد جاء يسئل عنك وبسرعه يحملني وهو متلهف فرحاً يرفعني على طاولة المخبز وهو يقول: نهلا أنت قبيحه
شعرك ليس جميل ... لونه المحمر بشع.
أنظر إليه بكل غضب وحقد وكره !! كيف لهذه المشاعر أن تجتمع في عيني من خلال شخص وأحد يدعى ( فهد ) وفي هذا الصباح والذي أحسبه سعيداً بالنسبه لي
يمسك شعري ... يبعثره ... يطلق الشريط الحريري الذي يجمعه في الهواء وأنا أضرب يديه في كل حركه وهو يضحك يستمر باللهو في شعري فاعض يديه بقوة فيغرق ضحكاً وكأن هناك شخص آخر معه يدغدغه . حينئذ أجزم انه مجنون آ خر يعيش حولنا ....إخوتي باستغراب قائلين: نهلا كفي
يديك عنه ... أبكي، فـ لا لي حيلة معه إلاالبكاء إنتظاراً للفرج ! والمتمثل بانزالي إلى الأرض

ومع الأيام كان لابد لي أن انقبله على مضض لأني أكتشفت أن أفضل طريق لتعامل معه نظراً لجنونه في |_أعتقادي: تجاهله والتقطيب في وجهه لعله ينثني عني ويتركني. ولكنه يزداد تعلقاً بي ... و ازداد بغضاً له.

مرت الايام سريعة متتاليه وفي يوم بارد كالعادة خرجت ( سهى .. أمل ) بينما تأخرت ( أنا .. و سامي ) لأن سامي كعادته
كان يصلح لابن الجيران دراجته وفور اانتهاءه ذهبنا مسرعين للحاق بهم لشراء الخبز



وامام البوابة الكبيرهةكانت سيارتهم العسكريه المكشوفة قد أحتشد بها جميع العسكريين وبما فيهم ( ذاك الرجل ) وهم يرتدون زيهم بكامله ... تبدو أشكالهم هذا اليوم في نظري جميله !! فالراحه تبدو على وجوههم وهم يجلسون بشكل منتظم كان ( هو ) يجلس على الجانب الايمن والسياره على أهبة الاستعداد للتحرك بينما أنا وسامي مسرعين نحو المخبز لنرى الفران وهو يخرج الخبز الحار حين تفوح رائحته ويمتزج ببرودة الصباح مودعاً يد الخباز والمخبز

وفي طريقنا المعتاد أقتربنا من السيارة بمسافه حينئذ قفز ( فهد ) كا النسر ليلتقفني من الأرض بكل رفق وحنان ولاول مرة بعد كل هذا الوقت أرى أن له عينان تختلف عن تلك التي طالما نظرت إليها بتخوف من قبل فهي تفيض بالحنان والرحابه كنت أنظر إليها بكل تركيز فلم أنتبه اليوم إلى قبعته ... مسدسه أو إلى شاربيه أو إلى فضاضته بالحديث فهو مختلف كا ختلاف هذا الصباح !! في هذه المرة لم أضربه ... ولم أأبكي ولم أتضجر ولمأطلب منه ان ينزلني في تلك اللحظه تمنيت أن لا أنزل !؟ لأني شعرت بقيمته وبأنه شي غالي لدي ونفيس



جاءوا أخوتي والتفوا حولنا واذا ( بفهد ) يخبرهم انه لن يعود مرة أخرى لان دورتهم انتهت وهذا هو اليوم الاخير لهم في هذه المدينه الرائعه والتي أجمل مافيها صباحها حين تتواجد هنا ( نهلا ) كنت أسمع الكلام ولا أعي منه الا انني جميلة وانه لن يعود مرة أخرى
وانا مازلت متشبثة به أنزلني دون مقاومة ... ودون طلب ... ودون صراخ قبلني ومضى وقد وقف زملائه ينادونه بشدة فقد حان وقت الرحيل !! وقفت هكذا مذهولة وأنا ارى السيارة مسرعه بينما عينيي تعلقت به وهو ينادي : نهلا .. نهلا وداعاً ملوحاً بيديه وأخوتي يلوحون له بقوةة وأنا عاجزه ... أفتقده وأفتقد مزاحه الثقيل وأفتقد صباحه وأنا أراه يودع أمامي
أختفت السيارة عن أنظارنا حينئذ رفعت يدي ملوحه والدموع تبلل وجهي بصمت فهو لن يعود ولن أراه مرة أخرى
هنا في هذا اليوم وفي هذا الوقت وفي هذا المكان عرفت معنى الوداع حين علمني ( هو ) الوداع في تلك السن الصغيرة درساً كبيراً تعلمته وأعتقدت أنني أستوعبته فحينما كُبرت كنت مرتبطة بوادعه ورائحة الخبز وذاك الشارع وتلك البوابة واشجار الورد كُبرت وأنا مازلت صغيرة على الوداع كما لوكنت طفلة


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
نوره الدوسري غير متصل   رد مع اقتباس