الموضوع: اليوم الغارب
عرض مشاركة واحدة
قديم 10 / 03 / 2012, 51 : 03 AM   رقم المشاركة : [5]
فهيم رياض
كاتب نور أدبي يتلألأ في سماء نور الأدب ( عضوية برونزية )
 





فهيم رياض is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

اليوم الغارب

انطلقت الدراسة في مرحلتها الثانية وقلب اباسالم لم يعد كما كان ، لقد أصبح مرنا نوعا ما و يمكنه أن يتسع لوافد إضافي من غير أهله خاصة بعد أن قرر والده بديكتاتوريته المعهودة محو ما حدث . لقد أزاح ذلك عن كاهله تلك الهواجس والقلاقل والانشغالات عن الثأر للكرامة وحفظ ماء الوجه وغيرها ، لكن : أي وافد يا ترى ؟ وما هذه المتلازمة ؟ لم عدت أفكر كثيرا في كل أمر يخص رشيدة ؟ ما هذا الشعور الجميل والمؤلم في آن حيالها ، إنه يختلف عن شعوري حيال أهلي فأنا أريد رؤية أختي وأمي وأبي ولكن أريد أيضا رؤية رشيدة لكن بشكل مختلف ، فلماذا ؟وما الفارق بين الأمرين ؟ هكذا أصبح حال اباسالم ، تساؤلات تتلوها أخرى دون أن يجد لها إجابات .
رشيدة فتاة وهبت جمالا لا يستسيغه المتسرعون ولا يتذوقه الفارزون ضمن مجموعة من قريناتها في لحظة عابرة ، ما جعلها دائما في منأى عن معاكسات ومضايقات الذكور .
جمال رشيدة بالتعبير الرياضي دالة موجبة تماما ذات منحنى متزايد ينطلق من الصفر إلى غاية مالا نهاية ، وبتعبير آخر هو كالعنكبوت الذي يلف فريسته بخيوط شبكته إلى أن تخور وتفقد قدرتها على المقاومة .
في استراحة العاشرة صباحا من يوم الأربعاء الأول للدراسة ، جاء أحد عمال الجامعة إلى اباسالم يخبره أن مكالمة تخصه بهاتف أمانة العميد . انها مزوارة من خط الوكالة البريدية لشروين ، تخبره بأن رشيدة راقدة بالمستشفى الجامعي وتطلب منه و بإلحاح القيام بزيارتها وإخبارها عن حالتها دون إبطاء و عليه أن لا يغفل عن زيارتها مستقبلا إلى أن تتعافى وتغادر المستشفى ويبلغها سلام العائلة وخاصة هي وتمنياتها لها بالشفاء العاجل .
ووددت لو انك معي يا أخية يا مزوارة فانا الآن في أمس الحاجة إليك لتخففي عني عناء هذه المهمة التي من جهة أريد القيام بها ومن جهة أخرى أخشى أن يكبلني الخجل والارتباك كالطفل الذي لم يراجع دروسه جيدا أمام معلمته . آه يا مزوارة ما أدهاك وما اذكى حيلك ، كيف عرفت أن رشيدة مريضة ؟ ومن أعطاك رقم هاتف إدارة الجامعة يا خفيفة الروح يا أخية ؟
يمشي حائرا و بتثاقل متجها نحو المستشفى ، يمر على محل للتجارة المتعددة
فتزداد حيرته : ماذا يأخذ معه لرشيدة ؟ لحم عجل ؟ كوسة أم جزر أم ماذا ؟ لاحظ التاجر تخبط زبونه فتدخل لمساعدته واقترح عليه لما عرف انه يعتزم عيادة مريض أن يقتني شيئا من الفواكه . الفواكه ؟! وأين هي هذه الفواكه ؟ أنها أمامك ، ألم ترها ؟
وصل المستشفى ،لكنه لا يعرف إلى أين يتجه ، فهو لم يسأل مزوارة عن مكان
تواجدها ، ومن يدري فقد يكون عدم السؤال هذا مبررا لإنهاء هذه المعاناة النفسية الرهيبة ؟ سأل البواب عنها وهو شبه متأكد من عجزه عن الإجابة ، فرد هذا الأخير: رشيدة بنت السيد خالد الدركي ؟
فتح الشرويني فاه كمن خذل من صديق
اتفق معه سلفا على عدم قول الحقيقة . هل غادرت المستشفى ؟
مالك ، هل أنت
حزين على فراق حبيبات التفاح التي معك ؟ انها موجودة بالغرفة الثانية للجناح الأرضي الأول المحاذي للمخبر ، وقد تماثلت للشفاء ، وستغادر بعد قليل .
تصنع
الشجاعة أمام البواب وراح بخطى ثابتة نحو المكان المحدد له . وجد الباب مواربا قليلا ، دق خفيفا ودخل ، اعتدلت رشيدة لما رأته وتبسمت تعبيرا عن سعادتها بزيارته لها أو على الأقل موافقتها عليها . سلم وسلمت ، شعر وكأن جسده يفيض عرقا تحت لباسه كما شعر وكأن أحدا يحبس انفاسه .
بادرته : انا بخير يا ابا سالم ،
لقد أصبت بتسمم خفيف وقد شفيت منه وبعد قليل سأغادر هذا المكان .
يفك الكيس
من قبضته ويتركه فوق السرير .
ما هذا يا أبا سالم ، آه تفاح شكرا جزيلا لك ،
سألتهم حبة الآن .
بحركة خاطفة يمد يديه ويمسك بهما يد رشيدة الماسكة بالتفاحة
ويقول : لا ، يجب غسلها أولا .
بقيت الأيادي الثلاث تلف بعضها والتفاحة ، والتقت
العيون وتحدثت بما لا يستطيع الراوي سرده ، ثم تفتحت كبتلات زنبقة ، تناول التفاحة وراح ليغسلها وليخلصها مما علق بها مثلما تخلص للتو من بعض الشوائب النفسية التي كانت تثبط إنطلاقته الجديدة . يعود ، ويناولها إياها .
شكرا جزيلا .
أهلي يقرؤونك السلام ويتمنون لك الشفاء العاجل ، خاصة مزوارة فهي من اخبرتني بما جرى لك .
اشتقت كثيرا لرؤيتها ، فلقد احببت كثيرا هذه الطفلة البريئة ، بلغها
وبقية العائلة سلامي وشكري .
سأغادر الآن .
ابق قليلا .
معذرة ، لدي بعض
الالتزامات ، أراك قريبا إلى اللقاء .
إلى اللقاء .
لماذا غادرت وقد طلبت منك البقاء
معها ؟ ربما كانت في حاجة إليك ؟ وما هذه الالتزامات التي عندك ؟ لا شيء ، والله لاشيء ؟ هأنت تتسكع في الطرقات كالبائس المشرد ، وستبقى على هذا الحال حتى تنتفخ قدماك ولن تجد حتى من ينظر إلى وجهك .لقد أخترت ، فردد إذن :
بفكر في اللي نسيني // وبنسى اللي فاكرني
وبهرب من اللي شاريني // وادور عاللي بايعني
ويا ليث من نسي وباع إنسان إنه الخواء فأبحث عنه لعلك تجده في مكان ما .


فهيم رياض غير متصل   رد مع اقتباس