قصة للأولاد :
 أنت جبان .
 فتحت عيني على اتساعهما وأنا أحس بالضيق.
 تسارعت نبضات قلبي .
 الغرفة وجه بارد ، تضغط عليَ جدرانها بلا رحمة .
 تمددت على الأريكة متعبا .
 طالعني وجهي في المرآة قبالتي .
 أنت جبان .
 أدرت وجهي إلى الحائط ، وأنا أبتلع ريقي بصعوبة .
 شئ كما الشوك في حلقي .
 أغمضت عيني ثانية .
 مسحت جبهتي الباردة.
 تقلبت يمنة ويسرة ، ووجهي قبالتي لا يزال في المرآة ، والصوت عال ، يدوي : أنت جبان ، أنت جبان .
 نهضت نصف نهوض .
 ضممت ركبتي إلى صدري . 
 تطامن رأسي إلى الأسفل ، وأنا أرتجف .
 تطلعت إلى المرآة ثانية .
 قطبت جبيني ، وأدمت النظر طويلا .
 لا .. أنا لست جبانا .
 في الإجازة المدرسية تعلمت السباحة ولم أخش الماء . وفي المعسكر الكشفي قتلت ثعبانا ضخما ، وقمت بالحراسة ليلا .
 أنا لا أخاف . أختي شيماء تخاف .
 بل أنت الجبان ..أنت جبان .
 أختي تتخيل في الظلام أشياء لاوجود لها . ودائما تناديني وهي تبكي لأقتل لها حشرة سخيفة .
 اذن  من كسر زجاجة عطر أمه ، وحاول إشعال سجائر أبيه , وأخذ خلسة علبة ألوان رفيقه ؟ من قال كلاما بذيئا لصديقه عمار ، وركله عامدا ؟ من ترك صحن طعام غدائه فلم يتمه ؟ ومن شاهد برامج التلفزيون زاعما أنه أنهى واجباته المدرسية ؟ من يقول إن المعلم قال لي افعل كذا ولا تفعل كذا ، فيكذب ولا يقول الحقيقة ؟ الجيران ؟
 أصدقاؤك ؟!
 نهضت من الأريكة بانزعاج .
 مشيت نحو نافذة الغرفة .
 فتحت مصراعيها على اتساعهما ، ثم أغلقتها بنزق .
 وضعت رأسي على زجاج النافذة .
 ضغطت جبهتي على الزجاج طويلا وأنا ما أزال أشعر بالضيق .
 حاولت البكاء .
 نزلت دمعة على استحياء .
 امتدت أصابعي ومسحت صفحة وجهي .
 لا.. لاتبك . 
 البكاء ضعف إن لم يكن سببا للتغيير .
 والتغيير بدؤه اعتراف وندم .
 والشجاعة ليست قلبا جريئا ، بل قلبا صادقا .
 استدرت إلى الوراء .
 مشيت نحو مكتبي .
 فتحت دفاتري .
 تراكمت أمامي صور البيت والمدرسة والأصدقاء .
 هززت رأسي .
 امتدت يدي نحو القرآن الكريم .
 قبلته بخشوع ، وأقسمت بصوت عال حازم : يا رب ، يا الله .. سامحني يا أرحم الراحمين .