الكاتبة منجية بن صالح تصر على امر لم يسبق ان سجله أي ناقد عربي لعدم وجود ما يمكن ان يبرر موقفها.
اولا نحن لا نتجادل الا لنطور رؤيتنا المشتركة ووعينا لحقائق النقد وتطوره وتأثره .. قرأت مثلا ما كتبت:"تأثر الأدب العربي بالمناهج النقدية الغربية التي غيرت معالم المشهد الثقافي و جعلته يفقد تألقه و إبداعه ليكون باهت الملامح عديم الجدوى بل يصبح سلاحا قاتلا للفكر العربي الخلاق".
للأسف لم يتأثر الأدب العربي من الأدب الغربي بمقدار ما نقل وقلد وتأثر ( الأثر كان ايجابيا رغم كل سلبيات الاستعمار الذي تلوح به بحق).. النقد اصلا هو صيغة تطورت في الثقافة الغربية بناء على فكر فلسفي، حاربناه وحرقناه برفضنا مثلا لإبن رشد.. وبالتالي خسرنا فرصة تاريخية لتطوير فلسفة عربية . النقد لم ينشأ كرد فعل للإبداع النثري او الشعري. النقد هو تيار فكري فلسفي اجتماعي نهضوي وليس مادة لعلاج النصوص فقط. هذا المجال ساد في ثقافتنا لغياب نظريات فلسفية عربية، ابقت العرب أكثر المجتمعات تخلفا منذ القرون الوسطى. هذا لا ينفي وجود مفكرين عرب وباحثين من ارقى المستويات ينشطون مع الأسف لخدمة مجتمعات الغرب، بسبب عدم وجود القاعدة الاجتماعية والعلمية لتبني نشاطهم والاستفادة منه لمصلحة التقدم العربي. ولا اكشف سرا ان الكثيرين من المفكرين والمبدعين العرب اضطروا للنشاط في دول الغرب الديمقراطية وخارج اوطانهم حتى لا يتعرضوا لسيف البطش .. ومهم مفكرين وعلماء وكتاب ونقاد ، وهل ننسى جريمة قتل حسين مروة ومهدي عامل ومحاولة قتل نجيب محفوظ وقتل فرج فودة وهروب ، او اضطرار المفكر الاسلامي المصري والباحث نصر حامد ابو زيد لترك وطنه وجامعة القاهرة والعمل في جامعتي ليدن واوترخت في هولندا بعد ان صدر حكم من "محاكم التفتيش المصرية الحديثة" بالفصل بينه وبين زوجته رغما عن انفه وانفها بحجج تثير الضحك على عقولنا وتقولين ان "الغرب افقدنا تألقنا وابداعنا؟"
قبل ان نواصل تعالوا نضع الأمور في نصابها العلمي والتاريخي.
ما هو أصل الرواية؟ (لا اعني قصص قال فلان عن فلان عن فلان بل أعني الرواية الفنية التي أضحت اليوم فنا ادبيا هاما في الثقافة ىالشرقية العربية.. ولا اقول الاسلامية لأن العرب ليسوا مسلمين فقط.وتطور الحضارة العربية والثقافة العربية في الحقبة العباسية لم يكن بجهود العلماء المسلمين فقط / والأكثرية لم يكونوا مسلمين او عربا. نفس الأمر في الحضارة العربية في اسبانيا ، كانت بتلاقي جهود العرب والمسيحيين الاسبان واليهود)
قبل النقد لنفهم ما هي جذور الرواية؟
ان الرواية بجوهرها هي ظاهرة برجوازية، ضمن فن الكتابة للمجتمع البرجوازي.
لوكاتش ، المفكر التنويري الكبير يصر بأن الرواية ليست إلا ملحمة البرجوازية التي ظهرت على مسرح التاريخ في أعقاب النهضة الأوروبية، وبالتحديد بعد الثورة الصناعية التي جعلت من الطبقة البرجوازية الطبقة السائدة في المجتمعات الأوروبية"، وعلى اعتبار أن البورجوازية طبقة أوروبية فرضت انتصارها عالميا بعد تمكنها من فرض قيمها على أوروبا.
ولكن ماذا عن بقية الأقطار غير الأوروبية؟
تعالوا ننتقل للمفكر الفلسطيني الكبير في كتابه الرائع الثقافة والامبريالية. يقول ان القصص تغدو الوسيلة التي تستخدمها الشعوب المستعمرة لتأكيد هويتها الخاصة ووجود تاريخها الخاص.
اي بكلمات احرى هي رد فعل مقاوم بنفس السلاح - الرواية.
راجعوا ما نشر من ادب روائي مترجم في مصر مثلا في بداية القرن التاسع عشر... بينما الرواية العربية تأخرت ويمكن اعتبار نجيب محفوظ الأديب الذي ارسى فن الرواية العربية، ولا يمكن ان اتجاهل أيضا جهود جرجي زيدان الروائية في سلسله رواياته عن التاريخ الاسلامي اذا من الناحية الفنية ابدع اعمالا روائية ..
ونرجع لادوارد سعيد الذي يقول ان الرواية الفرنسية والانكليزية تطورتا مع تطور الاستعمارين القديمين الفرنسي والانكليزي وان الرواية الأمريكية لم تتطور الا مع بداية القرن العشرين وبداية تعزز مكانة الإمبريالية الأمريكية عالميا.
أي ان الرواية لعبت دورا اعلاميا للإستعمار ويقدم نمذجا برواية روبنسون كروزو المعروفة حيث الهدف منها اظهار ان الغرب جلب الحضارة للدول والشعوب المتخلفة. وأيضا يحلل روايات كامو والتي تهدف خدمة الاستعمار الفرنسي.
ويقول ما معناه ان المفارقة ان هذا الفن الانساني الراقي هو وليد العصر الاستعماري الاستبدادي.
واليوم الحضارة الغربية تقدم لنا كل ما نحتاجه في منازلنا وتنقلنا ومأكلنا وحواسيبنا وحتى اوراق الطباعة ووسائل الاعلام الألكتروني . بماذا نحن نساهم الا بذمهم بما انتجوه وزودونا به ؟
ربما ليس بالصدفة ان نجد انه حيث تواجد المستعمرين تطورت الرواية المضادة او الثقافة المضادة. نفس الحال في الأدب الفلسطيني ، تطور الشعر مثلا ( محمود درويش ورفاقه) ربما بتأثير الموروث الثقافي في ظل حصار ثقافي اسرائيلي على الفلسطينيين في داخل اسرائيل. ولكننا نجد أيضا الرواية ( اميل حبيبي واخرين) التي انطلقت كرد فعل انتفاضي ضد الحكم التعسفي (بعد اقامة اسرائيل )على الأقلية الفلسطينية التي لم ترحل من وطنها.ورد فعل على الرواية الصهيونية التي حاولت تزييف التاريخ والحقائق عبر الفن الروائي.
هل يمكن الحديث عن النقد بمجتمعات تضطهد المفكرين وتقلص مساحة المواضيع المتاحة امام المواطن؟
الم نضطهد ونقمع في تاريخنا؟
النقد هو نتاج المجتمع الغربي ولا نقد بدون رؤية فلسفية، لا نقد بدون نشوء فلسفة . المدارس النقدية الأوروبية لا تلائم حسب رايي كثيرا ثقافتنا . ربما تساعدنا في تطوير مفاهيمنا النقدية وتوسيع عالمنا المعرفي. والنقد بدأ تاريخيا مع تطور الفلسفة بدءا من الحضارة الاغريقية ...