تمهيد
على طريقهما لتنفيذ مشروعهما الاستيطاني/الإحتلالي، فوق أرض فلسطين، ارتكبت العصابات الصهيونية، ومن ثم إسرائيل، بعد قيامها، الكثير من الأعمال الإرهابية البشعة.. وعلى الرغم من كل محاولات الصهيونية وإسرائيل لإخفاء الملامح غير الإنسانية لتلك الأعمال وأهدافها، فقد ظل الوجه الحقيقي لكلتيهما، الوجه اللاإنساني القبيح، بارزاً للعيان، وبقوة، يؤكد نفسه، كل يوم، من خلال استمرارهما في ارتكاب المزيد من الجرائم والممارسات الوحشية ضد العرب وغير العرب، بل ضد اليهود أحياناً، وذلك قبل الإعلان عن قيام إسرائيل وبعده، داخل إسرائيل وخارجها، على حد سواء.
ولتسويغ ما اشتمل عليه السجل الإرهابي للصهيونية وإسرائيل من جرائم مريعة، فاقت في كثير من الأحيان أفظع الجرائم التي ارتكبتها النازية ضد بعض شعوب العالم، عمدتا إلى فبركة سلسلة من الذرائع، وحاولتا إكساب هذه الذرائع ملامح (الحقيقة)، عن طريق تجنيد أجهزتهما الإعلامية لقلب معطيات الواقع وحقائقه، رأساً على عقب، بهدف تشويه التاريخ والواقع معاً، لإيهام أكبر قدر من الناس بأن كل ما ارتكبته قياداتهما وأتباعهما من جرائم، إنما كان (دفاعا عن النفس)، أمام العرب (المعتدين).
وهكذا، تم الترويج لوصف أعمال المقاومة العربية، لاغتصاب فلسطين أولاً، ثم لاحتلال الأراضي التي استولت عليها إسرائيل، بعد 1967، بأنها (أعمال إرهابية) موجهة ضد اليهود.. كما تم الترويج لوصف أي جهة عالمية تنتقد ممارسات إسرائيل الإرهابية وحروبها العدوانية ضد العرب، بأنها (معادية للسامية).. وفي الوقت ذاته، دأبت أجهزة الدعاية والإعلام الصهيونية والإسرائيلية، على تقديم العرب إلى الرأي العام العالمي، بصورة (القساة المتوحشين أعداء الحضارة والتقدم والسلام)، وبتقديم المستوطنين اليهود، في صورة النقيض تماماً، أي في صورة (الحملان الوديعة) التي هاجرت إلى فلسطين (أرض آبائها وأجدادها) فراراً من (الاضطهاد اللاسامي) المزعوم ضدهم، ونشداناً لـ (الملجأ الآمن)، لهم ولأجيالهم القادمة، من استمرارية هذا الاضطهاد..!! وهم، في هجرتهم هذه، لم يكونوا إلا (مشاعل الحضارة الأوروبية) إلى (العرب المتخلفين) الذين يناصبون إسرائيل العداء (بدافع من عدائهم المتأصل) لكل ما هو حضاري ومتقدم، كما تدعي الصهيونية.
إن جملة التلفيقات، آنفة الذكر، ظلت المحور الأهم للمادة الإعلامية الصهيونية، في العالم، ولا سيما في دول أوروبا الغربية وأمريكا.. كما ظلت هذه التلفيقات تلعب دور المسوغ الأهم أمام الرأي العام العالمي، لمعظم جرائم الصهيونية وإسرائيل وممارساتهما الإرهابية، ضد العرب، داخل فلسطين المحتلة وخارجها، وعلى امتداد مراحل الصراع العربي الصهيوني، ثم الإسرائيلي.
ولأسباب وعوامل كثيرة، لا مجال لذكرها هنا، نجحت آلة الدعاية الصهيونية، في تضليل الرأي العام العالمي، لسنوات طويلة، وخاصة في بلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، حتى صار قتل العرب واحتلال أراضيهم لا يثيران في تلك البلدان، سوى القليل من الاحتجاج أو الاستنكار الكلامي، وفي كثير من الأحيان، يقابلان بلامبالاة باردة.. بتعبير آخر: نجحت وسائل الدعاية الصهيونية، في مجتمعات تلك البلدان، وإلى حد كبير، في إبراز الضحية بصورة الجلاد، وإبراز الجلاد في صورة الضحية المحتاجة للأمان والمساعدة.. بل قد لا يبدو مبالغة القول: إن العربي في الكثير من الأوساط الأوروبية والأمريكية المضلَّلة بالدعاية والأوهام الصهيونية، صار يُعَدُّ الصورة النمطية للإنسان (المتوحش الخالي من الإنسانية والعدواني)، الأمر الذي يسوغ لنقيضه (اليهودي) قتله وسلبه وتدمير مدنه وقراه، من منطلق ما يسميه مرتكبو هذه الفظاعات بـ (الدفاع عن النفس والأمن والمنجزات والمستقبل)!!
لهذا، ولضرورة إبراز الصورة الحقيقية للعلاقة بين العرب واليهود على أرض فلسطين، ولتأكيد من هو الجلاد ومن هو الضحية في هذه العلاقة، يبدو من الضروري أن يتم إحصاء جرائم الصهيونية وإسرائيل، ضد العرب وعرضها على القارئ العربي أولا، لترسيخها في ذاكرته، بهدف حماية هذه الذاكرة من محاولات الغسيل التي تسهدفها، تحت ستار دعوات وشعارات تتخفى تحت لبوس الإنسانية تارة، وتحت يافطة السلام تارة أخرى، وغير ذلك من الدعوات غير البريئة التي بدأت تتكاثر على سطح الوعي العربي الراهن كفقاقيع الصابون.. كما أن من الضروري إحصاء جرائم الصهيونية وإسرائيل لتكون وثيقة جاهزة في يد الإنسان العربي يواجه بها متهميه بالإرهاب، ممن ضللتهم الدعاية الصهيونية والإسرائيلية، وليثبت لمن يتهمه من هؤلاء المضلَّلين، أن المتهَم الحقيقي بالإرهاب والوحشية واللاإنسانية هو الصهيونية وإسرائيل وليس العرب..
ولأن من الصعب حصر جميع الممارسات الإرهابية للصهيونية وإسرائيل، في إطار بحث محدود كهذا، خصوصاً وأن هذه الممارسات ارتقت، بعد قيام إسرائيل، إلى مستوى السياسة الرسمية، لحكوماتها المتعاقبة.. لذا، سيتم التركيز، لاحقا، على أبرز ما اشتمل عليه سجل الإرهاب الصهيوني والإسرائيلي، من جرائم وممارسات، ورد ذكرها في ما أمكن الاطلاع عليه من مصادر ومراجع، تم ثبتها في نهاية البحث.. وسيتم ذكر تلك الجرائم حسب التسلسل الزمني لتاريخ حدوث كل منها.
وبعد، أرى من الضرورة التنويه إلى أن ما قد يجده البعض نقصا يعتور هذا البحث، يعود إلى عدم تمكن مؤلفه من العثور على تاريخ حدوث بعض الأعمال الإرهابية التي نفذتها العصابات الصهيونية وإسرائيل، في المراجع التي أمكنه الإطلاع عليها...
أولاً – أبرز أعمال الإرهاب الصهيوني قبل قيام إسرائيل
تعود البدايات الأولى لأعمال الإرهاب الصهيوني إلى حوالى منتصف الثلاثينات من هذا القرن.. وتبرز في هذه الفترة الممتدة من التاريخ آنف الذكر، إلى قيام إسرائيل عام 1948، الأعمال والممارسات الإرهابية التي نفذتها العصابات الصهيونية مثل (إيتسل) و(ليحي)، و(الهاغاناه) بفصائلها المختلفة التي تأتي في مقدمتها (البالماخ)، والتي تعد القوة الضاربة لهذه العصابة التي دمرت (418) قرية عربية، ونفذت ما بين (80 ـ 90) مجزرة في صفوف أهلها، لدفع سكان القرى العربية الأخرى، إلى ترك وطنهم والفرار بعيدا عنه، خوفا من تعرضهم لمجازر مماثلة، وذلك حسبما ورد في الوثائق السرية لهذه المنظمة الإرهابية، والتي كشف النقاب عنها، وسمح بنشرها، بعد ثلاثين عاما، ظلت خلالها طي الكتمان..
وفيما يلي عرض لأبرز ما قامت به هذه العصابة والعصابات الصهيونية الأخرى، من أعمال إرهابية ضد العرب، بشكل رئيس، وضد البريطانيين وغيرهم من الأجانب، في ذلك الوقت، وحتى ضد اليهود أنفسهم أحياناً، لتحقيق أغراض وأهداف سياسية معينة ذات أبعاد استراتيجية/سياسية وعسكرية واقتصادية.. وسيتم عرض هذه العمليات الإرهابية حسب التسلسل الزمني لتاريخ حدوث كل منها..
1) 16/4/1936، اعتدى إرهابيون يهود على مواطنين عربيين يسكنان كوخاً قرب (بتاح تكفا)، وقتلاهما رمياً بالرصاص.
2) 17/3/1937، ألقى إرهابيون صهاينة أربع قنابل يدوية، على مقاهٍ عربية في يافا، نتج عنها قتل عربي واحد وإصابة عشرة بجراح.
3) 26/9/1937، ألقى رجال العصابات الصهيونية عدة قنابل يدوية على عدد من الحافلات العربية، مما أسفر عن مقتل امرأة، وإصابة أخرى بجراح..
4)11/11/1937، ألقى أحد أفراد عصابة (الإيتسل) الصهيونية قنبلة على مقهى عربي، في حديقة يافا، مما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة اثنين آخرين بجراح. كما تم في نفس اليوم إلقاء عدد من القنابل على محطة الباصات الوطنية في القدس.
5) 14/11/1937، ويسمى هذا اليوم بـ (يوم الأحد الأسود)، إذ قام فيه إرهابيون من عصابتي (الإيتسل وليحي)، بعدة عمليات، في أماكن مختلفة من فلسطين.. ففي الساعة السابعة صباحاً قُتل عربيان رمياً بالرصاص في رحابيا. وفي الساعة الثامنة صباحاً قُتل عربي آخر. وفي الساعة التاسعة والنصف أطلقت عيارات نارية على سيارة باص عربية في روميما، مما أدى إلى مقتل ثلاثة مواطنين عرب وجرح ثمانية آخرين.
6) في أواخر كانون الأول من عام 1937، ألقى أحد أعضاء (الإيتسل) قنبلة على سوق الخضار المجاورة لبوابة نابلس، في القدس، فأودى انفجارها بحياة العشرات من العرب الذين سقطوا بين قتيل وجريح.
7) 6/3/1938، ألقيت قنبلة يدوية على سوق الخضار بحيفا، نتج عنها مقتل (18) عربياً، وإصابة (38) آخرين بجراح.
8) 12/4/1938، انفجار قنبلتين في قطار العمال التابع لشركة النفط الإنجليزية/العراقية، في حيفا، مما نجم عنه مقتل شرطيين إنجليزيين ومواطنين عربيين، وجرح خمسة مواطنين عرب آخرين.
9) 17/4/1938، إلقاء قنبلة على مقهى عربي في حيفا، ومقتل عربي وجرح ستة آخرين.
10) 30/6/1938، أعدمت (الإيتسل) عربياً في حيفا انتقاماُ لمقتل أحد أفرادها.
11) 4/7/1938، تفجير باص لقرية (لفتا) عند مفترق شارعي يافا – الأنبياء في القدس، ومقتل ثلاثة مواطنين عرب وجرح (12) آخرين، كانت جراح (7) منهم خطيرة. كما قتل، في نفس اليوم، أربعة عرب وجرح أربعة آخرون بسبب إطلاق النار عليهم في حي فولوفسكي في تل أبيب.. وجرح أربعة عرب أيضاً بسبب إلقاء قنبلتين يدويتين في حي قرب تل أبيب.. وبالقرب من حي هاتكفا أطلق إرهابيون النار على مواطنين عرب فقتلوا اثنين وجرحوا ثالثا.. كذلك هوجم باص عربي قرب حي شابيرا، كما جرح مواطن عربي بعيارات نارية أطلقت عليه في شارع عين يعقوب بتل أبيب. وأطلقت النار على ثلاثة عرب فأصيبوا بجراح، وذلك أثناء الهجوم على باص عربي على طريق يافا ـ رام الله. وهوجم باص عربي آخر على طريق يافا ـ سيدنا علي، فقتل عربي واحد.. وفي نفس هذا اليوم أيضاً، نفذ هجومان في القدس، أحدهما قرب مستشفى (شعاريه تسيدك) قتل نتيجته عربي واحد، والثاني في حي البخارية، قتل بنتيجته عربي وجرح آخر. وقد نفذت هذه الأعمال مجموعات إرهابية تنتمي لعصابتي (الإيتسل) و(ليحي).
12) 6/7/1938، انفجرت سياراتان ملغومتان، وضعتهما (الإيتسل) في سوق حيفا، فأدى انفجارهما إلى مقتل (21) مواطناً عربياً، وجرح (52) آخرين. وفي نفس اليوم، انفجرت في القدس القديمة، قنبلة يدوية وضعتها عصابة (الإيتسل)، فأدت إلى مقتل شخصين وجرح أربعة.
13) 8/7/1938، ألقيت قنبلة يدوية على باص في القدس ، فقتلت أربعة عرب وجرحت (15) آخرين.
14) 14/7/1938، انفجرت قنبلة يدوية، في سوق خضار عربية، فقتلت (12) عربياً ، وجرحت (29) آخرين.
15) 15/7/1938 ، انفجرت قنبلة يدوية، ألقاها أحد عناصر (الإيتسل)، أمام أحد مساجد القدس، أثناء خروج المصلين، فقتل عشرة وأصيب ثلاثون.
16) 17/8/1938، وجد ثلاثة من العرب قتلى، في تل أبيب، وقد اعتقل البوليس خمسة من أتباع (جابوتنسكي) لاتهامهم بالحادث.
17) 25/7/1938، انفجرت سيارة ملغومة، وضعتها (الإيتسل)، في سوق الخضار بحيفا، فقتل (35) عربياً وجرح (70) آخرون.
18) 26/7/1938، ألقى أحد عناصر (الإيتسل) قنبلة يدوية في أحد أسواق حيفا، فقتل (27) عربياً، وجرح (46).
19) 26/8/1938، انفجرت سيارة ملغومة، وضعتها (الإيتسل) في سوق القدس العربية، فقتلت (34) عربياً وجرحت (35) آخرين.
20) 13/11/1938، قتلت عصابة (الإيتسل)، في ثلاثة حوادث متفرقة، خمسة عرب وجرحت أربعة.
21) 27/2/1939، فجرت عصابة (الإيتسل)، قنبلتين في حيفا، فقتل (27) عربياً، وجرح (39)، وفي نفس اليوم قتل ثلاثة عرب وجرح رابع في تل أبيب، كما قتل ثلاثة عرب وجرح ستة في القدس.
22) 25/5/1939، إطلاق النار على العرب بالقرب من بنك (باركليز) في حيفا، كما بدأت (الإيتسل) بتوجيه ضرباتها للمشاريع الهامة التابعة للانتداب البريطاني في فلسطين، بعد صدور الكتاب الأبيض في 17/5/1939.