منذ الأزل.. كان الظهور بالعورة إثماً يدعو إلى الاستنكار والخجل.
وفي أيامنا هذه، زال عنا حياءُ أبي البشر وأمهم، لما بدت لهما سوءاتهما فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، والعورة ليست فقط عورة الجسد، وإنما كل عيب صارخٍ هو عورةٌ، من مظاهرَ وسلوكٍ وطبائعَ ونظامِ حياةٍ، وباتت المجاهرةُ بها مقبولةً طبيعيةً، كيف لا، وعورة الجسد صارت أمراً عادياً، فكيف بعورة السلوك، وهي التي يغفل عنها الكثيرون؟
ولما أقف أمام مرآةٍ، شديدة النقاء، صافيةٍ كالماء الزلال، مرآةٍ أخالها من ضلالتي لجةً لو اكتست بها صروحٌ وقوارير، مرآةٍ من ذاك النوع الذي تحكيه قصص الأطفال، تكلمها وتكلمك، تسألها وتجيبك، لما أقف أمامها، تتبدّى فيها بشاعتي، وحقيقتي العارية.
ويزيد الأمرُ سوءاً بالخطاب، فيسفرُ الخطاب عما كان حبيسََ الصدور المقفلة سنواتٍ طوال، مكتوماً لا يجرؤ على الظهور إلى العلن، بسبب ما يحمله من تشوهات فكرية وعقدٍ عميقة، يبيْنُ أثرها مراتٍ في سلوكي العام، دون أن يتكشّف للآخرين أنه العورة التي أتوارى عن الناس من سوئها.
وبعد أن تراني على حقيقتي، وتتجمّلَ صبراً بما ألقيته أمامها مما نأَتْ بحمله جعبتي، أراها تبتسم لي، وكأني طفلٌ صغير، وتجيبني برقّةٍ ودفء:
أمَا وقد أسمعْتني ما عندك، فاطمئنّ، فأنا موجودةٌ وحاضرةٌ للاستماع لك في أي وقت تشاء، ولست أتوقع منك كل الإيجابية، فقد تخاطبني بقسوة وصلابة، ولكني أدرك أنها ليست مقصودة، ويوماً ما، ستعود ليّناً مرناً، جاهزاً لكي تتلقى ما أنت له أهل في نظري، وتتهيأَ لكي تنفضَ عنك غبار الماضي ورمادَ الألم، وتبدأ حياتك بكل إشراقٍ وتفاؤلٍ وأمل.
واجعل نُصْب عينيك حقيقةً أكيدة، هي أني سألازمك ولن أفارقك، فاهنأ بالاً، وطِبْ نفساً، فما كان في الماضي أبْقِهِ في الماضي، ولا تطالب الحاضرَ بأكثرَ مما يعطيك، ولا تتوقع من المستقبل الكمالَ التامّ، فأنت في النهاية، تعيش الحياةَ، بأبيضِها وأسوَدها، حلوِها ومرّها..
فلا تثقلْ على نفسك، و سِرِ الهوينى دون توقف في طريقك نحو حياة أفضل.. حياةٍ لا عوراتَ فيها