10 / 05 / 2008, 17 : 08 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
ضيف
|
الطفلة الشهيدة
الطفلة الشهيدة
قصة قصيرة
بقلم فرج العجمي
الفصل الأول
( تحية الى شعب فلسطين...الى كل مجاهد في ساحة الوغى...الى كل أسرة نالها شرف استشهاد أحد أبنائها...والى روح كل طفل كتبت له الجنة . )
الفصل الثاني
تحية الى بطلة قصتي
طفلة لم تترك وراءها في هذه الدنيا الفانية غير اسمها الجميل الذي كلما ذكرناه ترحمنا على روحها...
طفلة اسمها الهام ... سنها في عمر الزهور...
ذهبت الهام الى الشاطىء لتلعب وتمرح...
وسقطت الهام على رمال الشاطىء تسبح في بحيرة من دمها
و دماء اندادها ...
الفصل الثالث
الهام ومن معها فاجأتهم زوارق حربية اسرائيلية
و أطلقت عليهم هذه الزوارق حممها النارية
شاطىء بحرك يابيت لاهيا تحول الى برك دماء
شاطىء بحرك يا بيت لاهيا سقته دماء الابرياء
تأملي يابيت لاهيا رمال شاطئك الصفراء
فقد تحولت الوانها الصفراء الى حمراء
واختلطت ذرات رمالها بأشلاء الشهداء
الفصل الرابع
بطلة قصتي اسمها الهام
جدها مات شهيدا
والدها مات شهيدا
بطلة قصتي كانت ضحية الحمم النارية
دفنت في مقبرة بيت لاهيا
ذهبت أنا مع والدتها ...
نقرأ على روحها فاتحة الكتاب
الفصل الخامس
صحت بأعلى صوتي وأنا أكاد أفقد صوابي :
- ألا تكفين عن الرواح والمجيء ... اجلسي قليلا يا أختاه ... لقد وترت أعصابي ...
اقتربت مني وهي تلطم وجهها وتبكي بكاء يمزق القلوب ...
قالت بصوت حزين :
أين أجلس يا أخي ؟ أين ؟
هذا قبر زوجي ... وذاك قبر ابنتي الوحيدة التي لم أنجب غيرها...
وعادت من جديد تروح وتجيء بين قبر زوجها الشهيد وقبر ابنتها الهام ...
تركتها تفعل ذلك لحظات ... بقيت أراقبها و أتابع خطواتها وأنا شارد الذهن ...
كان قلبي يكاد ينفجر من الحزن والغيظ...
وتراءت لي صورة زوجها كما شاهدتها في آخر يوم رأيته فيه ... كان رحمه الله ناشطا سياسيا في منظمة وطنية ... وكان دائما يتمنى الشهادة ...
أخيرا زارني في بيتي وأخبرني أن جماعته قد اختاروه ليقوم بعملية انتحارية وأنه سعيد بهذا الاختيار...
لم أقدر أن أثنيه عن عزمه فهذه أمور لا تقبل المناقشة ...
ضمني الى صدره و أوصاني خيرا بزوجته وابنته الصغيرة الهام ... ثم ودعني وغادر بيتي ...
بعد ساعتين بلغني خبر استشهاده ...
وأقيمت لصديقي الشهيد جنازة ضخمة شارك فيها كل أهالي بيت لاهيا وعدد كبير ممن يقطنون شمال غزة ...
كان ذلك يوما رهيبا ... جميع المشيعين لجنازته كانوا يترحمون على روحه ويهتفون باسمه ... يذكرون الله ويكبرون ...
لحظات رهيبة عشتها وأنا أتابع شريط ذكرياتي مع صديقي الشهيد ...ورغم ما أحسست به من حزن لفراقه وللفراغ الذي تركه في حياة محبيه وخصوصا زوجته ...
كنت أحسده على ما حصل عليه من نعمة الشهادة التي ذهب اليها بنفسه راضيا متطوعا ...
وسمعت نحيب زوجته يعلو من جديد فأفقت من اغفاءتي ...
اتجهت اليها وخاطبتها بلطف وبلهجة حزينة لاتخلو من الغضب :
- كفاك نحيبا ...الأحرى بك ان تزغردي وان تطلبي لهما الرحمة ...
أجابتني ودموعها تنسكب من عينيها بغزارة :
- ليتني مت معهما ... ليتني غادرت هذه الدنيا الى الأبد ...
قاطعتها قائلا :
- يا أختاه اهدئي ارجوك ... ان زوجك و ابنتك لم يموتا ...
نظرت الي لحظة ثم قالت مشيرة الى قبر زوجها ثم قبر ابنتها :
- ماذا قلت ؟ لم يموتا ؟ اذن من في هذين القبرين ؟
حاولت ثانية ان أهدىء من روعها قائلا :
نعم ... زوجك وابنتك ماتا شهيدين ... وقد قال تعالى في كتابه العزيز
" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" صدق الله العظيم
تأوهت زوجة صديقي الشهيد وقالت :
- صدق الله العظيم
ثم جلست على حافة قبر زوجها ... مسحت عليه بيديها ثم التفتت الي وقالت متحدثة عن ابنتها الشهيدة :
- كانت في آخر يوم من حياتها قد طلبت مني أن أصاحبها الى الشاطىء...استجبت لطلبها ورافقتها اليه ... تركتها تلعب مع أطفال في سنها وجلست انا على الرمال اراقبها من بعيد ... كنت أشعر بسعادة فائقة و أنا أتابع حركاتها ...كانت تجري وتضحك وتمرح ...
سكتت قليلا ثم واصلت مرسلة تنهيدة يهتز لها كل من يسمعها :
- فاجأتنا زوارق حربية اسرائيلية وهي تقترب من الشاطىء ...أطلقت علينا بصفة عشوائية حممها النارية بلا شفقة ولا رحمة ...
سكتت لحظة ثم واصلت باكية :
- لما نزلت علينا شظايا نيرانهم وصواريخهم أسرعت الى ابنتي وضممتها الى صدري محاولة حمايتها ... لكن القدر سبقنا ... أصبت أنا في ذراعي اليمنى ...وأصيبت ابنتي في رأسها و صدرها ... نقلونا مع بقية المصابين الى مصحة شمال قطاع غزة ... بتروا ذراعي وحاولوا انقاذ ابنتي دون جدوى لاصاباتها الخطيرة ...عدت بها الى البيت ... بقيت يوما وليلة تصارع الموت ...فقدت وعيها ...وكانت في كل مرة تستفيق فيها تسأل عن دميتها ...
سكتت مخاطبتي لحظة ثم وقفت و أخذت تحوم حول قبر ابنتها ... شعرت بحزن عميق ... كادت تغلبني الدموع ...
ما ذنب هذه البنت الصغيرة المسكينة وما ذنب أمها ؟
حتى النساء و الاطفال لم يسلموا من بطش العدو ؟
اقتربت مني زوجة صديقي الشهيد من جديد وجعلت تنظر الي طويلا شاردة الذهن حتى أنني شعرت بحرج كبيروأنا أتطلع الى قسمات وجهها ثم انفجرت باكية ...
عادت ثانية الى الجلوس على حافة قبر ابنتها وهي تقول :
- أمام اصرار ابنتي على طلب دميتها عدت الى الشاطىء حيث داهمنا العدو ... بقيت مدة طويلة و أنا أبحث عن دمية ابنتي في جميع أرجاء الشاطىء فلم أجدها ...
كنت في كل مرة يبلغ بي اليأس كل مبلغ و أقرر العودة بدونها... لكنني كنت أتراجع عن قراري و أعود الى الشاطىء أبحث عنها من جديد حتى عثرت عليها ... كان جزء كبير منها محترقا ومع ذلك عدت بها الى البيت .
عندما وصلت وجدت أختي تنتظرني وهي في حالة انهيار ...
سألتها متلهفة مذعورة :
- ما بك ؟ هل حدث مكروه لابنتي ؟
أجابتني :
- حالتها سيئة جدا
دخلت الى البيت مسرعة واتجهت نحو سرير ابنتي ...
ارتميت عليها أحتضنها و أبكي ...
كان جسمها باردا ... باردا كالثلج ...
كانت تتنفس بصعوبة ...
قلت لأختي :
- لماذا لم تأتي لها بالطبيب ؟ لماذا ؟
أجابت :
- طلبته فجاء على وجه السرعة وقام بفحصها... لكن...
قلت وأنا أبكي متألمة :
- لكن ماذا ؟ ماذا قال ؟ أجيبي ارجوك ...
اقتربت مني واحتضنتني ... بكت وقالت بلهجة حزينة ومريرة :
- قال الطبيب انها في حالة احتظار ... لم يعد ينفعها شيء ...
أفقدني الحزن صوابي ... لم أعد أدري ما أفعل ... ارتميت من جديد على جسد ابنتي البارد أسقيه بدموعي الحارة و أقبل كل شبر فيه ...
فجأة سمعتها تقول بصوت متقطع خافت :
- ماما ...ماما ... أريد دميتي ...أريد دميتي ...
كانت الدمية ما زالت في يدي ... مددتها اليها وأنا أحاول اخفاء الجزء المحترق منها حتى لا تلاحظه فيزداد ألمها ...
لم تقدر ابنتي ان تحرك يديها ... ساعدتها على ذلك فاحتضنت دميتها و نظرت الي بعينين ذابلتين وهي تقرب دميتها من فمها وتقبلها ... ثم قالت لي :
- ماما ... أحبك كثيرا ...
لاأدري كيف ارتميت على جسد ابنتي أحتضنه من جديد ...أبكي وأقول:
- انا ايضا أحبك يا ابنتي ... احبك ...احبك ...
ولم أشعر الا وأختي وزوجها الذي التحق بنا يجذباني بلطف ويحاولان ابعادي عن ابنتي ...
نظرت اليها و انا أتراجع عنها قليلا فوجدتها جثة هامدة ... أسلمت روحها وهي تحتضن دميتها ...
اقتربت من محدثتي ...وضعت يدي على كتفها بلطف وقلت لها وأنا جد متأثر :
أرجوك ... أرجوك ... هدئي من روعك ...ابنتك شهيدة و ابنة شهيد وكلاهما في الجنة ان شاء الله
وتملكني وأنا أشيع زوجة صديقي الى بيتها شعور غريب ... كأنني أسمع هاتفا يلومني ...
فأنا فعلا مقصر ... مقصر جدا في أداء واجبي نحو وطني ...
تملكتني قوة غريبة ... رغبة جامحة في الانضمام الى اخوتي المجاهدين ...وعزم راسخ على الثورة والجهاد في سبيل تحرير الوطن من قيد الاستعمار ... الجهاد حتى النصر ...نعم حتى النصر ...
الامضاء
فرج العجمي
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|