في ذكرى اليوم العالمي للصحافة | رسالة إلى صحفي صديق
معذرة صديقي الصحفي
هذه رسالتي إليك في يوم ذكرى مهنة المتاعب , علك تعي وترعوي
أي صديقي العزيز , الصحافة ليست مجرد قلم يخرج سنانه من جيبك , ولا مقالة مطوية تحت وسادة السبق , ولا صورة ناطقة بلسان الحال .
الصحافة ليست هي حانوت العطار الذي يباع فيه الدواء الشافي من كل داء . الصحافة هي الشهادة الصادقة , والشهادة هي تأريخ للحظة , وصناعة لأهم المواد اللازمة لكتابة التاريخ .
وحين يتصدى الواحد منا ــ صحفيا كان أم كاتبا عاديا ــ لفتح العلبة السوداء الخاصة به , وكشف الغطاء عن تجربته الذاتية في معاصرة الأحداث والوقائع , فذلك أول الخطو على طريق الشوك , لأنه ليس أصعب من أن تقتنص اللحظة دون أن تشرد منك بعض حيثياتها بما ينقص قيمة شهادتك , كما أنه ليس من السهل أن تظل مشاعرك محنطة لا تتبدل ولا تتغير , وأن تعرضها عند الشهادة كما كانت في حينها ساعة وقوعها , بلا زيادة أو نقصان , لأن الشهادة التزام أولا وأخيرا , والكاتب الحقيقي والصحفي الملتزم من لا يبيت على قناعة ويصبح على أخرى .
عجبا يا صديقي لهؤلاء الذين كانوا يتحينون كل فرصة سانحة لأجل الهجوم على هاته الجهة أو تلك , وأطال الله في أعمارنا حتى جاء اليوم الذي شاهدناهم فيه يضربون بعضهم البعض بصحون مآدب أعداء الأمس , بعد أن أبدلوا البندقية من كتف إلى كتف , لذلك صعب على أمثال هؤلاء أن يفهموا معنى الإلتزام , ومعنى أن يكون للصحفي خط تحريري , وأن تكون له قضية يحيا ويكتب من أجلها , وسهل على أمثال هؤلاء أن يحكوا لنا اليوم أحداثا كما كانوا يتمنون وقوعها , لا كما هي في الواقع , ماداموا قد ارتضوا لأنفسهم تغيير جدران مقر الصحيفة البارد بكراسي دواوين الوزارة الدافئة الوثيرة , وماداموا قد أحالوا اليراع بين أناملهم إلى مجرد خرقة يلمعون بها الأحذية الوسخة لكل ولي نعمة يدفع أكثر .
عفوك ياصديقي , ليتني أقدر أن أصدق قلمك .
حسن بيسي الحاجبي
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|