[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:white;border:4px inset deeppink;"][CELL="filter:;"]
[ALIGN=center]قد تظن صديقتي أنني لم أتذكرها في باريس وأن وقتي كان مليئا بأشياء كثيرة غير صداقتنا.
لكنني حين جلست في الحافلة أخرجت أجندتي وقلمي وبدأت أكتب لها كعادتي المكتسبة منذ مدة.
قالت عني زميلتي وهي تنظر إلى السطور التي تبتدأ من اليمين إلى الشمال.
'امرأة غامضة، ترى ماتكتبين؟ '.
فرددت باسمة:'أشياء لاتستطعين قراءتها '.
وكنت أكتب :
' وعدتك ياصديقتي أن أكتب لك من مون مارتر وأنا جالسة في مقهى. لكنني في الحقيقة لم أمنح نفسي فرصة فعل ذلك أو ربما هو الوقت الذي لم يسمح لي أو هو الكريپ الشهي المحشو بالنوتيلا والموز, الذي كنت أتلذذ به وأنا أتجول في أزقة مون مارتر بين المحلات وأعمال الفنانين المتجولين, من حال بيني و بين الكتابة...
في مون مارتر عالم من البوهيمية و الحياة والجمال.
فنانون غير مبالين بشيبهم وتغير ملامحهم كل يوم.
يعيشون بما تنتجه أيديهم من لوحات فنية ويستقبلون العالم وهم يحافظون على طبعهم ووفائهم لما يحبون.
إنهم يمنحون النفوس راحة منبعثة من نفوسهم ومثلهم أحب أن أكون مريحة لغيري ولاأشعل القلق في النفوس.

أظن أنك أيضا هكذا, حتى حين لا تتعمدين, فإن لديك مساحات رحبة لا تضيق بالعيون القلقة ولاتختنق بالهواجس العابرة.
هناك من يسمي هذا طيبة وأنا أسميـه أيضا تناغما.
كلما تناغمنا مع أنفسنا وماحولنا كلما كنا أريح وأكثر توازنا.
صديقتي من الشانزايليزي، إلى حدائق تويلري، إلى ساحة الكونكورد، إلى ساحة اللوڤر، إلى كنيسة نوتردام، إلى الغروب على نهر السين إلى برج إيفيل مشيت و باريس تأخذني إليها.
تضمني كما ضمتني وأنا رضيعة وتشهد أن هناك مدنا لا تضيق قلوبها بألوان البشر وأيادي البشر وأحاديثهم وأغانيهم ..
باريس التي تقف فيها التماثيل وتتحرك فيها الحياة وتتماوج. لها تاريخ مثل مدينتك أبكاها الإنسان وأسعدها الإنسان واحتفظت في ثناياها بحب الإنسان لها وإن كان ظالما.
مدينتك أعرق وأقدس لكنها مثل باريس لا تسلخ ثوب جمالها لا تتخلى عن أصالتها عن تاريخها، عن دروبها القديمة.
مهما حاولوا تحويلها ستبقى تمتماتها القديمة حاضرة فيها.
وسيبقى صداك وأقرانك يستيقظ في حواريها.
كم مدينة زرتِ و في كم مدينة مشيتِ وبقيت هي ساكنة في قلبـك. أظن أنها مثلك وأنك تسكنين في قلبها. كما أظن أن للمدن قلوبا تحضننا وتدخلنا إليها وأن بعضها ساحرات ماهرات خيرات تشعرننا برحابة العالم وجمال التفاصيل.
من باريس أكتـب لك صديقتي لأخبـرك أن العالم الجميـل حتى وإن كان مخيفا أحيانا وأن الأمـل يمشي إلى جانبنا حتى وإن نسيناه وأن الحياة تعدنا بالحب ماأحببناها وأنـك صديقتي في أحلى مزاجاتي وأسوء مزاجاتي وفي كل شوارع الدنيا.
دمت بخير''.

Nassira[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]