|  05 / 09 / 2012, 10 : 01 AM | رقم المشاركة : [1] | 
	| جامعة بيرزيت ، رئيسي الكيمياء / فرع التسويق، تكتب الخواطر والقصص القصيرة 
 | 
				
				جرس و سراب
			 
 جـرس و سـراب
 
 
 
 دقّ الجرس ؛ أسرعت وفتحت الباب . كان أباها فهو لم يزرها منذ أكثر من شهر ، فقد كان مشغولاً بزواجه ، بالكاد استطاعت أن تبتسم .-	كيف حالكِ ؟
 -	أتنفس .
 -	هل مازلت تنتظرين ، أم أنكِ غيّرت رأيك ؟
 -	لم أغيّر رأيي بعد ، مازلت أنتظر .
 وقبل أن تُتم الساعة دورة كاملة كان قد طبع قبلة باردة على جبينها و خرج ، وتركها تتخبط في حيرتها .
 
 عادت إلى النافذة تنظر الطبيعة بنظرة جوفاء ، تسرح بعقل لا يفكر في شيء . دقّ الجرس ثانية ؛ أسرعت وفتحت الباب ، فإذا هي جارتها - والتي أصبحت منذ أن انتقلت إلى هذا البيت أعز صديقاتها - رمقتها بنظرة استغراب موعدنا غداً وليس اليوم ، أحسّت صديقتها بسؤالها فأجابتها قبل أن تسأل : غداً لديّ موعد عائلي لا أستطيع إلغاءه أو التخلّف عنه ، فوددتُ أن أراكِ اليوم دقيقتين أو ثلاث ، فطائرتي بعد غدٍ صباحاً .
 -	 ألا تستطيعين تأجيل موعد الطائرة ؟
 -	أبداً ؛ حجزت هذا الموعد منذ أسبوع .
 -	متى ستعودين ؟
 -	لا أعرف ؛ يبدو أنني لن أعود أبداً إلى هذه الديار ، ( وضحكت ضحكة لم تستطع تفسيرها ) .
 -	ألن تدخلي لنشرب كأس عصير ؟
 -	عزيزتي ؛ وقتي لا يمسح لي . تفضلي ؛ أحضرت لكِ هذه الهدية كذكرى .
 -	شكراً لك .
 قبّلتها وأسرعت إلى سيارتها . لوحّت بيدها لها ، ثم اختفت من أمام المنزل ، فعادت إلى نافذتها تنظر إلى المجهول .
 
 أخذتها غفوة ، أفاقت منها على صوت الجرس يُقرع مراراً ، استهجنت ذلك ، لكنها ركضت لتفتح الباب .
 -	مرحبا يا خالة ، معي بعض الكتب أعرضها عليك إن أردت .
 -	حسناً ؛ لا بأس .
 -	هذا كتاب عن أساليب تربية الأطفال ، وهذا كتاب يعلم الطبخ ، وهذا عن كيفية الاعتناء ...  ، وهذا ، وهذا ، وهذا ..... .   أي واحدٍ تريدين ؟
 -	ها ! أعطيني آخر كتاب .
 -	إن أعجبكِ فسأحضر لك الجزء الثاني .
 -	إن قرأتُه فسأعطيك ثمنه مرة أخرى !
 لم يفهم شيئاً مما تفوّهت به . ناولته النقود و انصرف . وقبل أن تصل إلى نافذتها دق الجرس ، استثقلت أن تعود لتفتح الباب ، فأكملت طريقها إلى النافذة .
 
 مالت الشمس إلى المغيب ، و دقّ الجرس مرة أخرى ، مشت بخطوات بطيئة حتى يملّ الطارق وينصرف ، لكنه لم يفعل فاضطرّت لفتح الباب .
 -	ألم تنتهِ بعد ، فوالدتي تنتظرك !
 -	أخبرها بأني لن آتي ، فأنا مشغولة .
 تساءلت بماذا أنا مشغولة ؟ ثم عادت إلى النافذة فلم تجد شيئاً لتراه .
 
 دقّ الجرس ، فأسرعت إلى الباب ، سمعت صوت والدتها فجفل قلبها ، كيف للأرواح أن تكون حقيقة ! فتحت الباب بحذر فإذا هي سيدة طرقت باب المنزل الخطأ .
 
 بعد أن دارت الساعة دورتين ونصف الدورة ، دقّ الجرس مرة أخرى ، ركضت وفتحت الباب فإذا هو ساعي البريد . قال لها : معذرة سيدتي فهذه الرسالة وصلت منذ أسبوع لكني لم أستطع إيجاد المنزل إلا هذه اللحظة .
 -	لا بأس ؛ شكراً لك .
 
 مزقت الظرف بسرعة ، وأخرجت الرسالة .
 " تحياتي لكِ أعطرها بشذى الياسمينة التي تكبر على مدخل بابي . لم أعد أنتظر قرارك ، لم أستطع أن آتي اليوم لأخبرك بما يختلج في صدري لأني أنتظر زائراً في نهاية الأسبوع ؛ فأرسلتُ لكِ بهذه الرسالة .
 لا أعلم إن كنتِ تنتظرينني أم لا ، لكني لا أخفيكِ أنني لست معلقاً حياتي على قرارك ، لستُ أهتم بك أكثر من حياتي ، إن كان بابك مفتوحاً فأغلقيه ، فلن أطلّ هناك . من الجيد أنه لا شيء يربطنا ببعض . شكراً لوجودكِ في حياتي يوماً من الأيام ، وداعاً " .
 
 شعرت بنشوة غريبة ، بركان يتفجر داخلها ، وقع نظرها على هدية صديقتها ، بدأت يديْها بالارتعاش ، وقلبها بالخفقان ، ليْتها علمت هذا من قبل ، ما كانت أدخلت حياتها في حيرة و ما كانت تخلّت عمّا نبض في أحشائها وأسكتتْه !
 
 
 
 فاطمة البشر
 
 
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
 | 
    |  | 
	|   |   |