[آمنة محمود]

عندما أنظر لذلك الوجه الفلسطينى الشامخ ، أرى ما فعلته ريشة
السنين والأيام على وجه صاحبته ، أرى في تقاسيم وجهها خارطة وطنى
أرى الكبرياء الأسطورى يتسلل من عينيها ، أرى الحاضر والمستقبل
يجتمع كله بين كفيها ، أرى الدفء والحنان والعطاء بلا مقابل ، ارى
شجرة الزيتون فيها راسخة في أعماق الأرض وفروعها في السماء
أراها حكاية أراها اسطورة أراها قاموس اللغة والتاريخ أراها وطنى
أراها أمي ، سبعون عاما ومازال وجع الغربة يخالج صدرها ، سبعون
عاما وما زال الحنين والشوق والأمل بغد أجمل ينتظرها
سبعون عاما وما زالت مع منجلها وطاحونتها وسل القش القديم وثوبها
الفلاحي المطرز بشتى ألوان الربيع وأغنية الصباح في أيام الحصاد
وقطف الزيتون
تشم رائحة قريتها في كل أبناء جيلها في صندوق عرسها ، في أساور
يدها ، في رائحة جسدها
سبعون عاما ومازالت تعيش غربة الوطن داخل الوطن ، وتتسلل يدها تحت
مخدتها قبل النوم يوميا لتلمس مفتاح بيتها القديم فتطمئن أنه مازال
موجودا فتشعر براحة غريبة تجعلها تغط في نوم عميق ، تعيش ذكرياتها
في كل الحكايات التى تحدثنا بها ، عن البيدر وبيت الزعتر وخبز
الطابون وقهوة الصباح في ساحة القرية ، عن موسم الخير والمطر عن
عصافير الصباح عن أهازيج الأفراح عن ضفائر النساء عن كل تفاصيل
الحياة .
تغرس فينا العشق الفلاحي القديم ، تزرع فينا سنابل القمح الذهبية
تستنهض فينا العزة والكرامة في زمن الذل والخنوع .
تشعرك أنك مازلت حيا ، أنك مازلت إنسانا
هكذا أري أمي في عيدها السبعين
فهل ترون امهاتكم مثلي ؟؟؟