مُخيم الزعتري ،،حكاية تشرد
[frame="14 90"]
طفل رضيع ،بجانب عجوز ينتظر الموت
امرأة شابة لجانب عجوز تتأبط عُكازا
وثلوج تلف المدى ،،سقطت خيمة لم تتحمل غزارة الثلج
فتلتها أخرى
هرول ساكنوالخيم إلى العراء ،،تعثرت الأقدام في مشيها
تجمدت عروق الأطفال من قساوة البرد
أنا هنا يا أبي ،لا تتركني ،إني خائف
أمينة هاتِ يدك ،أُمي لا أقو على المشي
لحاف ومِعطف صوفي ،،أحلى حلم في مخيم الزعتري
وليس الحال أفضل في باقي مُخيمات الشتات التي اتخذها السوريون
رسالة لن أُوجهها إلى العالم المنكوب ،،والأمم الغارقة بعولمة فُلكها
إنما أتوجه بها إلى سوريي الشتات ،في الداخل والخارج
إلى وطني الحبيب سورية
إلى اللحن الخالد في فؤادي ،والإسم الأبي على شفاهي
الجمهورية العربية السورية
شمالها وجنويها ،،شرقها وغربها بحرها ونهرها جبالها وسهولها
بحزنها وفرحها ،،صخبها وصمتها ،،سمائها وأرضها ،كنائسها ومآذنها
عنفوانها وكبريائها
إلى نسرها الشامخ صديق شمسها الدافئة
إلى صخرها العنيد
وجذورها الأصيلة
إلى عراقتها الأموية
اوغاريتيتها العالمية
إلى كل من حمل جنسيتها
من لاجئ صغير ،افترش العراء وسط أقسى الظروف ،،وأعنف شدات غضب الطبيعة
درجات الحرارة بانخفاض يصل إلى ما دون -5
من طفل حمل جراحه ومضى لأنه تابع لوالديه ،،ولا يحق له أن يُعبر عن رأيه
ويتشبث بأرضه إذا ما قرر الكبار الرحيل عنها
من قلب يئن ألما واشتياقا لغرفة صغيرة متواضعة كانت تحضنه شتاءا وتداعبه صيفا
وتلاعبه ربيعا ،،انتزع منها عِنوة ،ليرى نفسه سكين خيمة يحمل رقما يُنادى به ،ويصطف في طابور
بانتظار رغيف خبز ،،ويقف يُناشد العالم أمام عدساته،،
من نبض سوري جريح ،،أخذ سالم يرسم حروف رسالته أملا بشفائه وتحسن حالته النفسية
إن كنتم ارتضيتم القتال سيف الفصل،،غير آبهين بطفولتنا
واتخذتم حِبر النِفاق في حرب صادرت أبسط أحلامنا
إن ألهاكم التكالب ،فأودعتمونا الظلام
ومضيتم في عِنادكم ،،لا تُريحوا ولا تستريحوا ،،بل ربما استرحتم من عناء البرد باحتمائكم غرف دافئة
واتخاذكم معاطف سميكة وشالات فاخرة
أمام طاولة تُقلبون في أوراقنا ومصيرنا ،تبتسمون وربما تضحكون حتى التعب من فكرة حمقاء داهمت أحدكم
وراح يُلح في تنفيذها ،،قصف عشوائي أو سيارة مُفخخة ،،أو خطف أو ،،،
ما ذنبي أنا اُذبح مرتين
أُهجر
اُشرد
ويصير اسمي لاجئ ،،دون إذن مني !!!!!!
هنا الجو بارد بارد جدا ،،ومعطفي لا يكفيني لأشعر بالدفء ،،والبطانية لا تُنجدني ،أجلس القرفصاء فوق كومة من الثلج
رياح عتيدة تهب على المنطقة ،،يا إلهي لما العالم قاس كل القساوة هذه ،،رأسي يتصدع ،،قليلا من ماء دافئ ربما يُنجدني
لا أحد يآبه بحالي ،،اللاجئون كُثر ،،والمعونات لا تكفي ..
توقفت يد سالم عن الكتابة ،تجمدت أصابعه الصغيرة ،،وتاه وسط أحلامه المتواضعه ،،راح يبحث عن غرفته الصغيرة الدافئة
ويسترجع ذكرياته فيها ،،شُلت ابتسامته ،،الصباح بعيد جدا ياسالم ،،لن تستطيع النوم هذه الليلة ولا الليالي القادمة
ما زال الشتاء في أوله ،،بكى ألما راوده حلم العودة للمدرسة ،،بكى بمرارة ،،يريد العودة للمنزل ،كما مئات اللاجئين
لا أمل بالعودة ولا امل بالنجاة ..
عصفور حط على حضن أمه تجمد من الصقيع ،،رحل سالم إلى عالم آخر لا تدركه العيون ،،تاركا بطانيته ومعطفه
لأخته الأصغر ،،تنتظر ذاك الصباح البعيد البعيد ...
:
إنها إحدى حكايات التشرد ،،ليلة من ليالي مُخيم الزعتري
سنتين من المُعاناة ،سطر ألم ،،من بين ملايين السطور الأليمة المُحزنة
حكاية وطن ارتفع ثمن الدواء فيه حتى الموت
لا تنسوها
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|