رد: لاتظلموا الجاهلية بخبث الاستشراق
[align=justify]
أخي الحبيب الأستاذ | حسن إبراهيم سمعون
لقد تناولت موضوعا غاية في ارتقاء القيمة
إننا – أمة العرب – لخير أمة بين الأمم , ليس تفاخرا من أجل التفاخر بل توثيقا لحقيقة لابد وأن توثق , ويكفينا شرفا أن نكون أصحاب أعظم لسان عرفته البرية
فالبحث المقارن بين اللغة العربية وغيرها من اللغات العالمية نجد أننا آل أسمى اللغات وأنبلها وأكرمها وأكثرها سحرا وبهاء
وسوف أحاول قدر استطاعتي الآن أن أبين بعضا مما في هذه اللغة من جمال وسحر وعطاء وذائقة ومتعة وطريقة ..
يقول المعلم ( بطرس البستاني ) " إن هذه اللغة إذا عُدَّتْ اللغات كانت هي المقام الأول وإذا قيس بها غيرها كانت كالبحر وهو كالجدول "
ويقول عنها حافظ إبراهيم :
أنا البحرُ في أعماقه الدُّرُّ كامنٌ = فهل ساءلوا الغوَّاصَ عن صَدَفَاتي
وَسَعْتُ كتاب الله آياً وغاية = فكيف أضيق اليوم عن مُخْتَرَعَاتي
وقال بعض فقهاء العرب عنها " كلام العرب لا يحيط به غير نبي "
ومما أثر عن المستشرق ( إرنست رينان – Ernest . Renan ) قوله " إن العربية أوسع اللغات ساميات وآريات "
وأكبر دليل على اتساع تلك اللغة ما وصفه ( الخليل بن أحمد الفراهيدي ) في كتابه ( العين ) من حصر لتراكيب اللغة حيث ذكر أن عدد أبنية العرب – المستعمل منه والمهمل – على مراتبها الأربع ؛ من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرار هو [ 12302912 ] كلمة ...
وقال ( بهاء الدين العاملي ) صاحب [ الكشكول ] :
إذا قيل كم يتحصل من تركيب حروف المعجم ( كلمة ثنائية ) سواء أكانت مهملة أو مستعملة فاضرب 28 × 26 = 756
فإذا قيل كم يتركب منها كلمة ثلاثية بشرط ألا يجتمع حرفان من جنس واحد فاضرب الحاصل 756 × 26 = 19656
وإذا سئلت عن الرباعية فاضرب هذا المبلغ في 25 .... 19656 × 25 = 491400 أي ( 28 × 27 × 26 × 25 )
وهكذا باضطراد في الخماسي وما هو فوق
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من الكلمات هو ( 76440 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من الحروف هو ( 722332 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الألف هو ( 40792 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الباء هو ( 1140 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف التاء هو ( 1299 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الثاء هو ( 1291 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الجيم هو ( 3293 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الحاء هو ( 1179 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الخاء هو ( 2419 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الدال هو ( 4398 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الذال هو ( 4840 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الراء هو ( 10903 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الزاي هو ( 9583 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف السين هو ( 4591 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الشين هو ( 25133 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الصاد هو ( 1284 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الضاد هو ( 1200 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الطاء هو ( 840 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الظاء هو ( 3920 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف العين هو ( 1020 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الغين هو ( 7499 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الفاء هو ( 2500 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف القاف هو ( 5240 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الكاف هو ( 22000 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف اللام هو ( 14591 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الميم هو ( 20560 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف النون هو ( 2036 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الهاء هو ( 700 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الواو هو ( 13700 )
وعدد ما اشتمل عليه القرآن من حرف الياء هو ( 502 )
وفي النهاية يكون مجموع حروف القرآن ( 722332 )
وقد يسأل سائل ؛ ما علاقة هذا الإحصاء باللغة .. أقول ؛ إن لهذه الحروف أوزانا بالجرامات عند العرب كما أن لهذه الحروف رسوما هندسية ولها أصوات ومخارج وعند إرجاع كل طائفة من الحروف إلى أوزانها التي وضعها العرب ورسمها الهندسي الذي رسمه المناطقة العرب ومخرجها الصوتي في جهاز النطق العربي نقف مذهولين من عظمة ذلك القرآن الذي وقف العرب – أمة الشعراء – له مذهولين مؤكدين أنه لم يكن من عند بشر وإنما هو من لدُنْ عليم خبير " إن هو إلا وحي يوحى " لقد حسب القرآن الكريم حساب كل وزن لحرف عربي كما حسب حسابا لكل رسم هندسي للحرف العربي ولكل صوت للحرف العربي فجاء هذا الإحصاء مقصودا حاسما ليدل دلالة قطعية الثبوت أن هذا القرآن لم يكن من عند بشر , فلا يوجد بشر يستطيع أن يحسب كل هذا الحساب ويأتي به على هذا القدر الرهيب من الدقة ...
إن كثيرا ممن يقرءون القرآن يسألون أنفسهم ؛ من أين أتت معجزة القرآن ؟ ونحن نقرأ هذا الكتاب ولا نجد غير كلام يعبر عن معنى .. إن معجزة القرآن اللغوية تكمن في تلك الدقة المذهلة في حساب حروفه وكلماته وأوزانها وهندسيتها
وللأسف فإنني لو وقفت هنا لأعبر عن مدى عبقرية القرآن في هذا التجميع الهائل لدقة الموازين والرسوم الهندسية لبقيت أعواما من الإحصاء ولكن علماء العرب ومناطقتهم حسبوا كل هذا ووضعوه في مجلدات ضخمة تعبر عن وعي العربي بقيمة تلك اللغة وقيمة ذلك الكلام المنزل من رب السماء والأرض
قلنا أن اللغة العربية إنما هي لغة الإعجاز للقادر على امتلاك نواصيها أو لنقل بعض نواصيها لأنه لم يملك نواصي تلك اللغة كاملة سوى القرآن الكريم ومرسله
إن العرب قد اهتموا بكل صغيرة وكبيرة تخص الحرف والكلمة حتى إذا ما عبرنا بكلمة نجد كل عناصرمبناها تعبر عن معناها , فنحن ندرك معنى الكلمة العربية برسمها وهندسة حرفها وبصوت الحرف وبتدافع أصوات الحروف داخل الكلمة الواحدة ومن اجتماع أصوات الحروف نستطيع الحكم على المعنى حتى وإن لم يكن لنا سابق عهد بها , فكثيرا ما ندرك معنى الكلمة في سياقها على الرغم من أننا قد نكون نسمعها لأول مرة في حياتنا ... فلماذا نحن نقدر على تقدير معنى الكلمة دون أن يكون لنا بها سابق عهد ؟ إن الإجابة تكمن لا في قدرتنا الجينية العربية القادرة على استشفاف المعنى من المبنى فقط وإنما ترجع إلى الخواص التي تتميز بها الكلمة على المستوى الصوتي والمستوى الهندسي والمستوى الوزني
ولنضرب مثلا على ذلك فحين نقول ( قَضَمَ ) حيث نستعمل القضم بالقاف لأكل الشيء اليابس وحين نقول ( خَضَمَ ) لأكل الشيء الرطب .. ألم نسأل أنفسنا ما السر وراء استعمال القاف مع أكل اليابس والخاء مع أكل الرطب ؟ إن السر يكمن في الفرق بين الوزن الثقلي لكل حرف من الحرفين فالقاف حرف ذو ثقل شديد فهو عند العرب يحمل وزنا من الجرامات يضاعف وزن الخاء ومن ثم فأصبحت الخاء قادرة على إحداث الأكل للشيء الطري اللين دون جهد فيزيولوجي لفكيّ الإنسان
وأيضا وكما قلنا آنفا فإن الرسم الهندسي للحرف يحدد معنى الكلمة ومن ذلك قولنا ( قَدَّ – قَطَّ ) وكلاهما بمعنى القطع ... ولكن الفرق بينهما واضح يفسره الرسم الهندسي للحرفين ( الدال و القاف ) فالدال توازي خطا عموديا طوليا ( \ ) والطاء توازي خطا أفقيا ( ــــــ ) ومن هنا جاء فرق المدلول حيث أن ( القدَّ ) هو القطع الطولي و( القط ) القطع العرضي ... وبالعودة إلى اللفظ القرآني نجد في قوله تعالى في سورة يوسف ( فإن كان قميصه قدَّ من قُبُلٍ ) نجد أن القرآن الكريم قد استخدم ( القدَّ ) ولم يستخدم ( القطَّ ) وهذا موطن من مواطن الإعجاز المعنوي في القرآن الذي جعل العرب – أمة الشعر والشعراء – يقفون مشدوهين أمام هذا اللفظ المعجز .. إن العرب علموا بفطرتهم اللغوية الحادة إن ( القدَّ ) هو القطع الطولي وحين نتمثل الموقف بين يوسف وامرأة العزيز وهو يحاول الفرار منها وهي تجذبه من ظهره فإن القطع سيكون لا محالة طوليا لأن قوة الجذب الناشئة عن يدها ستكون من أعلى إلى أسفل ومن ثم فلا يمكن أن يكون القطع عرضيا .. وكأن القرآن الكريم كان لفظه واعيا أو لنقل أن الله الذي أنزل هذا القرن كانت حكمته فارقة بين ( القدِّ ) و ( القطِّ ) وكانت حكمته بالغة أمر العرب في قدرتهم على التفريق بين المعنين فإن كان قد قال ( قميصه قط من قبل ) لفهمت العرب أن القطع إنما كان عرضيا وهذا مناف للمنطق ومن ثم فإن ذائقتهم لن تتقبل هذا المعنى فجاء الوصف الهندسي للفظة القرآنية مطابقا لفهم العرب وذائقتهم فقال ( قُدَّ )
واللغة العربية فيها الكليات وفيها الخصوصيات , فمن ألفاظ اللغة ما يدل على العموميات ومنها ما يدل على الخصوصيات
ومن أمثلة الكليات في اللفظ العربي :
كل ما علاك وأظلك فهو ( سماء )
كل بناء عال فهو ( صرح )
كل بناء مكعب فهو ( كعبة )
كل ما دب على سطح الأرض فهو ( دابة )
كل أداة تُعَار فهو ( مَاعُون )
كل حرام فهو ( سُحْت )
كل ما كان على ساق من نبات الأرض فهو ( شجر )
كل بستان عليه حائط فهو ( حديقة )
كل كريمة من النساء والخيل فهي ( عقيلة )
كل طائر لا يصاد فهو ( رُهَام )
كل طائر له طوق فهو ( حَمَام )
كل ما شابه رأسه رؤوس الحيات كالحرابي فهو ( حَنَش )
كل شجر له شوك فهو ( غَضَاة )
كل نبات له رائحة فهو ( فاغِيَة )
كل بقعة ليس فيها بناء فهي ( عَرَصَة )
كل ما يلي الجسد من الثياب فهو ( شِعَار )
كل ما يلي الشعار من الثياب فهو ( دِثَار )
كل جلد مدبوغ فهو ( سِبْت )
كل صانع عند العرب فهو ( إسكاف )
وهذا على سبيل المثال لا الحصر ... إذن فهذه اللغة الساحرة هي لغة قادرة على احتواء كل المعاني من خلال تعدد وتنوع المباني ..
وقد كذب من ادعى أن هذه اللغة إنما هي لغة أدب وفن فقط وأنكر قدرتها على احتواء المصطلح العلمي فقد حرص العرب على جعل أوزان كلماتهم دالة على المعاني الكيميائية أيضا وخصصوا أوزانا سميت عند أهل الاشتقاق بالأوزان الكيميائية ومن أمثلة ذلك :
وزن ( فِعْلِيل ) للدلالة على ما يعرف بـ ( الأوكسيد ) وتحديدا على القسم الذي من خاصيته أن يتحد مع الماء فنقول ( خَلّ – خِلـِّـيْل ) وفي المصطلح العلمي نقول حمض الخِلِّيك من ( فِعْلِيل ) وهذا على سبيل المثال لا الحصر أيضا
غاية الأمر فإننا أمام لغة من استطاع أن يمسك ببعض نواصيها فسوف يملك قدرة سحرية على التأثير والإفصاح .. ومن ثم فحين نقول ؛ هذا شاعر وهذا غير شاعر .. فإن الحكم لا يكون جزافا من القول وإنما يكون مبنيا على مرجعية علمية تؤكد شاعرية هذا الشاعر أو عدم شاعرية غيره ....
ومن الأمثلة الحية للشعر مثلا يقول الشاعر جمال مرسي :
مَن أَنـتِ يَـا فَجـراً تَوَضَّـأَبِالسَّنَـا = مَن أَنتِ قُولِي ، كَي أُجِيبَكِ مَن أَنَـا ؟
فإنني حين أسمع كلمة ( تَوَضَّأَ ) أكاد أسمع صوت الماء المنساب من الرسغ إلى المرفق , فكيف به إن كان قد قال ( تطهر ) لكان الصوت قد تغير واتجه بالمعنى إلى دلالة غير الدلالة ..
إن الأديب الحقيقي عليه أن يسعى جاهدا إلى الإبحار في أعماق تلك اللغة والإمساك بمفاتحها قدر الإمكان ووسع ما كان ليمرر المعاني من خلال تلك المباني الساحر
[/align]
|