بسم الله الرحمن الرحيم
  
  
  تمهيد:
  
  الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان العقيدة الإسلامية. قال النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما سئل عن الإيمان:"أنْ تُؤمن باللهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكتبه، ورُسُلِه، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدَر خَيْرِهِ وشَرِّهِ"[1].
  
  وقد اختلفت الآراء في إدراك مسألة القضاء والقدر، حيث إنها تتناول موضوع الجبر والاختيار، وما يترتب على ذلك من الثواب والعقاب.
  
   وقد ازدهر في العصر العباسي علم الكلام أي الجدل الديني في أصول العقائد بعد أن تـُرجمت كتب الفلسفة من الحضارات والديانات الأخرى، فضلت بعض الفرق الإسلامية، كالفرقة الجبرية والفرقة القدرية، لتأثرهم بالفلسفات اليونانية والفارسية والهندية في علاج هذا الموضوع، كما ظهرت عدة فئات نستعرض بعضاً منها ونناقش ما جاؤوا به:
  
  أ- الفرقة الجبرية:  وهم أتباع جهم بن صفوان الترمذي الفارسي، الذي قتل في سنة 131 هـ أواخر حكم االدولة الأموية.
  وفكرة هذه الفرقة قائمة على أن كل ما يحدث للإنسان قد قدر عليه أزلاً، فهو مسير ومجبر غير مخير، وأن الله هو الفاعل الأوحد، وبذلك جردوا الإنسان من إرادته وعمله وجعلوه مجبراً حتى على الكفر وارتكاب المعاصي وهذا مناف للعقل بأن يحاسب الله عبداً أجبره على عمله، وإجبار العبد على المخالفة ثم عقابه عليها يتنافى مع العدل الإلهي، تعالى الله عن ذلك وهو القائل: (..وَلاَيَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)-الكهف 49-. ولو كان الإنسان مجبراً بغير إرادة لكان قوله تعالى: (..فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنوَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)-الكهف 29- عبثاً، والعبث على الله محال.  وقد ضل هؤلاء حين أساؤوا فهم الآيات والأحاديث المتعلقة في هذا الموضوع:
  
  1- يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "ما منكم من أحد، أو [ما] من نَفّس مَنّفُوسة، إلا وقد كَتَبَ الله مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كُتِبَتْ شَقِيَّة أو سعيدة، فقال رجل:  يا رسول الله أفلا نمكثُ على كتابنا وَنَدَعُ العمل؟ فمن كان مِنَّا من أهل السعادة، لَيَكونَنَّ إلى أهل السعادة، ومن كان مِنَّا من أهل الشَّقاوة، ليكُونَنَّ إلى أهل الشقاوة؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:  بل اعْمَلوا، فكلّ مُيَسَّر، فأمَّا أهل السعادة، فَيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأمَّا أهل الشقاوة، فَيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ:  { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}-الليل5،7-"[2]، فالعلم بالمكان الذي تؤول إليه كل نفس في الجنة أم في النار، والعلم المسبق بشقاء الإنسان أو سعادته، وكذلك العلم المسبق بأعمال العباد من خير وشر، كل ذلك هو ضمن مجال العلم الإلهي الأزلي المسبق بالأحداث قبل وقوعها وكل ذلك مسجل في اللوح المحفوظ، قال تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِوَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)- الحج 70-، وقال تعالى أيضاً: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِوَلاَفِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)- الحديد 22-، وكذلك في الحديث الشريف: "كتبَ الله مقاديرَ الخلائقِ قَبلَ أن يخلق السمواتِ والأرضَ بخمسين ألف سنة"[3]، فعلم الله كامل لأنه إذا لم يكن كذلك فقد جهل شيئاً ونقص علمه، تعالى الله عن ذلك. وصفة علمه المسبق هنا هي صفة انكشاف لا تأثير (إن كاميرا التصوير ترصد الحدث ولا تؤثر به)، أي أن الله علم فكتب، وهذا لا تأثير له في إرادة العباد أو أعمالهم.
  فالإنسان الذي يختار بإرادته الخير ويريد أن يعطي ييسر الله له عمله ليكون من أهل السعادة، وأما الذي يختار بإرادته الشر ويبخل ويفجر يتم الله له قصده، ولذلك قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "اعملوا فكل ميسر.."، ثم قرأ الآية لتثبيت هذا المفهوم.
  
  2- ويقول تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا..)-التوبة 51-، وهذا الأمر ليس فيه إجبار من الله، فالله لم يكتب علينا (بمعنى الفرض والإجبار)، بل كتب لنا أي علم ما سيصيب الإنسان فكتب ذلك. فما أصابنا هو نتيجة عادلة من عند الله تعالى بقضائه وقدره لما كسبت أيدينا وللخيار الذي اتخذناه. يقول تعالى موضحاً هذا المفهوم: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْوَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)- الشورى 30-. (سنتعرض لشرح مفهوم الخيارات الإنسانية ونتائجها في فقرة "مادور الإنسان أمام سلطان القضاء والقدر"[4]). 
  
  3- كذلك يقول تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّوَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَاوَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَاوَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ)- الأعراف 179-، وهذا ليس فيه إجبار من الله في شيء، فالذين خلقهم الله لجهنم (أي علم بعلمه الأزلي المسبق عند خلقهم بأنهم سيؤولونإلى جهنم)، هم من كانوا في الحياة الدنيا بإرادتهم واختيارهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون، فكانوا أضل من الأنعام، فحق عليهم العذاب يوم القيامة.
  
  4- وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ; وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)- الإنسان 29،30-، وقوله تعالى: (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ; وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ) -  التكوير 28،29-. وهنا نرى أن الله يقول إن للإنسان حرية اختيار طريق الهداية واتخاذ السبيل إلى ربه، ولكن نتيجة اختياره هذا (مشيئته) مرتبطة بمشيئته تعالى. (سنتعرض لشرح هذا المفهوم بشكل أوسع في فقرة "مادور الإنسان أمام سلطان القضاء والقدر"2).
  
  5- وحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): "إن خَلْق أَحدِكم يُجْمَعُ في بطنِ أُمِّهِ أربعين يوماً، ثم يكون عَلَقة مثل ذلك، ثم يكون مَضْغَة مثل ذلك، ثم يَبّعَثُ الله إليه مَلَكا بأربع كلمات: بكَتّب رزقهِ وأجلهِ وعملهِ، وشَقي أو سعيد، ثم يَنّفُخُ فيه الروحَ، فوالذي لا إله غيره، إنَّ أحدَكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدَكم لَيَعْمَل بعمل أهل النار حتى ما يكونُ بينَه وبينها إلا ذراع، فيسبقُ عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"[5]، فعند ولادة الإنسان يكتب الملك ما علم الله من عمل وأجل ورزق وشقاء المولود أو سعادته، وذلك من ضمن علم الله الأزلي كما ذكرنا، وسبق الكتاب هو العلم المسبق من قبل الله بعمل الإنسان وأن هذا المولود مآله إلى الجنة أوالنار، وهذا ليس فيه إجبار بل هو علم مطلق، ولكن خاتمة أعمال هذا الشخص الصادرة عن إرادته الحرة هي التي تؤول به إلى الجنة أم إلى النار. يقول النبي(صلى الله عليه وسلم) في حديث آخر موضحاً هذا المفهوم: "وإِنما الأعمالُ بالخَواتِيم، أو بخَواتِيمها"[6].
  
  6- وكذلك حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): " حاجَّ آدمُ مُوسى، فقال: أنتَ الذي أخرجتَ الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال: فقال آدمُ لموسى: أنتَ الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه أتَلُوُمني على أَمْرِ كَتَبهُ الله عليَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَني؟ أو قدَّرَهُ عَلَيَّ قبل أن يَخْلُقَني؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحجَّ آدم موسى"[7]، إن إخراج الله لآدم ولذريته من الجنة، هي نتيجة وقدر من الله تعالى لخطأ آدم، وهذا الأمر لا يلام عليه آدم (فالله هو الذي أخرجهم)، بل يلام على خطئه، وقد غفر الله له الخطأ فزال عنه اللوم. قال الإمام النووي: "لأن اللوم على الذنب شرعي لا عقلي، وإذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم، فمن لامه كان محجوجاً بالشرع"[8]، فلو قال العاصي أن معصيته قدر من الله لم يسقط عليه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقاُ فيما قاله.
  
  وقد رد الله تعالى على الذين تعللوا بالقضاء والقدر رداً حاسماً: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَاوَلاَآبَاؤُنَاوَلاَحَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّوَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ)-الأنعام 148-. أي أن وضع اللوم على القدر من قبل المشركين إنما هو كلام باطل وهم يتوهمون.
  فالله يستطيع أن يجبر الناس على الإيمان وأن يسلب منهم إرادتهم الحرة ولكنه لم يفعل لأن جبر الإنسان ليس من سننه، بل جعله الله حراً مختاراً. يقول تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةًوَاحِدَةًوَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُوَيَهْدِي مَن يَشَاءُ..)-النحل 93-، وكذلك يقول تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)- يونس 99-.
  
  ب- الفرقة القدرية (نفاة القدر):  أول من قال بفكرة القدرية هو معبد الجهني وقد صُلب سنة (80 هـ) بأمر عبد الملك بن مروان.
  وفكرة هذه الفرقة قائمة على أن الإنسان هو مخير غير مسير، فلا سلطان للقدر عليه، فهو يمارس أعماله بمحض إرادته ومشيئته الحرة، ولايحتاج إلى معونة إلهية في أعماله. فهم ينكرون القضاء والقدر ويقولون أن الإنسان خالق لأفعاله.
  وفكرة القدريين فيها انتقاص لمقام الألوهية فمحال أن يشذ عن إرادة الله وقدرته شيء، والآيات التي تثبت أن فكرة القدريين خاطئة كثيرة.  يقول تعالى: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَراًّوَلاَنَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ..)- يونس 49-. 
  
  ج- المعتزلة: وكانوا فرقاً متعددة ، أحدها الهذيلية نسبة إلى أبي هذيل العلاف (المتوفى سنة 235هـ) الذي يعد المؤسس الحقيقي لمذهب الاعتزال.
  وأحد أركان الاعتزال هو العدل، أي حرية الإرادة عند المخلوقين، والعبد بهذا المفهوم هو الفاعل للخير والشر، والله لا يوصف بالقدرة على الشر، فالخير لله والشر لغيره، والإنسان خالق لأفعاله وذلك بقدرة يخلقها الله تعالى فيه. 
  وقد أخطأ المعتزلة عندما انتقصوا من قدرة الله على الخلق، فهو خالق للخير والشر، فهما مضافان إليه خلقاً و إيجاداً، وهما نتائج لخيارات إنسانية، فهما من عمل الإنسان فعلاً وكسباً. يقول تعالى: (.. وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِوَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ) - النساء 78 -، كذلك يقول تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ..)- التغابن 11-.
  
  د- الأشاعرة:  وهم أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (المتوفى سنة 324 هـ)، الذي وضع أسس فلسفة أهل السنة والجماعة رداً على فلسفة المعتزلة، وقد كان في بدء أمره على مذهب الاعتزال منافحاً عنه لمدة 40 سنة، ثم أعلن براءته منهم، ورد في كتبه على حجج المعتزلة وعقائدهم مبيناً أنهم اتبعوا أهواءهم في فهم الدين، وبين أن مصدر العقيدة والمسائل الغيبية هو الكتاب والسنة، وليس العقل المجرد والميتافيزيقية اليونانية. وغالبية الشافعية اليوم على مذهبه.
  وقد عرَّف الأشاعرة القضاء شرعاً بأنه: حكم الله بوجود الشيء أو عدمه (أي علم الله في الأزل بالأشياء كلها على ما ستكون عليه بالمستقبل). أما تعريف القدر شرعاً: فهو إيجاد الله للأشياء على صفات مخصوصة وفي أوقات معينة (أي ظهور تلك الأشياء طبقاً لعلمه الأزلي المتعلق بها).
   والقضاء والقدر أمران لا يمكن الفصل بينهما، فالقضاء مرجعه إلى العلم والإرادة الأزليين (أي الحكم الكلي الإجمالي السابق)، والقدر مرجعه للقدرة والفعل على تحقيق هذا العلم وهذه الإرادة (جزئيات ذلك الحكم).
  
  هـ- الماتريدية:  أصحاب محمد بن محمد الماتريدي السمرقندي (المتوفى سنة 333 هـ)، وكان من أئمة علم الكلام، وقد خالف الأشاعرة في 40 مسألة، ولكن معظم الخلاف في مسائله كان لفظياً، وأكثر الأحناف اليوم على مذهبه. وقد عرف الماتريديون القضاء بأنه القدر والقدر بأنه القضاء. 
  
  
    
  إن القدر هو القوانين الطبيعية التي سنها الله لهذا الكون وسيره عليها، وهو النواميس الكونية التي تضبط شؤون الحياة والأحياء والتي  بمقتضاها تجري الوقائع والأحداث، ومن ضمنها القوانين التي تحكم نتائج الخيارات الإنسانية. أما القضاء فهو تفعيل القدر (أي إحكامه وإتمامه) على وجه يتماشى مع هذه القوانين والسنن الكونية أو بشكل مغاير لها بأمر من الله نافذ لاراد له.
  
  1- ومن الآيات التي تدل على قدر الله وقوانينه التي سنها في خلق الكون قوله تعالى: (..وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)-الفرقان 2-، وقوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ..)-القمر 49-.
  وكذلك في خلق الإنسان يقول تعالى: (أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ; فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ; إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُوم ٍ; فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ)-المرسلات20،23-، وأيضاً: (قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ; مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ; مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)- عبس 17،19-.
  ومن الآيات التي تدل على قدر الله وقوانينه التي سنها في الطبيعة والكون: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُوَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍمَّعْلُومٍ) - الحجر 21-، وقوله تعالى: (.. وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَوَالنَّهَارَ) - المزمل 20-، وكذلك: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ)- يس 38-، وأيضاً: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا..)- الرعد 17-، وأيضاً: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ..)- المؤمنون 18-.
  
  2- أما الآيات التي تدل على أن قضاء الله نافذ لا راد له، وأنه جل وعلا قد غير من قوانين القدر الطبيعية في إنجاب الإنسان عندما خلق سيدنا عيسى: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِيوَلَدٌوَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)- آل عمران 47-. وقوله تعالى: (..وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِوَرَحْمَةً مِّنَّاوَكَانَ أَمْراً مَّقْضِياًّ)- مريم 21-.
  وعندما أغرق الله أهل الأرض كلهم إلا سيدنا نوح وأصحاب السفينة بشكل مغاير للقوانين الطبيعة التي نعرفها، أمر الله الأرض أن تبلع ماءها وأمر السماء أن تقلع عن المطر بقضاء إلهي لا راد له: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِوَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِيوَغِيضَ المَاءُوَقُضِيَ الأَمْرُ..)-هود 44-.
  وفي موقعة بدر تدخل القضاء الإلهي فغير من مسيرة الأحداث ومن القوانين الطبيعية، فتغيرت معادلة القدر المتعلقة بالنصر بقضاء من الله عندما أنزل جنوداً من عنده، فكانت الغلبة للمسلمين بعددهم القليل (314 مقاتلاً)، مقابل أكثر من ألف شخص من المشركين، يقول تعالى: (..وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي المِيعَادِوَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً) -الأنفال 42-، ويقول تعالى أيضاً: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاًوَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً..)- الأنفال 44-.
  
  3- والموت هو قضاء من الله وقدر: فهو قدر لأن الإنسان مقدر عليه أن يموت منذ ولادته، حيث للخلايا الحية عمر بيولوجي محدد عندما تصل إليه تموت بشكل طبيعي، سنة الله التي وضعها، يقول تعالى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَوَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)- الواقعة 60-. والموت قضاء لأن الله عز وجل يقضي الآجال بإرادته النافذة فيُفعل القدر عند انقضاء أجل الإنسان المكتوب، أي المعلوم (أجله المسمى)، يقول تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَاوَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَوَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى..)- الزمر 42-. ويقول تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاًوَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ)- الأنعام 2-. ويقول تعالى: (هَوَ الَّذِي يُحْيِيوَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)-غافر 68-، وعندما قضى الله بموت سيدنا سليمان: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىمَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ..)- سبأ 14-. 
      ما دور الإنسان أمام سلطان القضاء والقدر؟
هل يستطيع الإنسان أن يتحكم بقدره؟
هل الهدى والضلال بيد الإنسان أم بيد الله؟
 15
-  متفق عليه. 
  
    16-  رواه أحمد بإسناد صحيح. 
  
    [17]- رواه أحمد بإسناد صحيح.
  
    18– رواه أحمد بإسناد صحيح.    
  
    19– رواه مسلم.    
  
    20– رواه مسلم.    
  
    21– رواه البخاري.