دندنة حول كلمة أخي أمير حُسْن الكلام الأستاذ حسن سمعون:جشأ الذاكرة
عندما فتح عينيه النائمتين ،نظر إلى ما حوله ،فرأى ظلمة موحشة تحيط بالمكان .فحدَّق أكثر ،وفتح عينيه على اتساعهما ،وهو يتلمَّس الأشياء كي لا يتعثر ،فاصطدم بأثاث الغرفة ،فكادت الفازة في الركن أن تنكسر ، وسقطت آنية الشاي ،فتكسَّر صمت المكان ،وبقي هو في ظلمة وعتمة ووحشة ، ولا ضوء !
وعندما توهَّم أنه ابتدأ بالتعرف على المكان قليلاً ،فوجئ بتراكم جهله ، فكأنما كُتب عليه أنه سيبقى محاصراً في العتمة ولا طريق ! فحاول الصراخ ،لكن حتى آلية الصراخ ذوت من نفسه ! فبكى ، فوجد أنه يبكي دون دموع !
نعم ، هذا هو حالنا الأليم في كلمة أمير حُسْن الكلام أخي حسن سمعون :
( جشأ الذاكرة ) ،يبتديء المشهد الرمزي بحكاية التنفُّش الكاذب ،في أساسيات بدء المعرفة عندنا ،فيتساءل بمرارة أولاً: من نحن في هذا الكون الفسيح الواسع ؟! ألسنا نقطة صغيرة في بحره المتلاطم العريض؟! وإرثنا الماضي الجميل ،لماذا يبقى صورة مضيئة في الذاكرة ،دون أثرٍ حيٍّ يتجدد في تفاصيل حياتنا الحاضرة ،فيُشَكِّل إشراقات غد وأفراحَ جديدِ ربيعِ خير؟! لماذا نلوك الماضي ،فيظل ماضياً لا أثر له اليوم ؟!
كانتْ هناك خيولنا
كنا هناك مشاعلاً
كنا هناك
والأراضي المغتصبة ،ودماء الشهداء ،وأسْوَد الحقد ،أيبقى كلاماً يثير لحظة حماس وينطفيء :
وعدتْ بثأرٍ حينها
وتلتْ ( تعاويذاً )
تلتْها أمُّها عن أمِّها
وكاهن المرداد عن أشياخه
فنحزن للحظات ،ونجأر إلى الله بالشكوى ، لكن حزننا دمع ظاهري ،دمعُ غباءِ تمساح ،ودمع نائحة مُسْتأجَرة ! دون أدنى فعل حقيقي إيجابي ! بل إننا ،من وجه آخر ،عندما نأثم ،نقول ببلاهة :الله غفور رحيم !
أو لم تقولي مرَّة
وبليلة صيفية قمرية
عند المساء
.. بأن قربان المُصَلَّى بالجماعة غافرٌ
كلَّ الخطايا والبلاء
وحتى العلم ،يُدَرَّس قشوراً وصيغاً مهترئة :
أمي ، سئمت مُدَرِّسي وحقائبي
ودفاتراً تجتاح رأسي عنوة
بغناء صرصور يحاور نملة
وسلاحف سبقت أرانب في الزحام
إني كرهت حكاية المصباح
تتلى قبل نومي
ويمضي بنا السرد الجميل ، فيموت الأب ( أي الصيغ المثلى لمناحي الحياة كلها ) ،وتتزوج الأم ( الوطن ) ابن الغرب ،ذنب الاستعمار :
إني رأيتكما معاً
تتغامزان على الخريطة والوصية بعد أن
أهديتِه ليلاً بيادرَ والدي وكنانه
وخلعتِ أوراقَ التقى والمئزر
فتنتهي جماليات القصة / الرمز ،فتمنيت أن لايتركنا أمير حُسْن الكلام هكذا في العراء ،يلفحنا البرد والصقيع وأسى الليل الطويل !
تمنيت أن يساعدنا في إشعال شمعة ،بصيص ضوء ،وَهْمَ ضوء ،خيالات ضوء .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|