الخائبان و المنسية
الخائبان والمنسية
اجتمع الناس قبالة الطريق بعدما لاح لهم في الأفق ضوء
سيارة قادمة نحو قريتهم البائسة الكئيبة،لعلها تحمل إليهم
جديدا يكسرون به رتابة يومياتهم القاتلة .
ازدادت شدة الضوء الذي طغى عليه اللون الأصفر، فعرف
الكثير من المنتظرين، ومن خلال خبرتهم، أن الأمر يتعلق
بسيارة البلدية التي لم تعد عندهم إلا جزءا من حياتهم
الراكدة والمكدرة في تلك القرية التي تعوزها أبسط شروط
الحياة التي تليق بالآدمي .
تقدمت المركبة أكثر وتبين بالفعل أنها سيارة البلدية من
نوع سيتروين بطاقة ثلاثة أحصنة يقودها السائق المسمى
" الكرادي "، وقد أوفد إلى القرية من أجل الإعلان عن
الناجح الوحيد في شهادة التعليم الابتدائي ثم حمله إلى مقر
البلدية ومن ثم إلى مركز الدائرة رفقة تلامذة البلدية
الناجحين لإجراء امتحان آخر خاص بالانتقال إلى المتوسطة،
حسب مقتضيات النظام التعليمي القديم .
لكن " الكرادي " نسي اسم التلميذ المعني، ولم تسعفه ذاكرته
على تذكره، ما فتح المجال واسعا لقوى أخرى خارقة لا
يعجزها صعب ولا يمنعها شديد، فههي ذي الخالة فضيلة – أم
التلميذ عبد الوهاب المعني الأول بالامتحان-ما إن علمت
بالخبر حتى أطلقت العنان للسانها صوب خالتي " التالية"– أم
إبراهيم المعني الثاني وبطل موضوع " مخ أو عجين " مدافعة
به على ابنها وعلى أحقيته في النجاح بعدّ خصاله والإشارة إلى
مثابرته عليها، وقد شعر إبنها هذا الذي لم يبرح جنبها بنشوة
الفوز التي لم تنتبه حتى بعيد الامتحان فطفق يزين مقاطع
مدحها له بزخات من القهقهات. أما إبراهيم فكان يعقب و
بعفوية البريء على كل مبالغة من مبالغات أمه في شأنه: آبا باه
... آبا باه ........
احتار الكرادي في أمره ولم يجد حلا ينقذه ، ولمّا رأى الناس من
أهل القرية الحال هكذا اقترحوا عليه أن يحمل التلميذين معا إلى
مقر البلدية والتأكد من اسم التلميذ الناجح هناك ثم أخذه صباحا
مع زملاءه إلى مركز الامتحان و إرجاع زميله الراسب معه عند
العودة .
لم يجد السائق أمامه من سبيل أو مخرج إلا الرضوخ لهذا
الاقتراح مع ما يحمل من احتمال تعرضه لعقوبات من قبل رئيس
البلدية جراء تهاونه في أداء المهمة الموكلة إليه وعدم الجدية
فيها، حيث لو أنه سجل اسم الناجح على قصاصة و وضعها في
جيبه لتفادى كل هذا الإزعاج للناس و لأولادهم ولأهل القرية
جميعا.
انطلقت السيارة عائدة إلى مقر البلدية وعلى متنها عبد الوهاب و
إبراهيم بعد أن تعشيا وجمعا أدواتيهما ونالا من الدعاء من و
الدتيهما الكثير، ولمّا قطعت السيارة شوطا ليس باليسير، توقف
السائق فجأة وبدا كمن بدأ يتعافى من علة ثم نظرإلى رفيقيه
الصغيرين و سألهما عن أسماء بقية زملائهما الذين امتحنوا
معهم، فأجاباه بأنه لم يمتحن معهما أحد سوى فتاة تسمى
" عائشة " .
استدار السائق عائدا ثم قال : لو أنكما أخبرتماني قبل هذا ما
أربكتكما ولا أربكت ذويكما هكذا ولا غفلت عن هذه الطفلة
المسكينة البريئة .
نزل عبد الوهاب وإبراهيم وعاد كل منهما إلى أمه وصعدت
بدلا عنهما عائشة التي ودعتها والدتها بزغرودة بلغت كل
ارجاء القرية .
امتحنت عائشة ولحقها بعد مدة خبر نجاحها، إلا أن نجمها
سرعان ما أفل مثلما أفل نجم الكثير من الفتيات اللائي سبقنها
بسبب انعدام داخلية للبنات بالمتوسطة الوحيدة الكائنة بمقر
الدائرة .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|