وفي ذات السياق بين الباحث الأستاذ محمد شفيق في كتابه الموسوم بــــ: " ثلاثة وثلاثون قرنا من تاريخ الأمازيغيين " بأنه قد عُمل بجد، خلال الأربعين سنة الأخيرة، على استغلال الإمكانيات الأركيولوجية والأنثروبولوجية واللسنية في البحث عن أصل الأمازيغيين، أو عن أصول المغاربة على الأصح. والنتائج الأولى التي أفضت إليها البحوث أن سكان إفريقيا الشمالية الحاليين، في جملتهم لهم صلة وثيقة بالإنسان الذي استقر بهذه الديار منذ ما قبل التاريخ، أي منذ ما قُدر ب 9.000 سنة، من جهة، وأنَّ المد البشري في هذه المنطقةكان دائما يتجه وجهة الغرب انطلاقا من الشرق، من جهة أخرى، وبناء على هذا، يمكن القول إن من العبث أن يبحث للبربر « عن مواطن أصلية غير التي نشأوا فيها منذ ما يقرب من مائة قرن. ومن يتكلف ذلك البحث يستوجب على نفسه أن يطبقه في التماس « مواطن أصلية »للصينيين، مثلا، أو لهنود الهند والسند، أو لقدماء المصريين، أو لليمانيين أنفسهم وللعرب كافة، ليعلم من أين جاؤوا إلى جزيرة العرب. وكل ما يمكن تأكيده اليوم، فيما يرجع للقرابة القديمة المحتملة بين إمازيغن واليمانيين، يكمن في قرائن ثلاث :أ- عدد لابأس به من أسماء الأماكن التي توجد على الطريق البري الواصل بين المغرب الكبير وبين اليمن عبر القارة الإفريقية، لها صيغ أمازيغية واضحة ولبعضها مدلولات في اللغة »البربرية «. منها في صعيد مصر: أبنو، وأسيوط، وأخميم، وتيما، وتالا، وأصوان (أسوان)، وتوشكا... وفي شمالي السودان :تاراكَما، وأتبارا، وتيمرايين... وفي إيريتريا : أكسوم، وأسمارا، وأكَولا،وأكَوردات أو أكَورضاد... لكن، لا يوجد في اليمن نفسها، حسبما هو مرسوم في الخرائط العادية، أسماء أماكن من هذا القبيل، إلا اسم جزيرة »أنتوفاش «. أيرجع تسلسل الأسماء السالفة الذكر على الطريق القارية الرابطة بين إفريقيا الشمالية وبين اليمنإلى عهد هجرة قديمة تركت آثارها في الأصقاع التي عبرتها؟ أم يرجع إلى قرابة بين اللغة الأمازيغية وبين المصرية القديمة واللغات الكوشية ؟ ب- لقد عثرت شخصيا على عدد من الألفاظ العربية التي
قال بشأنهاصاحب « لسان العرب » إنها « حِمْيرية »أو « يمانية ؛«وهي ألفاظ لها وجود في الأمازيغية، إما بمدلولها «الحِمْيَري وإما بمدلول معاكس، وكأنها انقلبت إلى أضدادها. لكن عدد هذه الألفاظ قليل لا يسمح بجزم في الموضوع، إلا إذا تمت دراسة مقارنة ميدانية بين اللهجات الأمازيغية واللهجات اليمانية
الحالية من حيث معطياتها المعجمية والصرفية والفونولوجية.ج- بين حروف « تيفيناغ »، القديمة منها والتواركَية، وبين حروف الحميريين، شبه ملحوظ في الأشكال، لكنها لا تتقابل في تأدية الأصوات، إلا في حالتين اثنتين بتجاوز في التدقيق مراسلة شخصية بيني وبين الباحث الفرنسي »كريستيان روبان، Christian Robin» ، محرر الفصل الخاص بحضارة جنوبيِّ الجزيرة قبل الإسلام في.(«l'Arabie .(« du Sud»ولعل طريق البحث في هذا الموضوع سيختصر في العقود الأولى من القرن المقبل، أو قبلها بقليل، لأن وسائل المقارنة الأنثروبولوجية بين الشعوب أصبحت جد دقيقة بفضل الاكتشافات الأخيرة التي حققها العالمان « جان دوصي، Jean Dausset »و »جان بيرنار، Jean Bernard» المتخصصان في فحص الكريَّات الحمراء على مستوى أشكال سطوحها. ولقد تمكن
هذان العالمان من اقتفاء آثار شعوب هاجرت مواطنها الأصلية منذ خمسة عشر ألف سنة ( (Le sang et l'histoire