عرض مشاركة واحدة
قديم 21 / 02 / 2013, 36 : 03 AM   رقم المشاركة : [1]
عدنان أبوشعر
باحث إسلامي، يكتب الأدب الاجتماعي والقومي

 الصورة الرمزية عدنان أبوشعر
 





عدنان أبوشعر is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

السنة والشيعة بين الأمس واليوم(ح2)- الباحث: عدنان أبوشعر

[align=justify]الجزء الثاني:

الدور اليهودي في شق الصف الإسلامي:

أ- جذور فكرة تأويل النصّ الديني:
تبرز الحاجة إلى تأويل النص الديني عادة حين غياب صاحب الرسالة. وعادة ما يستدعي إبهام النص وعدم (إحكامه) ضرورة اللجوء إلى التأويل، وهذا يعدُّ جانباً إيجابياً يعزِّز ديناميكية النص وتفاعله مع الواقع المعاش. إلا أن أكثر ما يحفّ هذا المسار - أعني التأويل- من أخطار هو لجوء أصحاب النزعة الحزبية أو الإيديولوجية إلى ليِّ عنق النص وتسخيره لمآربهم وأهدافهم حين لا يستجيب لها النصّ الأصلي. ولهذا عمد الأصوليون الإسلاميون لوضع ضوابط وأحكام صارمة للتأويل- رغم ما يؤخذ على بعضها - للحيلولة دون الخروج عن غاية النص وحقيقة مراده.

ومن الناحية التاريخية فإن المفكرين اليونانيين والأدباء كانوا قد بدؤوا في القرن الخامس قبل الميلاد حركة التأويل حين تناولوا نصوص الشاعر هوميروس، وبرع في هذا المجال تلميذ سقراط أنتسثانس( 446-366 ق.م Antisthenes) الذي عُني بالتأويل الرمزي لشعر هوميروس.
ومن ثمَّ انتقل التأويل الرمزي إلى اليهودية على يد فيلون اليهودي (20 ق.م- 50 م) في القرن الأول الميلادي، الذي يُعدُّ من أكبر ممثلي النزعة التأويلية، والذي كان اتجاهه التأويلي محاولة للرد على هجمة المفكرين اليونانيين على قصص وأساطير وموضوعات العهد القديم(التوراة): فهو يؤول الجنة بأنها ملكوت الروح؛ وشجرة الحياة بأنها خوف الله؛ وشجرة المعرفة هي الحكمة. هذا بالرغم من اتجاه العديد من الدارسين إلى استبعاد التأثير الجوهري لأعمال فيلون في الديانة اليهودية، ناهيك عن وصول إشعاعات مقولاته إلى الجزيرة العربية. لكن هيرشيبيرغ (H.Z.Hircheberg)(1)، يؤكد في كتابه أن فكرة (المهدوية) كانت منتشرة في جزيرة العرب في القرنين الخامس والسادس الميلاديين. وعلى هذا فإن دعوة ابن سبأ لوصاية عليّ ورجعته تصبح معروفة الجذور لدينا، وتكشف لنا مدى تأثر الفرق التي دعت إلى فكرة (الرجعة) و(الوصاية) و(البداء)(2) بالعقائد اليهودية والمسيحية. وعلى أنها لم تستند إلى نصوص إسلامية ثابتة، بل كانت مجرد (تأويلات) عريقة الانتماء إلى مفاهيم توراتية لا علاقة لها بالإسلام، ولم يكن الهدف منها مجرد إضاءة لفهم النص، بمقدار ما كان سلماً يرتقى به إلى غايات وأهداف سياسية.

ب- دور عبد الله بن سبأ:
تؤكد الروايات التاريخية المتعددة وتقاطع الأخبار المنقولة لنا الدور التآمري الذي مارسه عبد الله بن سبأ وهو رجل يهودي جاء من اليمن- بحسب كل من الطبري(224-310هـ /838-923م) (3) وابن عساكر(703- 571هـ/1302-1373م) (4) ، والقميّ(ت371هـ)(5) – والذي أعلن إسلامه في خلافة عثمان، و" اختزن خياله مرارة الإجلاء اليهودي من الجزيرة العربية، فقدم إلى المدينة بكل توتره و حقده، وأسلم ظاهريا وهو يصرُّ على إغراق هذا المجتمع الناشئ في بحور من الفتنة و الشك"(6) في دسِّه أفكاراً يهودية ونصرانية المنبت: مثل فكرة البِداء، والرجعة، والوصاية والترويج لها.
والرواية التي ساقها الطبري عن طريق سيف بن عمر تصور عبد الله بن سبأ شخصية فاعلة ومحورية في التآمر على الدولة الإسلامية، ابتداءً بخلافة عثمان ومحاولة تأليب الرأي العام ضده وصولاً لاغتياله، ومروراً بخلافة عليّ وانتهاء بتداعيات ما بعد مقتله. ولذلك فهي جديرة بالدراسة رغم محاولات بعض المعاصرين الطعن في مصداقيتها.
قال الطبري:" عن يزيد الفَفَْعَسيّ قال: كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أُمّه سوداء، فأسلم زمان عثمان. ثم تنقّل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم. فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام. فأخرجوه حتى أتى مصر. فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول-: لعجب ممن يزعم أن عيسى (يرجع) ويكذب بأن محمداً يرجع! وقد قال الله عز وجل" إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد"(28: 85) محمد أحق بالرجوع من عيسى. - قال: فقُبِلَ ذلك عنه. ووضع لهم (الرجعة) فتكلموا فيها. ثم قال لهم بعد ذلك إنه كان ألف نبيّ، ولكل نبيّ وصيّ، وكان عليٌّ (وصي) محمد. ثم قال محمد خاتم الأنبياء، وعليٌّ خاتم الأوصياء. ثم قال بعد ذلك من أظلم ممن لم يُجِزْ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلي الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة! ثم قال لهم بعد ذلك إن عثمان أخذها بغير حق. وهذا وصيُّ رسول الله فانهضوا في هذا الأمر، فحرّكوه. وابدؤوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس. وادعوهم إلى هذا الأمر.
" وبث دعاته، وكاتب مَنْ كان استفسد في الأمصار وكاتبوه. ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم. وأظهروا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب وُلاتهم. ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون، فيقرأ أولئك في أمصارهم، وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة؛ وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسِّرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنّا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء إلا أهل المدينة، فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار، فقالوا: إنا لفي عافية مما فيه الناس.
" وجاء معه محمد وطلحة من هذا المكان. فقالوا: يا أمير المؤمنين! أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله، ما جاءني إلا السلامة. قالوا: فإنّا قد أتانا- وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم. قال: فأنتم شركائي وشهود المؤمنين، فأشيروا عليّ. قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالاً ممّن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم.
"فدعا محمد بن مَسْلَمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام. وفرّق رجالاً سواهم، فرجعوا جميعاً قبل عمّار فقالوا: أيها الناس! ما أنكرنا شيئاً، ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامّهم. وقالوا جميعاً: الأمر أمر المسلمين، إلا أن أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم. واستبطأ الناسُ عمّاراً حتى ظنوا أنه اغتيل، فلم يَفْجَأْهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح يخبرهم أن عماراً قد استماله قومٌ بمصر. وقد انقطعوا إليه، منهم عبد الله بن السوداء، وخالد بن مُلْجَم وسودان بن خُمْران، وكنانة بن بشر" (تاريخ الرسل والملوك"، تحت سنة 35، القسم الأول، ص2942- 2944، طبعة ليدن).
وكان ابن سبأ يقول لأتباعه:" إني لأعجب كيف تصدقون أن عيسى بن مريم يرجع إلى هذه الدنيا وتكذبون أن محمداً يرجع إليها ؟ وما زال بهم حتى انقادوا إلى القول بالرجعة وقبلوا ذلك منه، فكان هو أول من وضع لأهل هذه الملة القول بالرجعة وقبلوا ذلك منه" عن: مقالات الإسلاميين للأشعري (ج ،1، ص 50 الهامش، طبعة مصر). وينقل النوبختي الشيعي في كتابه فرق الشيعة (ص 41، 42، طبع المطبعة الحيدرية 1959م، النجف، بتعليق آل بحر العلوم:" لمَّا بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صُرَّة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض".

وبغض النظر عن محاولات بعض الكتاب المعاصرين من أمثال برنارد لويس( 1936-Bernard Lewis)(7)، والمستشرق الإيطالي ليون كايتانيLyon Caetani 1869-1926)-)(8)، وطه حسين، ومحمد كرد علي(9)، للطعن في مصداقية شخصية عبد الله بن سبأ التاريخية، نظراً لأن ما ورد من أخبار ابن سبأ قد ساقها سيف بن عمر التيميّ(10) المتهم بالكذب، فإن ما أورده الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة يبدو أقرب ما يكون إلى المنطق: "وليس ما يمنع أن يستغل يهودي الأحداث التي جرت في عهد عثمان ليحدث فتنة وليزيدها اشتعالا وليؤلِّب الناس على عثمان، بل أن ينادي بأفكار غريبة، ولكن السابق لأوانه أن يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق فيحدث هذا الانشقاق العقائدي بين طائفة كبيرة من المسلمين".(11)
ويدفع هذا التشكيك بمصداقية وجود شخصية ابن سبأ العديد من الروايات التي نقلتها المصادر الإسلامية المبكّرة(12)، إلى جانب البحث القيِّم الذي قدمه الأستاذ محمود محمد شاكر(13) رداً على طه حسين في مجلة الرسالة المصرية، السنة السادسة عشر، الأعداد: 761، 763، 765.

ج- دور كعب الأحبار (؟-32هـ/؟-652 م):
كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري، أبو إسحاق تابعيٌّ كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن، وأسلم في زمن أبي بكر، وقدم المدينة في دولة عمر، فأخذ عنه الصحابة وغيرهم كثيراً من أخبار الأمم الغابرة، وأخذ هو من الكتاب والسنة عن الصحابة. وخرج إلى الشام، فسكن حمص، وتوفي فيها، عن مئة وأربع سنين(الأعلام 5 / 38. وثقه ابن حجر. تقريب التهذيب 1/ 461، وذكره ابن حبان في الثقات 5/333، وذكره ابن القيسراني في تذكرة الحفاظ 1/52 رقم: 33).
ولم يدوِّن كعب الأحبار مروياته في كتاب كما فعل وهب بن منبِّه، بل نقلت شفاها عن طريق الصحابة والتابعين. ومن المُروى عنه ما يشي بادعائه العلم بالغيب كما جاء في ما ذكره محمد بن عثمان بن أبى شيبة في تاريخه، من طريق ابن أبى ذئب، أن عبد الله ابن الزبير قال: ما أصبت في سلطانى شيئاً إلا قد أخبرنى به كعب قبل أن يقع، وكمال روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 65 عن كعب الأحبار ، تحت عنوان : ( باب شِدَّته رضي الله عنه [أي عمر بن الخطاب]في الله وكراهيته للباطل . عن عمر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب أرسل إلى كعب الأحبار فقال : يا كعب كيف تجد نعتي ؟ قال أجد نعتك قرن من حديد . قال وما قرن من حديد ؟ قال أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم . قال ثم مه؟ قال ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة). وهذا ما حمل الشيخ رشيد رضا على كيل وابل من الاتهامات لكعب الأحبار في مقدمة تفسيره (تفسير المنار)، بعد أن ذكر كلاماً لابن تيمية في شأن ما يُروَى من الإسرائيليات عن كعب الأحبار ووهب بن منبه ما نصه: "فأنت ترى أن هذا الإمام المحقق - يريد ابن تيمية - جزم بالوقف عن تصديق جميع ما عُرِف أنه من رواة الإسرائيليات. وهذا في غير ما يقوم الدليل على بطلانه فى نفسه، وصرَّح في هذا المقام بروايات كعب الأحبار ووهب بن منبِّه، مع أن قدماء رجال الجرح والتعديل اغتروا بهما وعدَّلوهما، فكيف لو تبين له ما تبين لنا من كذب كعب ووهب وعزوهما إلى التوراة وغيرها من كتب الرسل ما ليس فيها شيء منه ولا حوَّمت حوله؟[ وألفت نظر القارئ الكريم إلى أهمية هذه النقطة بالذات –أعني مصداقية النقل عن النص التوراتي – لزهد الصحابة والتابعين في التحقق من مطابقة المنقول عن التوراة مع النص الأصلي المكتوب بالعبرية أو الآرامية].
وخلافاً لشخصية عبد الله بن سبأ التي شكَّك بعضهم بمصداقية وجودها التاريخي، فإن الجميع قد اتفق على وجود هذه الشخصية، واتفق على عدالتها أغلب علماء الحديث، بينما وجه البعض سهام النقد اللاذع لها وأكدوا وجود رغبة لديها للنيل من عقيدة الدين الإسلامي، وضرب أركان الخلافة، واتُهمت في غير موضع بالكذب والإكثار من المرويات الإسرائيلية الملفقة.
فالبخاري كان أول من شكك بصدق روايات كعب الأحبار حين روى في صحيحه: " قال أبو اليمان: أخبرنا شعيب عن الزهري: أخبرنى حميد بن عبد الرحمن: أنه سمع معاوية يُحدِّث رهطاً من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار، فقال: "إن كان من أصدق هؤلاء المحدِّثين الذين يحدِّثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب"(14).
أما أحمد أمين فقد حاول الغض من ثقة كعب الأحبار وعدالته، بل ودينه حيث يقول: "وقد لاحظ بعض الباحثين، أن بعض الثقات كابن قتيبة والنووي لا يروى عنه أبداً، وابن جرير الطبري يروى عنه قليلاً، ولكن غيرهم كالثعلبي، والكسائي ينقل عنه كثيراً فى قصص الأنبياء، كقصة يوسف، والوليد بن الريَّان وأشباه ذلك، ويروى ابن جرير أنه جاء إلى عمر بن الخطاب قبل مقتله بثلاثة أيام وقاله له: اعهد فإنك ميت فى ثلاثة أيام، قال: وما يدريك؟ قال: أجده فى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ.. فى التوراة قال عمر: إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة! قال: اللَّهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك وأنه قد فني أجلك. وهذه القصة إن صحَّت دلَّت على وقوف كعب على مكيدة قتل عمر، ثم وضعها هو فى هذه الصيغة الإسرائيلية، كما تدلنا على مقدار اختلافه فيما ينقل. وعلى الجملة فقد دخل على المسلمين من هؤلاء وأمثالهم في عقيدتهم وعلمهم كثير كان له فيهم أثر غير صالح".
ويبدو أن الاصطفاف اليهودي قد أدى دوراً هاماً في شق الصفّ الإسلامي، حيث لعب كعب الأحبار وإسرائيلياته دوراً في جرّ الذهنية الإسلامية لتبني أفكار نشأت وترعرعت في جو توراتي مستغلة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"(15) وأغفلت ما يخالف العقيدة الإسلامية وثوابتها.
ومن مظاهر هذا الاصطفاف ما نقله ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق(1/ 278):" ..عن تبيع عن كعب قال: أهل الشام سيف من سيوف الله ينتقم الله بهم ممن عصاه". ويبدو أن هذا التوجه قد أدى دوراً هاماً في شق الصفّ الإسلامي بالنسبة للدكتور علي النشار إذ " لم يسلم المعسكر الآخر، معسكر الأمويين، من أثر اليهود وأوضارهم- فكما لعبت شخصية عبد الله بن سبأ دورها في إثارة الفتنة في معسكر علي وشيعته- لعب كعب الأحبار نفس الدور في معسكر عثمان وشيعته أولاً، ثم في معسكر معاوية، والأمويين وشيعتهم ثانياً، بل كان دور كعب الأحبار في حلقة عثمان أشد وأقسى. لقد وفد كعب الأحبار – معلناً الإسلام- إلى المدينة في عهد عمر. وكان كعب الأحبار، وقد ادعى "علم الكتاب" يقصُّ، ويستمع عمر لقصصه، وتذكيره، ووصفه للجنة والنار ولمشاهدهما. وكانت عينا عمر متفتحة وأذناه صاغيتين لكل مستحدث يخالف الإسلام. وكان كعب الأحبار يعلم هذا، فلم يستطع- في عهد عمر- أن يدلي بدلوه في إثارة الفتنة، وإلقاء بذور الحقد بين المسلمين. وما إن تولى عثمان، حتى أخذ الرجل يقوم بدوره في إثارة الأمويين على بني هاشم، مقابلاً لعبد الله بن سبأ، الذي كان يقوم بدوره في إثارة الهاشميين ومحبي علي على بني أمية، وكان كعب الأحبار يلعن "الكوفة" كما كان عبد الله بن سبأ يلعن" دمشق"، بل يقال إن كعب الأحبار قد نهى عمر نفسه عن الذهاب إلى الكوفة بدعوى أن فيها " الشياطين والجن والأرواح الشريرة". وجد كعب الأحبار الفرصة مواتية في رحاب عثمان، ثم انتقل إلى الشام مثيراً للأمويين فيها. وكان يحمل " علم النجوم والسحر والطلمسات" وأراد عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو شخصية غريبة تنمَّست بالزهد، أن يتعلم منه بعض هذه العلوم. ثم اتصل ابن زوجته اليهودي، والذي لم يعتنق الإسلام، بالأمراء الأمويين المترفين الحالمين في قصورهم فألقى إليهم بعلوم الصنعة والسحر والنيرنجات.. هكذا كان يعمل اليهود في هذا المجال السري وكانت غايتهم الوحيدة، تقويض الإسلام".(16)


الهوامش وثبت المراجع:
-
H.Z. Hircheberg: "Messianic Vestiges in Arabia during the fifth and the sixth centuries after the fall of Jerusalem" in Vienna Mem. Vol., pp. 112-124; Israel ba.Arab, p.175.

2- البِداء مصدر بدا يبدو بداء أي: ظهر، ويستعمل في العرف بمعنى الظهور بعد الخفاء، فيقال فلانا كان عازما على كذا، ثم بدا له فعدل عنه ( كما ذكر ذلك السيد محسن الأمين في كتابه الشيعة بين الحقائق والأوهام - ص 45 ، 46 ، الطبعة الثالثة، سنة 1977 بيروت(. قال الجوهري: وبدا له في الأمر بداء، أي نشأ له فيه رأي، وذكر أيضا بدا لي بداء أي تغير لي رأي على ما كان عليه (لسان العرب، ج1، لسان العرب، ج1/ 14 ، ص 66، طبعة مصر وبيروت).
جاء في التوراة : ( فرأى الرب أنه كثر سوء الناس على الأرض .... فندم الرب خلقه الإنسان على الأرض وتنكد بقلبه ، وقال الرب: لأمحوَّن الإنسان الذي خلقته على وجه الأرض) [سفر التكوين، الفصل السادس، فقرة: 5]، وتكرر هذا المعنى في التوراة، وهذا هو البداء بعينه .و فرق السبأية ( كلهم يقولون بالبداء وأن الله تبدوا له البداوات ) [انظر: الملطي/ التنبيه والرد ص 19].

3- الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق عبد السلام هارون، 1950م.

4- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، مختصر تاريخ دمشق، ج12، بيروت ص 219.

5- القمي، أبو خلف سعد بن عبد الله الأشعري، المقالات والفرق، تحقيق محمد جواد مشكور، 1963م، طهران، ص 20-21.

6- الشابي، علي، 1971م، النشرة العلمية لجامعة الزيتونة، كلية الشريعة وأصول الدين، أثر التراث الشرقي في مذهب السبئية، ص 245-ع1، السنة الأولى، ص 245.

7- برنارد لويس (Bernard Lewis)، من مواليد 1916- لندن، أستاذ فخري بريطاني أمريكي لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون. وتخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب وتشتهر خصوصا أعماله حول تاريخ الإمبراطورية العثمانية. ولد من أسرة يهودية.
أثناء الحرب العالمية الثانية، خدم لويس في الجيش البريطاني في الهيئة الملكية المدرعة وهيئة الاستخبارات في 1940، ثم أعير إلى وزارة الخارجية. وبعد الحرب عاد إلى وفي عام 1949، عين أستاذا لكرسي جديد في الشرق الأدنى والأوسط في سن 33 من العمر.
انتقل برنارد لويس إلى الولايات المتحدة حيث أصبح يعمل كأستاذ محاضر بجامعة برنستون وجامعة كورنل في السبعينات. حصل على الجنسية الأمريكية سنة 1982 كما حاز على العديد من الجوائز من قبل مؤسسات تعليمية أمريكية لكتبه ومقالاته في مجال الإنسانيات..
اتسمت آراء برنارد لويس بالسلبية تجاه العرب والمسلمين، حيث عزى تأخرهم عن أوروبا لأسباب ثقافية ودينية. كما رأى بأن العالم الإسلامي في حالة صراع مستمرة مع المسيحية وإن فترات السلم ليست إلا استعداد لفترات حرب قادمة.
كما يعتبر أحد أبرز منكري مذابح الأرمن، أدى موقفه هذا إلى محاكمته في فرنسا حيث قررت المحكمة كونه مذنبا بتهمة إنكار مذبحة ألأرمن وتغريمه مبلغ رمزي قدره فرنك أفرنسي واحد.
[عن ويكيبيديا بتصرف].

8- ليون كايتاني Lyon Caetani (1286 - 1345 ه‍ / 1869 - 1926 م)، أمير ومستشرق إيطالي، شهر بدراسة التاريخ الإسلامي. نشر « تجارب الأمم » لابن مسكويه وألف « تاريخ الإسلام » (10 أجزاء)، و« دراسات في تاريخ الشرق » (3 أجزاء)، وشارك في تحرير المواد الإسلامية في الموسوعة الإيطالية. [عن ويكيبيديا].

9- محمد بن عبد الرزاق بن محمد كرد علي. ولد في دمشق 1876م. مفكر سوري ومن رجال الفكر والأدب والصلاح والمدافع عن اللغة العربية. فهو أول وزير للمعارف والتربية في سورية، وكان رئيسا لمجمع اللغة العربية في دمشق منذ تأسيسه 1919م حتى وفاته 1953م.
اتصل بعدد من علماء دمشق المعروفين ينهل من علمهم وأدبهم: الشيخ سليم البخاري، والشيخ محمد المبارك، والشيخ طاهر الجزائري، وقرأ عليهم كتب الأدب واللغة والبلاغة والفقه وعلم الاجتماع والتاريخ والفقه والتفسير والفلسفة.
كتب محمد كرد علي العديد من المؤلفات منها: خطط الشام، وطُبع سنة (1344هـ= 1925م) في 3 أجزاء، وهو من أهم كتبه. الإسلام والحضارة العربية،وطبع في القاهرة في مجلدين سنة (1353هـ= 1934م). تاريخ الحضارة: جزآن، ترجمه عن الفرنسية. لقي الله في سنة 1953م في دمشق ودفن بجوار قبر معاوية بن أبي سفيان.

10- سيف بن عمر التميمي مؤرخ مشهور وأحد رواة الحديث. ذكر له الطبري روايات في تاريخه، وقد قال عنه ابن حبان:" كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الأثبات"، وقالوا إنه كان يضع الحديث واتهم بالزندقة، كما يقول عنه الحاكم النيسابوري:" اتهم سيف بالزندقة وهو بالرواية ساقط"، ويقول عنه ابن عدي:" بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها". ويقول عنه ابن معين:" ضعيف الحديث فليس فيه خير"، وقال ابن أبي حاتم:"متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي"، أما أبو داود صاحب السنن فقال عنه:" ليس بشيء"، وقال عنه النسائي صاحب السنن:" ضعيف" .
هذا بالنسبة لرواية الحديث أما بالنسبة لرواية التاريخ فالأمر يختلف. فيقول الذهبي في ميزان الاعتدال في نقد الرجال (ج2/ص255): "كان إخباريا عارفا". ويقول ابن حجر في تقريب التهذيب ( ج1/ص344 ): "عمدة في التاريخ". أما اتهام ابن حبان لسيف بالزندقة فيجيب عنه ابن حجر في التقريب (ج1/ص344 ) بقوله:"أفحش ابن حبان القول فيه".

11- صبحي، أحمد محمود، نظرية الإمامة ص 37، وعاظ السلاطين ص 279، والصلة بين التصوف والتشيع ص 84.

12- قال محمد بن احمد بن عثمان الذهبي، في كتابه ميزان الاعتدال، )تحقيق محمد علي البجاوي، 1963م، دار أحياء الكتب العربية، ط1، القاهرة، ج2، ص255: ( كان سيف إخباريا عارفا ). و قال عنه أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، في كتابه تقريب التهذيب، ج1، ص344: ( ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ ). وورد ذكر أخبار ابن سبأ وطائفته في ( طوق الحمامة) ليحيى بن حمزة الزبيدي عن سويد بن غفلة الجعفي الكوفي المتوفى عام (80هـ/699م) أنه دخل على علي-رضي الله عنه- في إمارته، فقال: إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر و عمر بسوء، ويروون أنك تضمر لهما مثل ذلك، منهم عبد الله بن سبأ، فقال عليّ: مالي ولهذا الخبيث الأسود، ثم قال : معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل، ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيّره إلى المدائن، ونهض إلى المنبر، حتى اجتمع الناس أثنى عليهما خيرا، ثم قال : إذا بلغني عن أحد أنه يفضلني عليهما جلدته حد المفتري. وروى عبد الله محمد بن سعد الزهري في كتاب الطبقات الكبرى (ج 6، ص 192، طبعة دار صادر، بيروت) عن إبراهيم بن يزيد النخعي المتوفى عام (96هـ/714م) إن رجلا كان يأتيه فيتعلم منه، فيسمع قوما يذكرون أمر علي وعثمان، فقال: أن أتعلم من هذا الرجل؟ و أرى الناس مختلفين في أمر علي و عثمان فسأل إبراهيم النخعي عن ذلك فقال: ما أنا بسبئي ولا مرجئي. وأخرج ابن عساكر أبو القاسم علي بن الحسن هبة الله الشافعي، (ت 571هـ) في كتابه مختصر تاريخ دمشق( ج 12، ص 221، بيروت) عن الشعبي عمر بن شراحيل الحميري اليمني المتوفى عام (103هـ/721م) قال: ( أول من كذب عبد الله بن سبأ ).

13- أبو فهر، محمود محمد شاكر أحمد عبد القادر(1909- 1997)، من أسرة أبي علياء من أشراف جرجا بصعيد مصر، وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما. ولد في الإسكندرية.
خاض معركتين ضخمتين أولاهما مع طه حسين والأخرى مع لويس عوض كانتا من أبرز معالم حياته الأدبية والفكرية ويمكننا القول بأنه تفرع عنهما معارك فرعية وثانوية كثيرة، وكانت هاتان المعركتان بسبب شاعرين كبيرين من شعراء العربية هما: المتنبي والمعري.
مؤلفاته: 1 ـ المتنبي، 2 ـ القوس العذراء، 3 ـ أباطيل وأسمار، 4 ـ برنامج طبقات فحول الشعراء، 5 ـ نمط صعب ونمط مخيف، 6 ـ قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام، 7 ـ رسالة في الطريق إلى ثقافتنا صُدّر بها كتابُ المتنبي في طبعته الثالثة 1987 م. [نقلاً عن ويكيبيديا بتصرف].

14- قال ابن حجر فى الفتح عند قوله: "وإن كنا لنبلوا عليه الكذب" - أى يقع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به، فال ابن التين: وهذا نحو قول ابن عباس فى حق كعب المذكور: بَدَّل من قبله فوقع فى الكذب، قال: والمراد بالمحدِّثين - فى قوله: إن كان من أصدق هؤلاء المحدِّثين الذين يُحدِّثون عن أهل الكتاب - أنداد كعب ممن كان من أهل الكتاب وأسلم فكان يُحدِّث عنهم، وكذا مَن نظر فى كتبهم فحدَّث عما فيها، قال: ولعلهم كانوا مثل كعب، إلا أن كعباً كان أشد منهم بصيرة، وأعرف بما يتوقاه.
وقال ابن حبان فى كتاب الثقات: أراد معاوية أنه يخطئ أحياناً فيما يُخبر به، ولم يرد أنه كان كذَّاباً. وقال غيره: الضمير فى قوله: "لنبلوا عليه" للكتاب لا لكعب، وإنما يقع فى كتابهم الكذب لكونهم بَدَّلوه وحَرَّفوه. وقال عياض: يصح عوده على الكتاب، ويصح عوده على كعب وعلى حديثه وإن لم يقصد الكذب ويتعمده، إذ لا يُشترط فى مسمى الكذب التعمد، بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وليس فيه تجريح لكعب بالكذب. وقال ابن الجوزي: المعنى أن بعض الذي يُخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً، لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار.

15- أخرجه أحمد 3/12(برقم11101)، والدارِِمي 450، ومسلم 8/229(برقم 7620)، وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ.

16 - علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ص 69، ج1، ط9، دار المعارف.
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
عدنان أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس