رد: السنة والشيعة بين الأمس واليوم(ح2)- الباحث: عدنان أبوشعر
أخي الباحث الأديب عدنان:
لم يلتزم شيخ المؤرخين الطبري (محمد بن جرير الطبري 224- 310 هجرية)، ومن تبعه من المؤرخين :كالخطيب البغدادي (علي بن ثابت 392 -463 هجرية) وابن عساكر (علي بن الحسين 499- 571 هجرية) وابن كثير( إسماعيل بن عمر700- 774 هجرية) بمبدأ الاكتفاء برواية الأخبار الصحاح في تواريخهم ،وإنما رووا كلَّ مايتعلق بالحادثة التاريخية عن طريق الإسناد، تاركين عهدة الحكم على الصحة ،فقال الطبري: " وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره .. بإخبار المخبرين ونقل الناقلين ،دون الاستخراج بالعقول والاستنباط بفكر النفوس..ولم يؤت ذلك من قبلنا وإنما أُتي من بعض ناقليه إلينا".
وهذا يعني أن آليات البحث التي تُنْتَهَج في (فهم)الحوادث في مجال حركة التاريخ غير طريقة أهل الحديث .
فإن التزمنا بآلية منهج الرواية عند أهل الحديث في قبول الأخبار ورفضها - فعزلنا الهالك والموضوع منها ،لن نعرف أسبابَ وَضْع الأخبار،والدافع إليهاّ ! ولن نعرف كيف وَجَدت تلك الأخبارُ الأرضَ الخصبة لتقبُّلها وإعطائها صفة (الخبر)المسموع المتداوَل ،فغدت أساساً وركيزةً في فهم كلِّ مجالات مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية وما اضطرب فيها من أحوال وأفكار وحركة حياة ! ولن نعرف كيف ساهمت قوة (السياسة)ودهاء رجالاتها في تشويه صور وإضاءة صور،وترسيخ مذهب وموات مذهب، وسيرورة شعر وموات شعر .
فتناول حركة التاريخ ( المجرد) تختلف تماماً عن أسلوب ( ضوابط )عدالة رجالات رواة الأخبار ،التي تعتمد على ضبط حركة الرواية،ليتأدى فهم الخبر ،وبالتالي الحكم على درجة صحته وقبوله. وهذا يعني أيضاً، إن إهمال أسباب ورود الروايات الضعيفة والهالكة ، وإهمال(آليات) شواهدها في الأخبار،ينسف جانباً مهماً من مشهد صورة الحركة الكاملة للتاريخ،وينسف الفائدة المرجوة من كل الكتب الموسوعية في آدابنا.
والأمر الآخر: عدالة الرواة وضبطهم، وهو مطلب رئيس في أخبار الشرع،فالإسناد من الدين، لكن ذلك ،ورغم أهميته في فَهْم ضوابط الدين ، وأحكامه،ليس هو على الإطلاق دائماً في أخبار الأدب والتاريخ،ففضاءات الخبر غير ذلك تماماً ! بل قد تكون على النقيض منه أحياناً:
وسنآتي على ذلك بمثالٍ واحدٍ خشية إطالة الكلام :
كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني علي بن الحسين 284 هجرية- 356 هجرية ،(ومثله الكثير الكثير في حياتنا الثقافية)،اعتمد طريقة الإسناد في أخباره،(يبلغ بعضها درجة الوهن الشديد، وبعضها ينزل إلى درجة الوضع)،مع أنَّ متونه حوت أخباراً وفرائد شتى في الأدب والشعر والغناء والسياسة ،(بدْأمن العصر الجاهلي ،وحتى العصرالعباسي)، فلا نستطيع -
إن أردنا ،مثلاً، معرفة الجانب الماجن من حياة أبي نواس الحسن بن هانيء الحكمي (146 -198 هجرية /763 - 813 م) ودراسة خمرياته وصبواته، الاتكاء على ضابط (العدالة) وشروطها ،لتباين الشرطين تماماً وتنافرهما !
ونحوه قبول رواية الكاذبين في التاريخ وأصحاب الموضوعات ! لابمعنى قبول رواياتهم على أنها حقائق ثابتة ! بل قبولها على أنها قيلت وأخذت دورها وسلكت في الإطار العام للمشهد الحياتي !
وبمعنى آخر، على المؤرخ متابعة كل الأخبار ،لمعرفة الأساس الذي انبنت عليه ،ومعرفة الدافع الذي رمت إليه،مع الإشارة دائماً إلى حال الرواة.
وقد أكون أطلت، لكن لابد من هذا التوضيح.
|