صديقتي الأديبة الأميركية أندريا لورنز – أو أندي – صديقتي الإنسانية الرائعة والعربية الهوى أكثر من بعض العرب والفلسطينية أكثر من بعض الفلسطينيين، وصداقتنا الرائعة التي عاشت سنوات بطول هجرتي حتى كاد الناس لا يميزون بيني وبينها وما كان ليفرقنا غير ذلك السرطان اللعين الذي أودى بها!
كندا بعد رحيل أندريا تغير وجهها وعادت لي منفى كما كانت قبلها.. كندا التي لم تعد فيها أندريا لا تشبه غير المنفى ومجرد آثار تدل على نبع غزير من المحبة والألفة والجمال كان هنا يتدفق...
كثير من الأماكن والمدن والقرى ما عدت حتى أجرؤ على الاقتراب منها وحدي دونها حتى لا يصبح الشعور بالفقد موجع شديد الألم، فالأماكن لها ذاكرة من الحنين وفية تلسعنا إن تحديناها..
11 نيسان في مثل هذا اليوم لا بد لي أن أتذكر اندي وأذرف دموع الفقد والشوق، كان لها في ذكرى ميلادي طقوس وكانت تصر أن يختلف عيد ميلادي عن أعياد الناس – لأني فيها هدى – وهدى كما كانت تقول أثمن وأعز الماسات في عرفها بين البشر..
مرة في طائرة زوجها الخاصة حلقت بي إلى مطعم فوق قمة لا طريق له غير الطائرة ومطارها الصغير فكان أكثر الاحتفالات سحراً، ومرة فرقة وموسيقى خاصة من أجل ميلادي... واحتفلت بي كل مرة بطريقة مختلفة، لعل أعزها منقوشاً على صفحات ذاكرتي ذلك الذي كان في مخيم على الحدود بين أميركا وكندا حيث كنا نعتصم فيه من أجل فلسطين ومعنا عدد من السيدات الناشطات...
وكان أهم من كل هذا لمسات الحب الذي تحيطني به وحفظ كل ما يخصني بطريقة نادرة واهتمامها في كل عام أن يكون هذا اليوم استثنائياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
طلعت
تعودت في كل عام أن يكون أول من يهنئني في الوقت المناسب محتسباً توقيت ولادتي بالتحديد، وكنت أسمع بصوته الرائع ينساب عبر أسلاك الهاتف أجمل القصائد، وحسب مقولته فعيد ميلاد الأميرة (كما كان يلقبني) لا يوسم بأقل من الشعر، وفي أوراق99 وفي نور الأدب كان لي في زمانه أعياد استثنائية لم تزل في طيات الملفات تبكي ذلك الزمان الذي رحل ولن يعود.
رحلت يا طلعت عن نور الأدب وعن كل هذا العالم الغريب ورحلت معك المعاني الجميلة..
كنت زائراً يا غالي وكلنا في هذا العالم زوار.. غداً نرحل ولا يبقى منا إلا ما تركناه من صدق ووفاء ونبل وقيم إنسانية صادقة وحقيقية صامدة لا تتغير ولا تتبدل.