أمير حُسْن الكلام أخي الشاعرحسن سمعون:
يُعَدُّ ما حدث بين الصحابة ،بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، الباب الرئيس الذي دخل منه (الزنادقة) وجميع الأسماء التي انضوت تحت اسمهم ،بكافة فئاتهم وألوانهم .
فانتشرت ،بالتالي ،الروايات الضعيفة والمكذوبة ،في المصادر التاريخية والأدبية.
فإذا ما أردنا معرفة (صواب) الخبر ،في هذا السيل من الروايات ،لابد من نقد المصادر لمعرفة أصول الخبر وميول مؤلفيه ،رغم أنه يهدم العديد من الروايات التي نسجها أصحاب الأهواء، وصارت اليوم من المسلَّمات التي لا تُناقش ! ( من المحزن ،مثلاً ،أننا نسينا ،أن الإمام الطبري محمد بن جرير 224 هجرية - 310 هجرية لم يشترط الصحة فيما يرويه من أخبار ، واعتذر عن ذلك بقوله: فما في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين ،مما يستنكره قارئه ،أو يستشنعه سامعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ،ولامعنى في الحقيقة ،فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا ،وإنما أُتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أُدِّي إلينا (تاريخ الطبري 1 /8 ).
وبالتالي فنحن أمام اختيار لا بد منه:
اتباع منهج المُحَدِّثين للوصول إلى صورة أقرب إلى الصحة،على شرط المُحَدِّثين ،مع عدم إغفال الصورة التي يقدِّمها الجانب الآخر لمعرفة طرائق تفكيره وأسس ركائزه ،وهي تغاير منهج المُحَدِّثين تماماً. (فمن الخطأ الحديث عن الخوارج والمعتزلة والشيعة والإسماعيلية والدروز ..وكل الفئات الأخرى، ،دون الرجوع إلى مصادر أهلها ،التي لا تتفق مع منهج أهل الحديث،لكنها تقدم لنا طرائق مناهجهم في تأسسيس مذاهبهم بكل وضوح).
** ** **
وعلى كل حال ،فالفتنة التي حصلت في عهد سيدنا عثمان ،وأدت إلى استشهاده ، يلاحظ الدور البارز فيه لليهود ،الذي يطابق قوله تعالى:
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)- المائدة:82-.
وخطأ كبيرآخر ،قد نقع فيه ،إن قبلنا الروايات التي تتهم الصحابة بالتآمر على قتل عثمان :كروايات أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي (ت:157 هجرية) ،وسيف بن عمر الأسَيِّدي التميمي ( 170 هجرية- 193 هجرية) ، والواقدي (محمد بن عمر الأسلمي 130 هجرية- 207 هجرية)، لاعتماد أغلب رواياتهم عن مجاهيل ،أوعن أحداث عن أهاليهم ،وذلك بسبب توسعهم في الرواية ،فكثرت غرائبهم ،وانفردوا بأخبار لم يروها غيرهم.
قال أبوزرعة الرازي:إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك
أن الرسول حق،والقرآن حق،وما جاء به حق،وإنما أدى ذلك
كله إلينا الصحابة ،وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ،فالجرح بهم أولى.
** ** **
ويبقى في الصدر غصة ،وأشعر في لحظات كثيرة بالأحباط والتفكير مراراً في الهروب ! ليقيني أنه لا يغير سائد عفن مفاهيم مقالاً جاداً أو مجموع كتابات !
والخير كله لك ،ونبقى مع صدق طيب الحديث.