الكلية الصلاحية (من مواد الموسوعة الفلسطينية – القسم الأول – المجلد الثالث ):
أسس السلطان صلاح الدين الأيوبي في مدينة القدس بعد تخليصها من أيدي الصليبيين (583هـ -1187م) عدة معاهد دينية منها هذه المدرسة التي عرفت باسمه . وقد شغلت المدرسة الصلاحية أحد أبنية كنيسة القديسة حنة التي بناها الصليبيون خارج سور الحرم الشريف بقرب زاويته الشمالية الشرقية .ولكن الكنيسة ظلت مفتوحة للعبادة يأتيها من شاء من المسيحيين . وظل هذا الترتيب سائراً في عهد الأيوبيين وعهد المماليك . ولكنه بطل في عهد الأتراك لأسباب مجهولة .
كان للمدرسة الصلاحية , ولشيخها خاصة , مكانة عالية في الجهاز الديني والإداري في مدينة القدس . وكان مدرسوها من المشهود لهم بالعلم والتقوى أمثال ابن جهبل (532هـ-596هـ), وعلي بن أيوب (666-742هـ) , وخليل بن كيكلدي العلائي (694-761هـ) , وإبراهيم بن عبد الرحيم (المتوفى سنة 790هـ ), والهرويّ (767-829هـ), وغيرهم , وقد ذكر عدداً منهم مجير الدين العليمي الحنبلي في كتابه "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" وذكر أيضاً من دفن منهم في مقبرة " ماملا" المشهورة منذ الفتح الإسلامي .
وفي منتصف القرن التاسع عشر وهب السلطان عبد المجيد العثماني بناء الكنيسة لإمبراطور فرنسا نابليون الثالث لقاء ما أسداه إليه من معونة في حرب القرم سنة 1856 . ثم آل البناء إلى " الآباء البيض " فجعلوا منه كنيسة ومدرسة إكليركية. ولكن بعد إعلان الحرب سنة 1914 صادر أحمد جمال باشا القائد التركي البناء بوصفه من أملاك أعداء الدولة وأنشأ فيها معهداً علمياً دينياً حديثاً باسم " الكلية الصلاحية " نسبة إلى صلاح الدين وتجديداً لمدرسته .
كانت المدرسة معهداً عالياً للعلوم الإسلامية والحديثة ولغتا التدريس فيه العربية والتركية. وكانت تدرس فيه اللغات الأجنبية كالفارسية والأوردية والإنكليزية والفرنسية , ولا سيما الألمانية . وكان أول رئيس لها الشيخ عبد العزيز شاويش (المصري) , وكانت الغاية التي هدف إليها جمال باشا إعداد جيل من المبشرين والدعاة لإرسالهم فيما بعد إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي لتحريض شعوبه على الثورة على الاستعمار الأوربي .
لم يطل عمر الكلية أكثر من سنتين (1915إلى 1917) . فعندما اقترب الجيش الإنكليزي من القدس في نهاية الحرب الكبرى أغلقت لتُعاد بعد مدة إلى الآباء البيض .