عرض مشاركة واحدة
قديم 23 / 06 / 2008, 50 : 04 AM   رقم المشاركة : [2]
مازن شما
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )

 الصورة الرمزية مازن شما
 





مازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond repute

رد: مشاريع التسوية السلمية للقضية الفلسطينية

[align=justify]
مؤتمر مدريد للسلام
(أكتوبر 1991)[50]:

سعت الولايات المتحدة إلى استثمار حالة التمزق والتشرذم العربي التي أعقبت حرب الخليج، فدعا الرئيس الأمريكي جورج بوش، بعد بضعة أيام من إجبار العراق على الانسحاب من الكويت، في 6 آذار / مارس 1991 إلى عقد مؤتمر دولي لتسوية الصراع العربي - "الإسرائيلي". وقام وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر بست جولات مكوكية في الشرق الأوسط أثمرت عن إقناع جميع الأطراف بقبول المشاركة في مؤتمر مدريد بعد أن قدَّم لهم عدداً من التطمينات والضمانات الأمريكية. وكانت الدعوة مبنية أساساً على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242.

وقد انعقد "مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط" في 30 أكتوبر 1991 برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (الذي كان يعاني حالة انهيار وأفول ألقت بظلالها على دوره الخافت في عملية السلام)، وبحضور أوربي شكلي. وقد ألقى اختيار مدريد بظلاله عند بعض الذين ربطوا بين الأفول الإسلامي في الأندلس، وما يمكن أن يحصل من أفول إسلامي في فلسطين نتيجة هذا المؤتمر. وشاركت أكثر البلاد العربية في المؤتمر (مصر، الأردن، سوريا، لبنان، المغرب، تونس، الجزائر، ودول مجلس التعاون الخليجي الستة). وتمكن الكيان الصهيوني من فرض شروطه على التمثيل الفلسطيني، فتمَّ استبعاد المشاركة الرسمية لـ م.ت.ف في المؤتمر، وشارك ممثلون فلسطينيون عن الضفة والقطاع (بمباركة م.ت.ف) تحت الغطاء الأردني، وضمن وفد أردني - فلسطيني مشترك.
وقد ابتدعت في هذا المؤتمر فكرة السير بمسارين في مشروع التسوية:
- المسار الثنائي: ويشمل الأطراف العربية التي لها نزاع مباشر مع الكيان الإسرائيلي، وهي سوريا، والأردن، ولبنان، والفلسطينيين.
- المسار متعدد الأطراف: الذي هدف إلى إيجاد رعاية دولية واسعة لمشروع التسوية، من خلال إشراك معظم دول العالم المؤثرة، وجميع الأطراف الإقليمية والعربية. كما هدف إلى إيجاد تحوّل في الأجواء العامة في الشرق الأوسط بحيث يصبح الكيان الإسرائيلي كياناً طبيعياً في المنطقة. كما نقل بعض القضايا الحساسة إلى هذا المسار لتخفيف العقبات من طريق المسار الثنائي، مثل قضايا اللاجئين، والمياه، والأمن والحد من التسلح، والبيئة، والاقتصاد والتعاون الإقليمي، حيث شُكّلت خمس لجان لهذه القضايا.

واستطراداً نشير إلى أنه جرت عدة مؤتمرات دولية، وكثير من اجتماعات اللجان، لكن عدم تعاون الطرف "الإسرائيلي" إلا فيما يخدم مصلحته كان يجعل التقدم في كثير من الأمور مستحيلاً وغير ذي معنى. فكان الصهاينة يسعون إلى إحداث تقدم في الجوانب الاقتصادية لكسر حاجز المقاطعة مع الدول العربية وبناء علاقات سياسية معها. بينما كانوا يعطِّلون المسارات الحساسة كاللاجئين. وقد أخذ المسار متعدد الأطراف بالتعثر بعد التكشف الصارخ للنوايا "الإسرائيلية"، ومقاطعة سوريا ولبنان لهذا المسار. أما في المسار الثنائي فقد حصلت اتفاقات سلام فلسطينية - "إسرائيلية"، سنة 1993، وأردنية - "إسرائيلية" سنة 1994، بينما ظل المساران اللبناني والسوري متعثرين.

وفي المسار الفلسطيني - "الإسرائيلي"، رأس الجانب الفلسطيني حيدر عبد الشافي وساعده مجموعة شخصيات مثل فيصل الحسيني وحنان عشراوي وغيرهم. وقد دخل في نحو سنتين من المفاوضات العقيمة مع الوفد "الإسرائيلي". وفي الوقت نفسه، كان ياسر عرفات وبضعة أفراد فقط من قيادة م.ت.ف يتابعون خطاًّ سرياًّ للتفاوض نتج عنه ما عُرف باتفاق أوسلو.

اتفاق أوسلو (سبتمبر 1993):
ربما نسترجع قبل الحديث عن هذا الاتفاق بعض خيوط الأحداث التي دفعت باتجاهه. ففي عام 1990 عُقد اجتماع سرِّي في فيلا خاشقجي بباريس بين أريل شارون وبسام أبو شريف ومروان كنفاني كان على جدوله إقامة حكم ذاتي فلسطيني في قطاع غزة. وقد دخلت النرويج على خط المفاوضات عبر تيرجي ود لارسن، وهو رئيس معهد نرويجي يبحث في ظروف وأوضاع الفلسطينيين في الأرض المحتلة. وقد تعرف على يوسي بيلين - أحد المقربين من بيريز - وعرض عليه في نيسان / إبريل 1992 عقد مباحثات سرية مع م.ت.ف. وقد أصبح بيلين بعد الانتخابات "الإسرائيلية" نائباً لوزير الخارجية (بيريز). وقام أحد الدبلوماسيين النرويجيين في أيلول / سبتمبر 1992 بتقديم عرض على بيلين بأن بلاده على استعداد لتكون المعبر السري للاتصال مع م.ت.ف. وفي ديسمبر 1992 بدأت الترتيبات العملية للمفاوضات السرية، فالتقى عن "الإسرائيليين" البروفيسور يائير هيرشفيلد أستاذ التاريخ بجامعة حيفا، مع أحمد سليمان قريع (أبو علاء) رجل الأعمال والقيادي في حركة فتح، في فندق سانت جيمس بلندن.

وفي 20 كانون ثاني / فبراير 1993 عُقد أول اجتماع بينهما، من أصل 14 اجتماعاً، في مدينة ساربسبورغ على بعد 60 ميلاً إلى الشرق من أوسلو، في أجواء سرية مطلقة. وفي نيسان / إبريل 1993 رفعت "إسرائيل" مستوى تمثيلها في المباحثات فعيّنت يوري سافير، مدير عام وزارة الخارجية، رئيساً للوفد "الإسرائيلي"، وانضم إليهم يوئيل زنجر وهو محام خبير في القانون الدولي. أما "أبو علاء" فساعده مستشار قانوني اسمه طاهر شاش. وكانت الجلسات تنتقل من مكان إلى آخر ويمتد الاجتماع بضعة أيام. وسافر بيريز في 19 آب / أغسطس 1993 إلى النرويج حيث وقع في الليلة نفسها على مسودة الاتفاق. وقد استمر عقد هذه المفاوضات في أثناء انعقاد المفاوضات الرسمية المعلنة بقيادة حيدر عبد الشافي، ودون علم أيٍّ من أعضاء هذا الوفد الرسمي. كما أن مفاوضات أوسلو استمرت حتى بعد أن قام الوفد الرسمي بتعليق المفاوضات، إثر إبعاد الكيان الإسرائيلي لـ415 فلسطينياً من حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان.

وقد تم التوقيع الرسمي على اتفاق أوسلو في واشنطن في 13 أيلول / سبتمبر 1993، ووقعه عن الجانب الفلسطيني محمود عباس أمين سر اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والذي تولى متابعة هذه المفاوضات السرية بنفسه. ووقعه عن الجانب "الإسرائيلي" شمعون بيريز وزير الخارجية، كما وقعه وزيرا خارجية أمريكا وروسيا كشاهدين. ويُعدُّ هذا الاتفاق بحقٍّ منعطفاً تاريخياً في مسار القضية الفلسطينية، فهو أول اتفاق يوقعه الفلسطينيون و"الإسرائيليون" ويتم بموجبه تنفيذ تسوية سلمية. وهو يعكس مدى التنازلات الهائلة التي اضطرت قيادة م.ت.ف إلى تقديمها حتى تحصل على اتفاق شبيه في جوهره باتفاق كامب ديفيد 1978، والتي وصفت مُوقِّعه (السادات) يومذاك بالخيانة والاستسلام، ودعت شعب مصر لإسقاطه. وهو يعكس بالتأكيد مدى الانتكاسات والتراجعات والضربات التي عانى منها مشروع تحرير فلسطين خلال الفترة 1978 - 1993. وقد كرَّس هذا الاتفاق الانفصال التام بين مسار المفاوضات الفلسطيني - "الإسرائيلي" ومسارات المفاوضات العربية الأخرى، مما أفقدها القدرة على تنسيق المواقف والعمل المشترك. وتسارعت بعد ذلك وتيرة المفاوضات الأردنية - "الإسرائيلية" والتي أدت في نهايتها إلى عقد تسوية سلمية بين الجانبين في 26 تشرين أول / أكتوبر 1994، والتي عرفت بمعاهدة وادي عربة. أما المسارين السوري واللبناني فبقيا متعثّرين طوال السنوات الثماني التالية (حتى الآن).

وقد عُرف اتفاق أوسلو "باتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني - الإسرائيلي" أو باتفاق غزة - أريحا أولاً. ووقعت كافة الاتفاقات التالية بين م.ت.ف. وبين الكيان "الإسرائيلي" بناء على هذا الاتفاق. أما أبرز النقاط في اتفاق أوسلو فهي:
1. إقامة سلطة حكم ذاتي محدود للفلسطينيين في الضفة والقطاع لفترة خمس سنوات.
2. تبدأ قبل بداية العام الثالث من الحكم الذاتي المفاوضات على الوضع النهائي للضفة والقطاع، بحيث يفترض أن تؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.
3. خلال شهرين من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، يتوصل الطرفان لاتفاقية حول انسحاب "إسرائيل" من غزة وأريحا، تشمل نقلاً محدوداً للصلاحيات للفلسطينيين، وتغطي التعليم والثقافة والصحة والشئون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة.
4. بعد تسعة أشهر من تطبيق الحكم الذاتي، تجرى انتخابات مباشرة في الضفة والقطاع لانتخاب مجلس فلسطيني للحكم الذاتي، وتقوم القوات الإسرائيلية قبيل الانتخابات بالانسحاب من المناطق المأهولة بالسكان وإعادة الانتشار في الضفة.
5. يتم تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية تشمل الضفة والقطاع، على أن صلاحياتها لا تشمل الأمن الخارجي ولا المستوطنات الإسرائيلية، ولا العلاقات الخارجية، ولا القدس، ولا "الإسرائيليين" في تلك الأرضي.
6. "لإسرائيل" حق النقض "الفيتو" ضد أي تشريعات تصدرها السلطة الفلسطينية خلال المرحلة الانتقالية.
7. ما لا تتم تسويته بالتفاوض يمكن أن يتفق على تسويته من خلال آلية توفيق يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.
8. يمتد الحكم تدريجياً من غزة وأريحا إلى مناطق الضفة الغربية وفق مفاوضات تفصيلية لاحقة.
9. وقد أكد الاتفاق على نبذ م.ت.ف والسلطة الفلسطينية "للإرهاب" و"العنف"، والحفاظ على الأمن، ومنع العمل المسلح ضد الكيان الإسرائيلي[51].

وبشكل عام، فإن أبرز الانتقادات والملاحظات على اتفاق أوسلو يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. قضية فلسطين قضية كل المسلمين وليس قضية الفلسطينيين وحدهم، وهي معركة بين حق العرب المسلمين وباطل اليهود الصهاينة. وهي معركة تتوارثها الأجيال ولا يجوز لجيل أن يرضخ أو يتنازل فيغمط حق الأجيال التالية. وقد أجمع العلماء الثقات على عدم جواز هذه التسوية بالشكل الذي تمت فيه، ودعوا إلى وجوب الجهاد لتحرير الأرض المباركة.
2. تفردت قيادة م.ت.ف بالموافقة على الاتفاق والاتفاقات التي تلته، ولم ترجع حتى إلى الشعب الفلسطيني نفسه، الذي توجد فيه تيارات واسعة معترضة على هذه التسويات من الإسلاميين واليساريين والقوميين، وحتى في حركة فتح نفسها.
3. اعترفت قيادة م.ت.ف "بحق إسرائيل في الوجود"، وبشرعية احتلالها لـ77% من أرض فلسطين المحتلة عام 1948 والتي لا تجري عليها أية مفاوضات.
4. لم يتعرض الاتفاق لأخطر القضايا حيث تم تأجيلها إلى مرحلة المفاوضات النهائية، ولأن م.ت.ف تعهدت بعدم اللجوء إلى القوة إطلاقاً، فقد أصبح الأمر مرتبطاً بمدى "الكرم الصهيوني" الذي يملك عناصر القوة وأوراق اللعبة، وهذه القضايا:
أ. مستقبل مدينة القدس، والتي أعلنها اليهود عاصمة أبدية لهم وصادروا 86% من أرضها، وأسكنوا في القدس الشرقية أكثر من 200 ألف مستوطن.
ب. مستقبل اللاجئين الفلسطينيين الذين يزيد عددهم (سنة 2001) عن ستة ملايين و 200 ألف لاجئ (4.6 مليون خارج فلسطين، و 1.6 مليون داخل فلسطين وبالذات في الضفة والقطاع).
ج. مستقبل المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث صادر الصهاينة نحو 62% من أراضي الضفة والقطاع، وأقاموا أكثر من 160 مستوطنة في الضفة و16 مستوطنة في القطاع يعيش فيها 200 ألف يهودي مستوطن.
5. لا تتضمن مسئوليات السلطة الفلسطينية الأمن الخارجي والحدود، ولا يستطيع أحد دخول مناطق السلطة دون إذن "إسرائيلي". ولا يجوز للسلطة تشكيل جيش، والأسلحة تدخل بإذن إسرائيلي.
6. للكيان الصهيوني حق النقض "الفيتو" على أية تشريعات تصدرها السلطة خلال المرحلة الانتقالية.
7. لا يوجد في الاتفاقيات إشارة إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير، أو إقامة دولتهم المستقلة، ولا تشير الاتفاقيات إلى الضفة والقطاع كأراضٍ محتلة، مما يعزز الاعتقاد بأنها أراضٍ متنازع عليها.
8. في الوقت الذي تعهدت فيه م.ت.ف (السلطة الفلسطينية) بعدم اللجوء إطلاقاً للمقاومة المسلحة ضد الكيان الصهيوني، وبحل كافة مشاكلها بالطرق السلمية، فإنها في الوقت نفسه أصبحت مضطرة - في ضوء تعهداتها السلمية - لقمع وسحق أية مقاومة مسلحة ضد الكيان الصهيوني، ومحاربة أبناء شعبها الذين يقومون بذلك. ووجدت نفسها - عملياً سواء رغبت أم لم ترغب- أداة لحماية "الأمن الإسرائيلي" في مناطقها، وقامت بحملات اعتقال واسعة وشرسة إثباتاً "لحسن نواياها"، وحرصاً على السلام مع "إسرائيل".
9. أدت الاتفاقية إلى حالة انقسام كبيرة في الصف الفلسطيني، فوقفت فتح ومؤيدوها إلى جانب قيادة م.ت.ف والسلطة الفلسطينية، بينما وقفت الفصائل الفلسطينية العشر وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديموقراطية ضد الاتفاقية وتعهدت بإسقاطها.
10. بما أن "ممثلي الشعب الفلسطيني" الرسميين هم الذين وقعوا الاتفاق، فقد فتح ذلك الباب واسعاً أمام الأنظمة العربية ودول العالم إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي على مستويات مختلفة. مما أدى إلى فك العزلة الدولية عنه، والتي عاناها طيلة 45 عاماً. وأصبح "لإسرائيل" مكاتب تمثيل في تونس والمغرب وقطر وعُمان وموريتانيا، كما أقامت نحو خمسين دولة أخرى علاقات دبلوماسية معها.
11. نشأت في الكيان الإسرائيلي (حتى اندلاع انتفاضة الأقصى) حالة من الاستقرار الأمني النسبي والازدهار الاقتصادي، فتضاعف الدخل القومي "الإسرائيلي" من نحو 30 ملياراً سنة 1993 إلى 105 مليارات دولار أمريكي سنة 1999. كما استقبل الكيان "الإسرائيلي" مئات الآلاف من المهاجرين اليهود.
12. أخرج الاتفاق الأمم المتحدة كمظلة دولية تحكم النـزاع بين الطرفين. ولم تعد كل قراراتها المتعلقة بحق شعب فلسطين في تقرير المصير، أو بقرار تقسيم فلسطين سنة 1947، تشكل مرجعية يمكن الاحتكام إليها. وظلّت الولايات المتحدة تلعب دور الراعي الأكبر لعملية التسوية، وهي المعروفة بانحيازها الصارخ للجانب "الإسرائيلي" ...، ومن استرعى الذئب فقد ظلم!!
13. اتسمت العديد من بنود اتفاقية أوسلو بالغموض، وترك التفصيلات لمفاوضات مستقبلية. وقد أعطى ذلك فرصة كبرى للكيان الإسرائيلي (الطرف القوي في المعادلة) للتسويف والمماطلة، وفرض شروطه وطريقة فهمه للاتفاقية، وجرى تقزيم المكاسب الفلسطينية (المُقزَّمة أصلاً) في هذه الاتفاقية. كما جرى تأجيل تنفيذ كثير من الاتفاقات التفصيلية. وأعطت "إسرائيل" لنفسها شرعية إعادة سحب التزامات كانت قد أعطتها للسلطة، كما مارست سياسات الحصار الاقتصادي والأمني لإجبار السلطة على تنفيذ التصور "الإسرائيلي" للاتفاقية. وقد مضى على هذه التسوية ثمانية سنوات دون الوصول إلى الحلول النهائية، بينما أعلن العديدون من فلسطينيين و"إسرائيليين" وفاة هذه الاتفاقيات. لكنها على أي حال لا تزال القاعدة التي تتم على أساسها المفاوضات.

أما المدافعون عن اتفاقيات أوسلو فيتهمون خصومهم "بالعدمية" و"عدم الواقعية"، ويقولون إن هذا هو أفضل ما يمكن تحصيله في ظل اختلال موازين القوى، والعجز العربي والإسلامي الحالي. كما يذكر المدافعون أن هذه الاتفاقيات شكَّلت فرصة لـ م.ت.ف وشعب فلسطين لبناء الحقائق على الأرض وإقامة السلطة الفلسطينية واستنقاذ ما يمكن استنقاذه من أرض قبل أن تقضي عليها آلة الضم والمصادرة الصهيونية، وقبل أن يتم تذويب أو تضييع قضية فلسطين نفسها. ويذكرون أن "إسرائيل" اعترفت في هذه الاتفاقية رسمياً بالشعب الفلسطيني وبحقوقه السياسية والمشروعة، كما اعترفت لأول مرة بـ م.ت.ف ممثلة لهذا الشعب، واعترفت أيضاً بالوحدة الإقليمية للضفة والقطاع. ويقولون إن مسار أوسلو مهما حاول الصهاينة التهرب من التزاماته سيؤدي في النهاية إلى قيام الدولة الفلسطينية[52].

وعلى أي حال، فإن اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 كان دلالة وصول هذه الاتفاقيات إلى طريق مسدود.

اتفاق القاهرة (مايو 1994):
يشكل اتفاق القاهرة والاتفاقات التالية اتفاقات إجرائية تنفيذية لاتفاقية أوسلو نفسها. فقد فشل الطرفان الفلسطيني و"الإسرائيلي" في الاتفاق على تفصيلات المرحلة الأولى (غزة - أريحا) وانقضت المدة المحددة لانسحاب القوات "الإسرائيلية" قبل أن تبدأ هذه القوات بالانسحاب. وبعد مزيد من التعنت "الإسرائيلي" والتنازل الفلسطيني توصل الجانبان إلى توقيع اتفاق القاهرة، الذي عرف ايضاً باسم (أوسلو) في 4 أيار / مايو 1994، والذي فصَّل المرحلة الأولى من الاتفاق والجدولة الزمنية للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وأريحا والترتيبات الأمنية المتعلقة بذلك. وبدأ دخول الشرطة الفلسطينية في 18 أيار / مايو 1994، وأدى أعضاء سلطة الحكم الذاتي اليمين الدستورية أمام ياسر عرفات في 5 تموز / يوليو 1994[53].

اتفاق طابا (أوسلو 2)
(28 أيلول / سبتمبر 1995):
حسب اتفاق أوسلو، كان من المفروض أن تمضي ستة أشهر فقط تبدأ بعدها المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية، وهي المتعلقة بتوسيع صلاحيات السلطة في المدن والريف الفلسطيني. لكن المفاوضات حولها امتدت عاماً ونصف، حيث سعى الكيان الإسرائيلي لفرض شروطه وتفسيراته الخاصة، وربط إمكانية التقدم بالمفاوضات بمدى تمكُّن السلطة من تحقيق الأمن "لإسرائيل"، وبعبارة أخرى بمدى تمكن السلطة الفلسطينية من سحق المعارضة الفلسطينية المسلحة. ولم يتم ذلك إلا بعد أن "نجحت" السلطة إلى حدٍّ بعيد في الاختبار "الإسرائيلي". وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق في طابا بمصر، وجرى توقيعه في أجواء احتفالية كبيرة في واشنطن في 28 أيلول / سبتمبر 1995.

وتضمن الاتفاق توزيع الضفة الغربية إلى ثلاثة مناطق "أ" و"ب" و"ج". ومناطق "أ" هي مراكز المدن الرئيسية في الضفة ما عدا الخليل ومساحتها لا تتجاوز 3% من مساحة الضفة حيث سيكون الإشراف الإداري والأمني عليها فلسطينياً. ومناطق "ب" وهي مناطق القرى والريف الفلسطيني وهي نحو 25% وتخضع إدارياً للسلطة الفلسطينية، أما الإشراف الأمني فيكون "إسرائيلياً" - فلسطينياً مشتركاً. وأما مناطق "ج" فيكون الإشراف عليها إدارياً وأمنياً للكيان الإسرائيلي وهي نحو 70% من الضفة، وتشمل المستوطنات والمناطق الحدودية وغيرها[54].

وحفل الاتفاق بالمزيد من القيود والشروط الأمنية، وما إن بدأت القوات "الإسرائيلية" انسحابها من المدن وإعادة انتشارها، حتى بدت مناطق السلطة الفلسطينية كالجُزُر المحاصرة في بحر أمني "إسرائيلي". وتحوّل الاحتلال الإسرائيلي إلى نوع من "الاستعمار النظيف"، إذ أوكل المهام المتعلقة بإدارة السكان وضبطهم أمنياً وجمع الضرائب وأعمال البلدية وغيرها إلى السلطة، بينما تولّى هو التحكم بمداخل ومخارج المدن والقرى، يُطبق عليها الحصار الأمني والاقتصادي متى شاء ويخضعها لشروطه.

وبعد تلك الترتيبات، تمت في يناير 1996 انتخابات المجلس التشريعي لمناطق الحكم الذاتي، والتي قاطعتها حماس وباقي الفصائل العشر، وفازت فيها حركة فتح ومؤيدوها بنحو ثلاثة أرباع المقاعد. كما انتخب ياسر عرفات رئيساً للسلطة بأغلبية 88%.

اتفاق الخليل
(15 كانون ثاني / يناير 1997):
عاد حزب الليكود في مايو 1996 إلى سدَّة الحكم بزعامة بنيامين نتنياهو الذي كان معارضاً لاتفاق أوسلو، ويعتقد أن الفلسطينيين أخذوا أكثر مما ينبغي أو أكثر مما يستحقون. وقد اضطرت السلطة الفلسطينية إلى تقديم تنازلات جديدة فيما يتعلق بوضع مدينة الخليل الذي تم التوقيع عليه في 15 كانون الثاني / يناير 1997 وهو اتفاق قسَّم المدينة إلى قسمين: يهودي في قلب المدينة بما فيها الحرم الإبراهيمي، وقسم عربي ويشمل الدائرة الأوسع للمدينة. وتم وضع ترتيبات أمنية قاسية ومعقدة لضمان أمن الـ400 يهودي المقيمين في وسط المدينة، وبشكل يضمن راحتهم وتنقلهم بين أكثر من 120 ألف فلسطيني يسكنون الخليل، مما جعل حياة سكان المدينة الفلسطينية جحيماً لا يطاق.
وتضمّن اتفاق الخليل إعادة جدولة زمنية لثلاث انسحابات (إعادة انتشار) من أجزاء غير محددة من الضفة تبدأ في مارس 1997 وتنتهي في يونيو 1998، بدلاً مما كان مقرراً في أيلول / سبتمبر 1997[55].

اتفاق واي ريفر بلانتيشن
(23 تشرين أول / أكتوبر 1998):
تعامل نتنياهو مع السلطة الفلسطينية بكثير من اللامبالاة والازدراء والتعالي، ونشط أكثر في مجال توسيع المستوطنات والاستيلاء على الأراضي وتهويد القدس. ورفض تطبيق الاتفاقيات أو التعاون مع السلطة ما لم تثبت فاعليتها بنسبة 100% في مكافحة المعارضة الفلسطينية وخصوصاً حماس والجهاد الإسلامي، وما لم تقدم أقصى درجات التعاون الأمني مع الكيان الإسرائيلي.

وقد تعثرت إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي مرة أخرى نتيجة التعنت الإسرائيلي. واضطر عرفات في 5 مايو 1998 أن يقبل أخيراً عرضاً أمريكياً - كان قد رفضه مراراً - بانسحاب "إسرائيلي" من 13% من الضفة الغربية. غير أن نتنياهو لم يوافق على هذا العرض إلا بعد أن وافق عرفات أن يكون هناك 3% من هذه الـ 13% على شكل محمية طبيعية. وفي 23 تشرين أول / أكتوبر 1998 وقع الطرفان اتفاقية واي ريفر بلانتيشن التي تضمنت الانسحاب الإسرائيلي من 13% من أرض الضفة. كما تضمنت إطلاق سراح بضعة مئات من أصل 3000 معتقل سياسي فلسطيني، والسماح بتشغيل مطار غزة والسماح بطريق آمن بين الضفة والقطاع.

وقد اتخذ اتفاق واي ريفر شكلاً أمنياً أكثر حزماً وتشدداً، إذ كان شرط تنفيذ ما سبق أن يُصعِّد الطرف الفلسطيني جهوده ضد ما أسماه "الإرهابيين" أي المعارضة الفلسطينية، ويصادر الأسلحة بناء على خطة أمنية مجدولة تحت إشراف المخابرات الأمريكية CIA، وإزالة كل ما يعادي "إسرائيل" في الميثاق الوطني الفلسطيني. وحسب الاتفاقية تتسع السيطرة الإدارية والأمنية للسلطة لتغطي 18% من الضفة (مناطق أ)، ويكون لها سيطرة إدارية فقط على 22% (مناطق ب) ويكون ضمنها المحمية الطبيعية (3%)[56].

وفي 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1998 طمأن نتنياهو مجلس وزرائه أنه حتى بعد تنفيذ اتفاقية واي ريفر فإن الإسرائيليين سيظلون محتفظين بالسيطرة الأمنية على 82% من الضفة والقطاع. وفي 20 تشرين ثاني / نوفمبر 1998 انسحب الكيان الإسرائيلي من 34 بلدة وقرية شمال الضفة. وأطلق سراح 250 سجيناً فلسطينياً معظمهم مجرمين عاديين وليس معتقلين سياسيين. ثم عاد مجلس الوزراء الإسرائيلي فقرر توقيف تنفيذ اتفاقية واي ريفر في 20 كانون أول / ديسمبر 1998. ورجع الإسرائيليون إلى عادتهم في فتح وإغلاق "صنبور" تنفيذ الاتفاقيات كما يشاؤون سعياً لابتزاز تنازلات جديدة.

اتفاقية شرم الشيخ
(4 أيلول / سبتمبر 1999):
مع قدوم حزب العمل بقيادة إيهود باراك إلى السلطة من جديد في تموز / يوليو 1999 تجددت آمال السلطة الفلسطينية بالتعجيل بتنفيذ اتفاقات أوسلو، وحسم قضايا الحل النهائي. ورغم أن باراك قاد حملته الانتخابية على أساس الوصول إلى تسوية وتسريع عجلة المفاوضات، إلا أنه قدَّم "لاءاته الخمس" التي استند على أساسها برنامجه "السلمي":
1. لا لإعادة القدس الشرقية للفلسطينيين، والقدس عاصمة أبدية موحدة للكيان الإسرائيلي.
2. لا لعودة الكيان الإسرائيلي إلى حدود ما قبل حرب 1967.
3. لا لوجود جيش عربي في الضفة الغربية (بمعنى أن أي كيان فلسطيني يجب أن يكون ضعيفاً غير مكتمل السيادة).
4. لا لإزالة المستوطنات اليهودية في الضفة والقطاع.
5. لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين.

وفي شرم الشيخ في 4 أيلول / سبتمبر 1999 وقع باراك وعرفات النسخة المعدَّلة من اتفاقية واي ريفر بحضور الرئيس المصري وملك الأردن. وهي تتعلق بموضوع تعجيل إعادة الانتشار الذي اتفق عليه سابقاً وماطلت "إسرائيل" في تنفيذه. كما تم الاتفاق على تمديد فترة الحكم الذاتي إلى أيلول / سبتمبر 2000، مع أنه ينتهي حسب "أوسلو" في أيار / مايو 1999. كما نص على الإفراج عن مجموعة من المعتقلين الفلسطينيين[57].
وعلى أي فإن اتفاق شرم الشيخ نفسه لم يسلم من التسويف، إذ إن موعد استكمال عملية التسليم كان ينبغي أن يتم في 20 كانون ثاني / يناير 2000، لكن الخلاف على ما يمكن تسليمه أخّر التنفيذ إلى 21 آذار / مارس 2000[58].

تطور مسار التسوية ومفاوضات كامب ديفيد
(تموز/ يوليو 2000):
كانت السلطة الوطنية الفلسطينية في أمسّ الحاجة لتحقيق مكاسب على الأرض خصوصاً فيما يتعلق بالحلول النهائية وتحقيق حلم إقامة الدولة الفلسطينية. فقد عانت السلطة من انتقادات عنيفة داخلية وخارجية بسبب ضعف أدائها في المفاوضات، وبسبب قمعها للمعارضة، والاتهامات بانتشار الترهل والفساد في أجهزتها. وفي الوقت الذي استمر فيه التسويف والابتزاز "الإسرائيلي" اضطرت السلطة عدة مرات لتأجيل إعلان الدولة الفلسطينية الذي كانت تَعِدُ به الجماهير منذ أيلول/ سبتمبر 1998، ثم هددت بإعلانها في أيار/ مايو 1999، ثم أيلول/ سبتمبر 1999، ثم أيار/ مايو 2000، ثم أيلول/ سبتمبر 2000. وكان الصهاينة لا يتعاطون بكثير من الجدية مع هذه التهديدات لأنهم يعلمون أن هذا الإعلان السياسي لن يغير من واقع احتلالهم للضفة والقطاع، لكنه يمكن أن يسبب بعض المتاعب السياسية التي يمكن في النهاية التعامل معها. وقد بدا الوضع "مأساوياً" في شهر شباط/ فبراير 2000 لدرجة أن عمرو موسى وزير الخارجية المصري وصف المسيرة السلمية بأنها "عبثية" بناء على الحالة المحبطة التي نقلها ياسر عرفات للرئيس المصري مبارك عندما التقى به في القاهرة[59].

غير أنه كانت هناك خشية "إسرائيلية" – فلسطينية - أمريكية من حالة الإحباط المتصاعدة في المنطقة، والتي يمكن أن تؤدي إلى انهيار مشروع التسوية. وأدركت الأطراف أنه لا بد من نهاية قصوى لحالة التسويف والابتزاز القائمة، وإلا فإن خيار الجهاد والمقاومة المسلحة سيعود للبروز من جديد.

ولذلك تواصلت مفاوضات المرحلة النهائية بشكل أكثر جدية في أماكن مختلفة مثل قاعدة بولينج الأمريكية في نيسان/ أبريل 2000، وفي استكهولم في أيار/ مايو 2000 وبدا أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أخذا يكشفان أوراقهما حول الوضع النهائي، وانتقلت اللغة "المتشددة" من الطرفين إلى "تَفَهّم" أكثر لاحتياجات كل منهما.

وكان واضحاً في المفاوضات أن الكيان الإسرائيلي لا يزال يسعى للاحتفاظ بتفوقه الاستراتيجي على العالم العربي حتى بعد تحقيق التسوية، حتى إن باراك وصف السلام القادم بأنه سيكون في بداية الأمر "سلاماً مسلحاً"[60].

وقد حاولت الأطراف بشكل حثيث الوصول إلى تسوية قبل قدوم الموعد الأخير الذي ضربه الفلسطينيون لإعلان دولتهم (أيلول/ سبتمبر 2000). وفي حزيران/ يونيو قال باراك عقب اجتماعه مع دينيس روس المنسق الأمريكي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط "إن مفاوضات السلام مع الفلسطينيين بلغت درجة نضج تسمح بالتوصل إلى اتفاق… وإن أياً من الطرفين لا يمكن أن يحقق كل أحلامه… إلا إن هناك فرصة فريدة للطرفين للوصول إلى اتفاق تاريخي"[61].

وقد نشرت "يديعوت أحرنوت" في 23 حزيران/ يونيو 2000 نص وثيقة أمريكية تكشف استعداد "إسرائيل" للانسحاب من 90% من الضفة والقطاع ونقلهما للسيادة الفلسطينية الكاملة. والموافقة على أن يكون نهر الأردن والجسور المقامة عليه والأحياء العربية في القدس تخضع في النهاية لسيطرة الفلسطينيين، على أن تقوم "إسرائيل" بضم مناطق وتجمعات الاستيطان اليهودي الرئيسة في الضفة، ومن ضمها تلك القائمة في محيط منطقة القدس. وعلى أن تحل مشكلة اللاجئين على أساس مبدَأَي التعويض والتوطين، ولتحقيق ذلك يحصل الفلسطينيون على 40 مليار دولار والأردنيون على 40 مليار دولار أخرى، ويحصل اللبنانيون على 10 مليارات والسوريون على 10 مليارات. واقترح أن تقوم أمريكا بتغطية 25% من هذه المبالغ التي ستصرف على مدى 10-20 عاماً عن طريق إنشاء منظمة دولية جديدة تحل محل الأونروا. كما وعدت الوثيقة بمساعدات غير محددة للفلسطينيين، منها خمسة مليارات لإنشاء بنية تحتية لتوفير المياه[62].

وفي الوقت نفسه تسربت الأخبار عن مشروع فلسطيني للتسوية النهائية، نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" في 25 حزيران/ يونيو 2000 على أساس ما أسمته "قائمة مطالب عرفات للسلام"، مشيرة إلى أنها نقلته عن مصدر إسرائيلي رفيع. وقد تضمن:
1. انسحاب إسرائيلي من 98.5% من الضفة الغربية.
2. الموافقة على بقاء جزء من المستوطنات تحت السيادة الإسرائيلية داخل حدود المستوطنة بالإضافة إلى 50 متراً خارج جدرانها.
3. الموافقة على أن الشوارع المؤدية للمستوطنات تكون تحت السيادة الإسرائيلية، أما جوانب الشوارع فتحت السيادة الفلسطينية.
وقد أشارت الوثيقة إلى أن عرفات سيوفق في النهاية على كتل استيطانية بحدود 4% من الضفة.
4. توضع القدس العربية (الشرقية) تحت السيادة الفلسطينية الكاملة، وتكون عاصمة فلسطين، مع بقاء الحي اليهودي وحائط البراق "حائط المبكى" وحي المغاربة تحت السيادة الإسرائيلية، فضلاً عن القدس الغربية، ومستوطنات معاليه أدوميم وجيلو وراموت.
5. بالنسبة للخليل: يقوم الإسرائيليون بإخلاء مستعمرة كريات أربع وحي أبراهام أبينو في الخليل، ويُمنحون طريقاً حرة للوصول إلى الحرم الإبراهيمي.
6. يوافق الفلسطينيون على استئجار الإسرائيليين قطعة ضيقة على شريط غور الأردن لفترة محدودة وتحت السيادة الفلسطينية.
7. يجب أن يعترف الإسرائيليون بحق العودة الكامل للاجئين الفلسطينيين، وبالاعتراف بمسئوليتهم عما حدث لهم، وتعويض من لا يرغب منهم بالعودة.
وقد أشارت الصحيفة إلى أن هناك ليونة خلف هذا الموقف الرسمي، إذ إن المسئولين الفلسطينيين سيوافقون في النهاية على إعادة 100 ألف فلسطيني في إطار جمع شمل العائلات.
8. الموافقة على أن تكون الدولة الفلسطينية منـزوعة من السلاح الثقيل.
9. تعويض الفلسطينيين عن المستوطنات الإسرائيلية التي ستضمها "إسرائيل" تحت سيادتها، وذلك بتسليمهم أرضاً مساحتها 200 كم2 من الأرض المحتلة سنة 1948 (داخل الخط الأخضر). واقترح أن تتكون من جزأين، الأول منطقة طولية تستخدم ممراً برياً بحيث تصل بين قطاع غزة وحاجز ترقوميا في أطراف جبل الخليل على حدود الضفة الغربية. أما الجزء الثاني فيكون جنوب مرج ابن عامر في منطقة القرية العربية "مقيبلة".
10. الإفراج عن كافة المعتقلين وتنفيذ فوري للانسحاب حسب اتفاق أوسلو[63].

ومن خلال النظر في المشروعين السابقين (الوثيقة الأمريكية، ومطالب عرفات) يتضح أن الطرفين اقتربا بصورة أكثر جدية من تحقيق حل دائم. وفي الوقت نفسه حافظ الطرفان على حالة من التوتير الإعلامي، كجزء من مناورات التسوية. فقد هددت السلطات الإسرائيلية باستخدام الدبابات والطائرات ضد المناطق الفلسطينية. وقد رد ياسر عرفات على ذلك في مهرجان خطابي في نابلس أمام الآلاف من مؤيديه من أنصار حركة فتح قائلاً "نحن مستعدون لأن نُشطب ونبدأ من جديد" وذكّر إسرائيل "بهزائمها" في الكرامة وبيروت والانتفاضة، وهدد بإشعال الانتفاضة من جديد[64].

وفي الجهة المقابلة، لم يكن باراك يتمتع بوضع مريح في حكومته ولا في الكنيست يمكنه من اتخاذ قرارات مصيرية. وحتى لو وافق على الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، فإنه كان سيواجه احتمالات جدية بسقوط حكومته، وعدم تمرير الاتفاقات في الكنيست أو في الاستفتاء الشعبي. فقد كان حزب العمل الذي يتزعمه باراك لا يملك أكثر من 26 مقعداً من أصل 120 ويحكم ضمن تحالف متنافر يجمع اليمين الديني المتشدد مثل المفدال وشاس كما يجمع اليسار العلماني "ميرتس". وقد تمكن حزب الليكود المعارض في 2 مارس 2000 من تعقيد الوضع بالحصول على قرار من الكنيست بأن أي تسوية سياسية يجب أن تحصل على غالبية أصوات الناخبين المسجلين في استفتاء شعبي (وليس فقط أكثرية المشاركين في الانتخابات). وتزايدت معارضة اليمين الإسرائيلي للتسوية في شهر حزيران/ يونيو 2000، وانسحب عدد من الأعضاء اليمينيين من حكومة باراك مما أفقدها غالبيتها في البرلمان (الكنيست).

وفي يوم ذهابه إلى واشنطن للمشاركة في مفاوضات كامب ديفيد، اجتاز باراك "امتحان" إسقاط حكومته بصعوبة بالغة عندما طُرحت الثقة بحكومته، وفاز الاقتراح بغالبية 54 صوتاً ضد 52 صوتاً، لكنه لم يكن كافياً لإجباره على الاستقالة لعدم حصوله على أغلبية 61 صوتاً. وعلى ذلك، فإن باراك ذهب إلى المفاوضات وهو يعي تماماً قوة المعارضة "الإسرائيلية" للتسوية، وإدراكه عملياً أنه على الأغلب لن يستطيع تسويق التسوية للشارع الإسرائيلي في ظل تلك الأوضاع، حتى لو أراد حزب العمل ذلك. وهذا يضع علامة استفهام على مدى جدية باراك وحكومته في مفاوضات كامب ديفيد.

ومع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي كلينتون أخذ يسعى بقوة لتحقيق إنجاز تاريخي، فدعا إلى عقد مفاوضات التسوية النهائية في كامب ديفيد، باذلاً ما في وسعة لإنجاحها، مفرغاً نفسه عدة أيام في أثناء انعقادها. وقد انعقدت مفاوضات كامب ديفيد 12-25 تموز/ يوليو 2000 بحضور كلينتون وباراك وعرفات. وظهر أن المشروعين السابقين كانا أساساً لتلك المفاوضات.

وكان موضوع القدس هو العقبة الكأداء التي واجهت المؤتمر، والتي أدت إلى فشله، كما بقيت معضلة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة دون حل. وكان موضوع السيادة على القدس الشرقية والوضع النهائي للمسجد الأقصى بالذات هم النقطتان الأكثر حساسية. إذ أصر الصهاينة على القدس عاصمة موحدة "لإسرائيل"، وعلى نوع من السيادة على حرم المسجد الأقصى الذي يسمّونه جبل (المعبد) الهيكل ، ويحلمون بإنشاء الهيكل اليهودي الثالث عليه. فكانت هناك اقتراحات بأن تكون هناك سيادة يهودية على الأرض تحت المسجد الأقصى، أو بالاشتراك مع المسلمين بجزء من حرمه، أو حتى ببناء المعبد اليهودي على أعمدة عالية فوقه. وقد أصرّت السلطة الفلسطينية على موقفها من السيادة على القدس الشرقية، وأبدت موافقتها على فكرة أن تكون القدس مدينة مفتوحة وعاصمة لدولتين، واستعدت للاستجابة للمتطلبات الأمنية الإسرائيلية بشأنها. وقد جرت محاولات لإنقاذ الموقف باقتراح تأجيل موضوع القدس مدة سنتين أخريين غير أن عرفات رفض ذلك، وأصرّ على موقفه بإسناد مصري سعودي قوي، وصرح بأن "القدس تحرق الحي والميت"، وبأنه "لم يولد الزعيم العربي الذي يتنازل عن القدس".

أما بالنسبة للصهاينة فإن مجمل ادعاءاتهم التاريخية والدينية في فلسطين تتركز حول القدس وبالذات "جبل المعبد" حسب تسميتهم للمسجد الأقصى. وهم يسعون منذ العشرينيات من القرن العشرين لهدم الأقصى وبناء هيكلهم، وكان الزعيم الصهيوني ديفيد بن جوريون الذي قام على عاتقه الكيان الإسرائيلي وكان أول رئيس وزراء له يقول إنه "لا معنى لإسرائيل دون القدس، ولا معنى للقدس دون الهيكل". وبحلول سنة 2000 كان الكيان الإسرائيلي قد قام بالكثير من الخطوات العملية لتهويد القدس الشرقية فأسكن فيها نحو 200 ألف مستوطن متوزعين على 27 مستوطنة وحي يهودي، وبحيث تفصل القدس عن محيطها العربي في الضفة. كما قام بعمليات حفريات مكثفة تحت المسجد الأقصى وصلت إلى عشر مراحل، وحفر خلالها أربعة أنفاق وفرّغ من تحته الأتربة، وحاول إذابة الصخور بالمواد الكيماوية مما هدد بانهيار المسجد الأقصى في أي لحظة. كما وقع أكثر من 120 اعتداء على الأقصى، حدث ثلثاها في السنوات التي تلت توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993.

وقبيل انهيار المفاوضات، وعندما أخذت نذر الفشل تلوح في الأفق عاد الطرفان للغة التهديد. فقد حذر باراك الفلسطينيين من "مواجهة نتائج مأساوية في حال الفشل" وقال "إذا لم تصلوا إلى اتفاق معي فسأكون آخر رئيس وزراء إسرائيلي يمكن التوصل إلى اتفاق معه"، كما بدأت القوات الإسرائيلية استعدادات عسكرية واسعة لخوض المواجهات في حال فشل القمة[65].

وذكر عماد الفالوجي وزير المواصلات في السلطة الفلسطينية أن المنطقة مقبلة على "مستقبل أسود" إذا فشلت قمة كامب ديفيد[66]. وتوقعت مصادر أمنية إسرائيلية حسبما نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فإن يتوقع حدوث مواجهات شاملة يحاول الفلسطينيون خلالها تحقيق عدة أهداف أبرزها:
1. توحيد الصف الفلسطيني من مؤيدي السلطة ومعارضيها، بقصد تصليب الموقف الفلسطيني تجاه المفاوضات.
2. تحقيق مكاسب إقليمية بتنظيم مسيرات ومظاهرات باتجاه المستوطنات "الإسرائيلية" ومناطق "ب"، ومحاولة الاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه سلمياً.
3. إظهار "إسرائيل" على أنها دولة محتلة عدوانية، لا تتورع عن ارتكاب المجازر لتكريس احتلالها، مما يضطرها في النهاية إلى الرضوخ للإرادة الدولية والانسحاب[67].

وعندما انهارت المفاوضات فعلياً أعلن الجيش "الإسرائيلي" استعداده لأي احتمالات مع الفلسطينيين. وفي الجهة المقابلة، أعلن وزير العدل الفلسطيني فريح أبو مدِّين بأن "الوضع خطير جداً، وكل الاحتمالات لدينا مفتوحة" وقال إنه إذا ما وصلت العملية إلى صدام دموي "فإن المنطقة ستنهار، بل كل الشرق الأوسط سينهار، وحتى عملية السلام مع مصر والأردن"[68].

ولم تكن هذه التوقعات بعيدة عن الموضوعية، والقدرة على الاستشراف السياسي للمستقبل، إذ وقعت انتفاضة الأقصى التي شغلت العالم ولا تزال تشغله منذ 28 أيلول/ سبتمبر 2000.

مشروع بيل كلينتون للسلام
كانون أول/ ديسمبر 2000:
إثر فشل مفاوضات كامب ديفيد كانت كل عناصر تفجير الموقف جاهزة، فقد كان هناك حالة إحباط فلسطيني واسعة تجاه عملية التسوية، واضطرت السلطة الفلسطينية إلى تأجيل إعلان الدولة الفلسطينية عن موعدها المقرر في 13 أيلول/ سبتمبر 2000 إلى إشعار آخر. وكانت الحكومة الإسرائيلية بقيادة باراك تتكئ على أقلية برلمانية لا تمكنها من اتخاذ قرارات جريئة أو مصيرية، هذا إذا كانت هي أصلاً مخلصة في الوصول إلى تسوية تُرضي السلطة الفلسطينية. وظل الحد الأدنى الفلسطيني أعلى من السقف "الإسرائيلي"، خصوصاً فيما يتعلق بالقدس واللاجئين. وبدا للطرفين أنهما قدما أفضل ما يستطيعان، وأنهما وصلا إلى طريق مسدود. ووفق الحسابات السياسية فإن "تنازل" أي طرف في تلك القضايا الجوهرية كان يعني سقوطه شعبياً، وبالتالي سقوط التسوية نفسها.

وعندما اشتعلت انتفاضة الأقصى إثر زيارة شارون لحرم المسجد الأقصى في 28 أيلول/ سبتمبر 2000 وجد الطرفان فرصتهما لتحقيق مزيد من الضغوطات لإجبار الطرف الآخر على التنازل. ودخلت المعارضة الفلسطينية وعلى رأسها حماس لتؤكد صحة الخيار الجهادي والكفاح المسلح، كما برز دعم في العالم العربي والإسلامي لم يسبق له مثيل للانتفاضة، مؤكداً حق الفلسطينيين في أرضهم ومقدساتهم وبناء دولتهم المستقلة. وفي الوقت نفسه، ازداد اليمين المتطرف قوة في الوسط "الإسرائيلي" الصهيوني. وانزوى خيار السلام مع ازدياد العجرفة الصهيونية وقتل الأبرياء وهدم البيوت، ومع ازدياد العمليات الجهادية القوية التي أحدثت لأول مرة "توازن ردع" مع الكيان "الإسرائيلي".

ورغم أن باراك استخدم كل ما في جعبته من وسائل إرهاب وتدمير وقتل ومن خبرات له كقائد للجيش ورئيس سابق للأركان، وفضح الوجه البشع له ولحزب العمل الذي عمل طويلاً على تجميله. رغم كل ذلك، فقد اضطر باراك للاستقالة في 9 كانون أول/ ديسمبر 2000 مما فتح المجال للتنافس على منصب رئيس الوزراء في انتخابات تعقد خلال ستين يوماً.

وفي الولايات المتحدة فاز جورج بوش الابن مرشح الحزب الجمهوري على نائب الرئيس الأمريكي آل جور مرشح الحزب الديموقراطي بأغلبية ضئيلة. وسعى بيل كلينتون في الأيام القليلة المعدودة التي ظلت لولايته (حتى 20 كانون ثاني/ يناير 2001) إلى تقديم مشروع اللحظات الأخيرة، وإلى دعوة الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي" للقدوم إلى واشنطن لإجراء المباحثات. واستناداً إلى ما سجله مسؤولون أمريكيون في 23 كانون أول/ ديسمبر 2000 في أثناء لقاء الرئيس كلينتون مع مسئولين فلسطينيين و"إسرائيليين" فإن مشروع كلينتون يتضمن النقاط التالية:

أولاً: الأراضي:
1. دولة فلسطينية على 94 - 96% من الضفة و 100% من القطاع.
2. في مقابل الجزء الذي تضمه "إسرائيل" عليها أن تعطي 1-3% من "أراضيها" [الأراضي التي احتلتها عام 1948] إلى الطرف الفلسطيني، بالإضافة إلى معبر دائم آمن بين الضفة والقطاع.
3. خريطة الدولة الفلسطينية يجب أن تستجيب للمعايير التالية:
أ- 80% من المستوطنين اليهود يبقون في مجمعات استيطانية.
ب- تواصل الأراضي
ج- تخفيض عدد المناطق التي تضمها "إسرائيل" إلى الحد الأدنى.
د- تخفيض عدد الفلسطينيين الذين سيتأثرون بهذا الضم إلى الحد الأدنى.
ثانياً: الأمن: حضور إسرائيلي في مواقع ثابتة في وادي الأردن تحت سلطة قوة دولية، ولفترة محدودة قابلة للتعديل من 36 شهراً.
ثالثاً: القدس: المبدأ العام أن المناطق الآهلة بالسكان العرب هي مناطق فلسطينية، والآهلة باليهود هي مناطق "إسرائيلية".
رابعاً: الحرم (المسجد الأقصى): حل يضمن رقابة فعلية للفلسطينيين على الحرم، مع احترام معتقدات اليهود. وهناك اقتراحان: إما سيادة فلسطينية على الحرم، وسيادة إسرائيلية على حائط البراق وسيادة على المجال المقدس لدى اليهود أي المسطح السفلي للحرم.
أو: سيادة فلسطينية على الحرم وإسرائيلية على البراق، وتقاسم السيادة على مسألة الحفريات تحت الحرم وخلف حائط البراق.
خامساً: اللاجئون: المبدأ الأساسي أن الدولة الفلسطينية هي الموقع الرئيسي للفلسطينيين الذين يقررون العودة إلى المنطقة من دون استبعاد أن تستقبل إسرائيل بعضهم.
ويتم تشكيل لجنة دولية لضمان متابعة ما يتعلق بالتعويضات والإقامة.
سادساً: نهاية النـزاع: يمثل هذا الاتفاق بوضوح نهاية النـزاع، ويضع تطبيقه حداً لأي مطالبة[69].

وفي مفاوضات واشنطن وافق الطرف "الإسرائيلي" لأول مرة في 21 كانون أول/ ديسمبر على تقديم تنازلات بشأن السيادة على القدس الشرقية، وفي 27 من الشهر نفسه ألغى عرفات اجتماعاً مع باراك رافضاً الخطوط العامة للاتفاقية المقترحة. وفي 3 كانون ثاني/ يناير 2001 وافق عرفات من حيث المبدأ على مقترحات كلنيتون كإطار للتسوية، لكنه أبدى تحفظات هامة عليها، وفي اليوم التالي رفض الإعلان بوضوح عن موافقته على المقترحات حيث لا يسمح المشروع لملايين اللاجئين بالعودة إلى الأرض المحتلة عام 1948، كما لا يحدد بوضوح الحدود المقترحة للدولة الفلسطينية. ولقي موقف عرفات دعم الزعماء العرب في اجتماع في القاهرة حول حق اللاجئين في العودة. وقد وصف البعض المقترحات الأمريكية بأنها مقترحات "إسرائيلية" بثوب أمريكي. ورغم أن "الإسرائيليين" وافقوا مبدئياً على الاقتراحات كإطار للتسوية ألا أنهم أبدوا من جهتهم بعض التحفظات. ورفض باراك سيادة الفلسطينيين على المسجد الأقصى[70].

وفشلت محادثات واشنطن وانتهت ولاية كلينتون دون التوصل إلى اتفاق.

وقد كان كلينتون من الغرابة والوقاحة إلى حد أنه وصف أن جوهر المشكلة "هو أن اليهود عندما عادوا إلى وطنهم وجدوا أن هناك شعباً آخر"!! حسبما ذكر في خطاب في واشنطن في 8 كانون ثاني/ يناير 2001[71].

وفي محاولة أخيرة لإنجاز التسوية قبل الانتخابات "الإسرائيلية" عُقدت في "طابا" المصرية مباحثات 20 - 27 كانون ثاني/ يناير 2001 ولم تتمكن من الوصول إلى تسوية نهائية، لكن بياناً مشتركاً ذكر أن الطرفين "كانا أقرب من أي وقت مضى للوصول إلى تسوية" وأنهما سيوصلان المحادثات بعد الانتخابات "الإسرائيلية"[72].

شارون وتعطّل مسار التسوية:
فاز أريل شارون برئاسة الوزراء في الانتخابات العامة التي عقدت في 6 شباط/ فبراير 2001 ضد منافسه باراك وبفارق تاريخي كبير يزيد عن 25%، مما أكد ازدياد التطرف والتشدد لدى المجتمع الصهيوني.

وقد أعاد شارون مسار التسوية سنوات إلى الوراء، فعرض على الفلسطينيين حكماً ذاتياً على 40 - 45% من الضفة الغربية، ورفض الدخول في أي مباحثات قبل توقف الانتفاضة. وحاول أن يُسوّق في أواخر نوفمبر 2001 فكرة دولة غزة أولاً.

لقد جاء شارون ببرنامج أمني يَعِد الصهاينة بالأمن عن طريق سحق الانتفاضة بالقوة. وهو باعتباره أشد الصهاينة تطرفاً، وأكثر من ولغ في دماء الفلسطينيين منذ الخمسينيات مروراً بمذابح صبرا وشاتيلا سنة 1982، وأنشط من شجع الاستيطان ومصادرة الأراضي في الضفة والقطاع عندما كان وزيراً للإسكان…، فقد جاء إلى الحكم بعقلية العسكري الجنرال ووزير الدفاع السابق الذي يرى العنف أفضل وسيلة للتعامل. ولذلك لم تكن عملية التسوية من أولوياته، ولا استرضاء الفلسطينيين ضمن برنامجه.

وقد وعد "الإسرائيليين" بالأمن خلال مائة يوم، لكنه فشل (بعد أكثر من سنة ونصف من انتخابه) في ذلك فشلاً ذريعاً، ولا تزال المقاومة الفلسطينية توجه ضربات قاسية في العمق الصهيوني الذي يعيش حالة من التردي والهلع. لكن المجتمع "الإسرائيلي" لا يزال يدعم شارون وبرنامجه، لأنه ربما كان السهم الأخير في جعبة التطرف لديه، ولأنه يقود حكومة وحدة وطنية، أي أن البدائل الأفضل غير متوفرة حالياً.

ولأن المجتمع الصهيوني يعلم أن سقوط شارون يعني ثمناً كبيراً يجب دفعه للفلسطينيين.

مبادرة الأمير عبد الله:
وفي شهر فبراير 2002 رشحت أنباء عن مبادرة لولي العهد السعودي الأمير عبد الله في مقابلة أجراها الأمير مع توماس فريدمان كاتب التحقيقات في النيويورك تايمز وتداولتها وسائل الإعلام العربية في 18 فبراير 2002.

والمبادرة التي أكدتها السعودية رسمياً فيما بعد ترتكز أساساً على فكرة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأرض المحتلة سنة 1967 وقيام الدولة الفلسطينية عليها، مقابل السلام الكامل والاعتراف والتطبيع العربي الشامل مع "إسرائيل".

والمبادرة لا تختلف كثيراً عن المبادرات العربية السابقة، سوى - ربما - في وضوحها فيما يتعلق بالتطبيع العربي الشامل.

وقد لقيت المبادرة ترحيبا أمريكياً وأوربياً مبدئياً، كما لقيت ترحيباً من الأمين العام للأمم المتحدة، ومن عدد من الأطراف العربية. ولكن حدثت تساؤلات حول موقف المبادرة من حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم، وقد أكد الأمير عبد الله على عدم التنازل عن هذا الحق.

وقد حاول الكيان الإسرائيلي الالتفاف على المبادرة بإعلان أنها خطوة إيجابية واستعداد شارون لمقابلة الأمير عبد الله، غير أن شارون رفض مبدأ الانسحاب من كل الأرض المحتلة سنة 1967. وقد رفضت السعودية العرض الإسرائيلي، وقالت إن اختزال إسرائيل للمبادرة في شكل عقد لقاءات ثنائية يكشف رفض إسرائيل للمبادرة.

وقد قرر الأمير عبد الله طرح مبادرته في مؤتمر القمة العربي التي انعقدت في بيروت في 27 - 28 مارس 2002. وبالفعل، تبنى مؤتمر القمة العربي المبادرة وحوَّلها إلى مبادرة عربية شاملة، غير أن غياب 11 رئيس دولة عربياً بالإضافة إلى عدم قدرة ياسر عرفات على حضور القمة بسبب الحصار الإسرائيلي على مقره قد أضعف من قوة زخم هذه المبادرة.

قرار مجلس الأمن الدولي:
ومن جهة أخرى أصدر مجلس الأمن الدولي في 12 مارس 2002 قراره رقم 1397 أوضح فيه لأول مرة رؤيته لمستقبل الصراع بقيام دولة فلسطينية تتعايش إلى جانب "إسرائيل". ولكن هذا القرار لم يحدد جدولاً زمنياً لذلك، ولم يتخذ طابعاً إلزامياً "لإسرائيل" بالانسحاب، كما لم يحدد شكل الدولة ولا حدودها.

وبعد ذلك بنحو ثلاثة أشهر ونصف (26 يونيو 2002) قدم الرئيس الأمريكي جورج بوش رؤيته للتسوية السلمية. ووضع شروطاً مستحيلة للوصول إلى قيام الدولة الفلسطينية. فقد طالب بوقف الانتفاضة وسيطرة السلطة تماماً على الأوضاع، وإصلاح السلطة ومؤسساتها، وتغيير القيادة الفلسطينية بما فيها عرفات.... وقد أثارت شروطها مشاعر بالمرارة والسخرية فلسطينياً وعربياً ودولياً، وحتى في أوساط حلفائه الأوربيين، بل وحتى من قيادات سياسية إسرائيلية. واعتبره الكثيرون ممثلاً ليس لمصالح وبرامج الإسرائيليين ففط، وإنما لرؤية شارون والليكود للتسوية... حتى إن عدداً من قيادات حزب العمل الإسرائيلي انتقدت المبادرة.

وقد عكست مبادرة بوش مدى النفوذ الصهيوني " الليكودي" في الإدارة الأمريكية، ومدى إيغال الولايات المتحدة في الاستخفاف بحقوق الفلسطينيين حتى تلك التي أقرتها مواثيق الأمم المتحدة وقراراتها. بينما اعتبرها الآخرون أنها في أحسن الأحوال تعكس مدى جهل الرئيس بوش بحقائق الوضع على الأرض في فلسطين.

رؤية تحليلية للموقف العربي والفلسطيني
و"الإسرائيلي" من التسوية
من خلال العرض السابق، لاحظنا أن إقبال الأنظمة العربية و م.ت.ف على المشاركة في عملية التسوية السلمية ينطلق أساساً من خلفيتين:
الأولى: حالة العجز العربي واختلال موازين القوى بما يجعل مستحيلاً في المدى المنظور تحرير فلسطين بالوسائل العسكرية.

والثانية: عامل الزمن، وشعور الأنظمة العربية أن الزمن لا يعمل لصالحها حيث يقوم الكيان الصهيوني ببناء الحقائق على الأرض، وأن الأولى إيقاف تمدُّد المشروع الصهيوني، وإنقاذ ما يمكن من أرض قبل فوات الأوان.

وقد يبدو هذا التفكير للوهلة الأولى منطقياً، لكن المشكلة الأساسية تكمن في التعامل مع العجز المؤقت باعتباره قدراً وعجزاً دائماً، وفي الاستسلام ابتداءً إلى مستقبل منهزم، فضلاً عن الحاضر المتردي. كما أنه تفكير لا يدرك تماماً حاجة العدو الصهيوني الماسة للتسوية لتجاوز العديد من أزماته ومشاكله. وهو تفكير يُعبِّر عن إشكالية غياب الإرادة، وغياب الرؤية لأدوات التغيير في المستقبل، كما أنه لا يستوعب دروس التاريخ التي انتهت عادة بإزالة الاستعمار والاحتلال ولو بعد مئات السنين، ما دام هناك شعوب لم تنس قضيتها ومستعدة للبذل في سبيلها. وهو يكشف في الوقت نفسه حالة الأنظمة العربية في الانكفاء القطري على مصالحها الخاصة، وفقدانها لاستراتيجيات مشتركة جادة في تحقيق الوحدة التي لن تقوم إلا بزوال الكيان الصهيوني، كما أن الكيان الصهيوني لن يزول إلا إذا خطى مشروع الوحدة خطوات كبرى. ويميط التدقيق في الموضوع اللثام عن الأزمة الداخلية التي تعيشها هذه الأنظمة. إذ إن الانتصار على المشروع الصهيوني يستدعي مشروعاً حضارياً، وحالة نهضوية عامة، لا يمكن أن تتكون بداياتها الأولى إلاّ بفتح أبواب الحريات للجماهير، والمشاركة الشعبية في الحكم من خلال مؤسسات شورية "ديموقراطية" تستطيع أن تنتخب الكفؤ، وتحاسب المقصر وتعزله. ويأمن الناس على حقوقهم وأموالهم وأعراضهم. وعند ذلك يمكن أن تعود الأموال المهاجرة والعقول المهاجرة ... ولا يمكن لهذا المشروع أن يستقيم إلا إذا توافق مع عقيدة الأمة وتراثها، بحيث يمكن أن يفجر فيها العزة والكرامة وروح التضحية والإبداع. وما دامت الأنظمة مستندة إلى الجيش والمخابرات وأقلية من المنتفعين ... فإن مشروع النهضة سيبقى معطَّلاً وبالتالي سيتعطل مشروع التحرير، وسيكون العجز والتسوية السلمية هو البديل الوحيد الذي تُلحُّ الأنظمة على إقناعنا به.

كما لا بد من الإشارة إلى أن الأنظمة العربية والإسلامية تعاملت مع قضية فلسطين ليس بوصفها قضيتها الأساسية المركزية، وإنما بوصفها قضية "جيران" تعرضوا للظلم ويحتاجون بعض الدعاء والمساعدة. وعلى هؤلاء "الجيران" أن يُقدِّروا "الضيافة"، وأن يعلموا أن للمساعدة حدوداً، فلا يستطيع هؤلاء تنظيم أنفسهم وتشكيل مؤسساتهم بحرية في تلك الأقطار، ولا يستطيعون إقامة قواعد عسكرية أو اختراق حدود بلاد الطوق العربي لتنفيذ عمليات المقاومة. والمشكلة هنا أن "النظام العربي" لا يشعر أن بيته هو الذي يحترق، وأن العدو انتهك حرمة منـزله. وهذا جوهر إشكالية النظام القطري في التعامل مع قضايا "الأمة". على أن الوجه الآخر للموضوع هو عدم إدراك الأنظمة العربية والإسلامية لطبيعة المشروع الصهيوني وأهدافه، والذي لم يستهدف الفلسطينيين فقط ولا فلسطين وحدها. إن احتلال المشروع الصهيوني لفلسطين هو مجرد ركيزة ومنطلق لإبقاء الأمة العربية والإسلامية ضعيفة مفككة يمنع وحدتها ونهضتها ويبقيها في دوائر التخلف والتبعية. لأنه يدرك تماماً أن قوة الأمة ووحدتها خطر أكيد على بقائه ويعني زواله عاجلاً أم آجلاً. وبالتالي فإن شرط نُموِّه وبقائه مرتبط بضعف الأمة وتفككها، كما أن وحدة الأمة ونهضتها مشروطة بإنهاء هذا المشروع وزواله.

وفي الجانب الفلسطيني يتنازع الفلسطينيين تياران أساسيان تجاه التسوية، الأول هو تيار القيادة المتنفذة في م.ت.ف وتدعمه أساساً حركة فتح وهو يدعم مسار التسوية واتفاقات أوسلو، والثاني هو تيار المعارضة الفلسطينية الذي تقوده أساساً حركة حماس وعدد من فصائل المقاومة كالجهاد الإسلامي والشعبية والديموقراطية وغيرها. وفي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة يكاد التياران يتناصفان الدعم الجماهيري. أما في خارج فلسطين حيث يوجد أكثر من نصف شعب فلسطين، والذي ستحرمهم أية تسوية سلمية من حقهم في العودة إلى وطنهم، فإن هناك مؤشرات على رفض الغالبية لاتفاقيات أوسلو وما ينبني عليها.

غير أنه ينبغي التفريق بين قبول الفلسطينيين للتسوية السياسية كحل مرحلي هو أفضل ما يمكن تحصيله في الظرف الراهن، وبين إيمانهم بحقهم المطلق في فلسطين من نهرها إلى بحرها، وإيمانهم بضرورة زوال الكيان الصهيوني. بمعنى أن الأغلبية الساحقة للفلسطينيين غير مقتنعة "بعدالة" التسوية السياسية أياً كانت، ولا مقتنعة بأن هذا الحل هو حل "دائم". وعلى سبيل المثال فعندما كانت اتفاقية أوسلو تعيش أفضل أيامها في البداية مع وعود الرخاء وانسحاب المحتلين وإقامة الدولة الفلسطينية فإن أكثر الذين عبأوا استطلاعاً للرأي العام حول موقفهم من اتفاق أوسلو أبدوا موافقة عليه (نحو 55%). وأجاب نفس الذين عبأوا هذا الاستطلاع على سؤال آخر حول إيمانهم بحقهم في فلسطين المحتلة سنة 1948 (الأرض التي قام عليها الكيان الصهيوني، والخارجة عن دائرة التفاوض أصلاً) فأجاب 86% بأنهم يؤمنون بحقهم فيها. مع العلم أن الذين قاموا بالاستبيان كانوا من مؤسسات تدعمها م.ت.ف التي تبنت التسوية.

وبالنسبة للشعب الفلسطيني فإن كلمة "الحل العادل والدائم" التي تُطرح عادة في كل مشاريع التسوية، تصبح مصطلحاً عبثياً يفقد دلالته الحقيقية. فهل يستطيع أحد أن يقنع 4.8 ملايين لاجئ فلسطيني خارج فلسطين بأن الحل العادل الدائم يكمن في توطينهم حيث هم، وفي ترك أرضهم لليهود الصهاينة؟! وفي أن للصهاينة حقاً في 77% من أرض فلسطين لينشئوا عليها دولتهم لقد أشارت استطلاعات الرأي العام التي أجريت مؤخراً وسط اللاجئين الفلسطينيين أن 98% منهم يرفضون التنازل عن حقهم في العودة إلى الأرض المحتلة عام 1948، ويرفضون التوطين أو التعويض. وفوق ذلك من يملك أن يقنع العرب بالتخلي عن عروبة فلسطين؟ ومن يملك أن يقنع المسلمين بالتخلي عن إسلاميتها وقدسيتها؟

إن إشكالية التسوية تكمن في أنها تحمل بذور فشلها في ذاتها، وتحمل عناصر تفجيرها في بنودها. وستبقى مسألة الأرض وهويتها، ومسألة العودة، ومسألة القدس ... تضطرم في النفوس وستظل تتفجر بين آن وآخر لتؤكد أن "السلام" غير عادل ولا دائم.

وقد أفرزت انتفاضة الأقصى واقعاً جديداً وحَّد مختلف التيارات الفلسطينية (بما فيها فتح) حول برنامج المقاومة. واكتسب خيار الجهاد مصداقية وشعبية متزايدة، ووصل الأمر إلى أن يزيد عدد مؤيدي العمليات الاستشهادية (حتى وإن كانت ضد المدنيين الإسرائيليين) في استطلاعات الرأي العام المحايدة في الضفة والقطاع إلى نحو 80%. وقد وضعت الانتفاضة مشروع التسوية في مهب الريح. وإذا كان هذا المشروع يمشي على عُكَّازين في السنوات الماضية، فقد بدا عاجزاً حتى عن استخدام العكازات!!

أما في الجانب "الإسرائيلي" الصهيوني فإن الرغبة في التسوية السلمية ترتكز أساساً على قضية جوهرية تؤرِّق قادته وهي التحول إلى كيان سياسي "طبيعي" في المنطقة. وتحويل النظرة إلى الكيان الصهيوني من كيان "سرطاني" وخطر يجب استئصاله، إلى "ظاهرة صحية" طبيعية. لأن الجانب الصهيوني يدرك تماماً أن لا مستقبل له في المنطقة دون ذلك. وأنه ما دامت حالة العداء موجودة وما دامت المعركة معركة أجيال متواصلة، فإن العرب والمسلمين سيملكون يوماً ما - مهما طال - أدوات القوة والدمار الشامل، كما لن تبقى الظروف السياسية العربية والإسلامية والدولية على حالها إلى الأبد، وبالتالي فإن هذا الكيان سيبقى مهدداً بالزوال لحظة تغير موازين القوى.

لقد دفع هذا الشعور رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ناحوم جولدمان N. Goldman (1956 - 1968)، وهي المنظمة التي أنشأت الكيان الصهيوني إلى القول "لا يوجد لإسرائيل مستقبل على المدى الطويل دون تسوية سلمية مع العرب". بل واعترف أن بن جوريون (الذي قام على أكتافه إنشاء الكيان الصهيوني، وكان أول رئيس وزراء له والشخصية الأولى فيه حتى نحو 1963) قال له سنة 1956 إن الدولة اليهودية ستستمر في العشر أو الخمس عشر سنة القادمة ولكن احتمالات وجودها بعد ذلك هي 50%. وعلى هذا فإن الجانب الصهيوني بحاجة ماسة إلى تسوية تضمن بقاءه. وأفضل وقت يمكن عقد تسوية فيه هو هذا الوقت الذي اجتمعت فيه خمسة عناصر قلما تجتمع في ظرف تاريخي واحد وهي:
1. قوة الكيان الصهيوني بحيث يستطيع هزيمة البلاد العربية مجتمعة.
2. قوة النفوذ اليهودي الصهيوني الدولي، وبلوغه درجة كبرى من العلو في الأرض، تمكنه من الضغط والتأثير على القرار السياسي في الولايات المتحدة ومعظم الدول الكبرى.
3. وقوف الدولة الأقوى في العالم "الولايات المتحدة" مع الكيان الصهيوني، وتحالفها الاستراتيجي معه. وخضوع العالم حالياً لوضع "أحادي القطبية" بقيادة الولايات المتحدة وحدها.
4. حالة ضعف وعجز وانهزام عربي وإسلامي عام.
5. إن م.ت.ف وهي الطرف الذي يمثل الفلسطينيين قد دخلت بقوة في مشروع التسوية، وقبلت بالاعتراف بالكيان الصهيوني، وحقه في العيش ضمن حدود آمنة على 77% من أرض فلسطين التاريخية.

لكن الصهاينة ينقسمون إلى مدرستين تجاه التسوية السلمية، وشكل تحقيقها:
المدرسة الأولى: مدرسة حزب العمل ومن يدور في فلكه، وهو الحزب الذي قام على عاتقه إنشاء الكيان الصهيوني وقيادته حتى سنة 1977 (ثم تداول القيادة مع الليكود). وهي مدرسةٌ تركز على الحفاظ على الطابع اليهودي للكيان الإسرائيلي، وتسعى بشكل أكبر إلى التحول إلى كيان طبيعي في المنطقة. هي بالتالي لا تضع في هذه المرحلة عملية التوسع الجغرافي على رأس أولوياتها، لأنها تدرك أن ضم أراضي جديدة يسكن عليها ملايين العرب، في الوقت الذي نضبت فيه ينابيع الهجرة اليهودية ... سيؤدي إلى فقدان الكيان هويته اليهودية، كما سيشغله بمصاعب أمنية واقتصادية كبيرة، ولذلك تسعى هذه المدرسة لتحقيق مخططها الصهيوني في هذه المرحلة من خلال الهيمنة الاقتصادية على المنطقة، وتحولها إلى كيان طبيعي من خلال إيجاد أوضاع سياسية وثقافية وإعلامية وأمنية تخدم مثل ذلك التصور. والمنظِّر الرئيسي له الآن هو شمعون بيريز الذي طرح أفكاره من خلال كتابه "شرق أوسط جديد".

المدرسة الثانية: مدرسة حزب الليكود، وهو الحزب الذي يتداول السلطة مع حزب العمل منذ 1977 (بيغن - شامير - نتنياهو - شارون ..). وهي مدرسة تمجِّد استخدام القوة، وتؤكد على فكرة الحدود التاريخية للكيان الإسرائيلي. وكان مؤسس الحزب ورئيسه بيغن يقول "أنا أقاتل، إذن أنا موجود"، وهو وحزبه يَعدَّان الأردن أرضاً إسرائيلية محتلة. ومع ذلك فإن هذه المدرسة مستعدة للتعاطي مع العمل السياسي وفق ما يخدم المصلحة الإسرائيلية تكتيكياً. لكن هذه المدرسة لا تثق بأن العرب والمسلمين سيتحولون يوماً ما إلى أصدقاء، وهي ليست مطمئنة إلى فكرة التحول إلى كيان طبيعي، وإن كانت ترغب بذلك. كما أنها لا ترى في ظلِّ الأوضاع وموازين القوى التي تمثل إلى صالحها بشكل صارخ ما يجبرها على تقديم تنازلات للفلسطينيين والعرب. وترى أن الأفضل هو العمل الحثيث على استجلاب مزيد من اليهود وتهويد للضفة والقطاع، وبناء حقائق على الأرض يستحيل التنازل عنها، وخلال ذلك الزمن إما أن يستجيب العرب والفلسطينيون للتصور الليكودي للتسوية (حكم ذاتي على السكان وليس على الأرض)، أو أن يكون قد تم تهويد الأرض. كما يأمل بعض المحسوبين على هذه المدرسة بتحقيق تهجير طوعي أو قسري للفلسطينيين من الأرض المحتلة سنة 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة ... وبذلك "يحلّون المشكلة من جذورها" ويجيبون على مسألة تحدي بقاء الدولة اليهودية.

وعلى ذلك، فإن إشكالية التسوية عند الصهاينة مرتبطة بعملية المزاوجة بين مثلث:
1. الحفاظ على الأمن.
2. والحفاظ على الأرض.
3. والحفاظ على الهوية اليهودية للدولة.

وقد تختلف أضلاع المثلث وزواياه عند جهة دون أخرى بناء على ترتيب الأولويات أو تحليل الأمور. لكن هناك قواسم مشتركة بين كافة الأطراف الصهيونية من أقصى يمينها إلى أقصى شمالها:
1. لا تنازل عن الأرض المحتلة سنة 1948 أي نحو 77% من أرض فلسطين.
2. لا لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأرض المحتلة عام 1948، لأنه يعني عملياً فقدان اليهود للأغلبية السكانية وفقدان المشروع الصهيوني لأساس تكوينه، وهو بناء الدولة اليهودية. (اللاجئون الفلسطينيون الذين ينتمون إلى مدن وقرى وبادية الأرض المحتلة سنة 1948 يقدرون بخمسة ملايين ومائة ألف حالياً، فلو عاد هؤلاء وانضموا إلى إخوانهم المليون و150 ألف فلسطيني لا يزالون يعيشون تحت حكم الكيان الإسرائيلي في أرض الـ1948 لأصبح عددهم أكبر من المجموع الكلي لليهود في فلسطين. إذ يقدر عدد اليهود في فلسطين المحتلة بخمسة ملايين حسب إحصاءات سنة 2000).
3. لا تزال الأغلبية الساحقة لكافة التيارات الصهيونية ترفض التنازل عن السيادة عن القدس الشرقية، وخصوصاً منطقة المسجد الأقصى، باعتبارها "جبل المعبد".
4. توافق كافة الأطراف الصهيونية أن الدولة الفلسطينية إذا ما قامت في الضفة والقطاع فيجب ألا تكون مكتملة السيادة بالمفهوم المتعارف عليه سياسياً ودولياً، كأن تكون منـزوعة من السلاح الثقيل، وأن تضمن الأمن الصهيوني من جهتها.

وأن على العرب والفلسطينيين الذين لا تعجبهم القواسم الصهيونية المشتركة، أن يبحثوا عن حل غير التسوية السلمية. وقد يوافق الصهاينة على عودة رمزية لنسبة ضئيلة من اللاجئين، وقد يوافقون على بعض الترتيبات الحدودية بتبادل بعض الأراضي، بشرط ألا يغير ذلك من جوهر الأوضاع.

وقد انعكست مفاوضات كامب ديفيد (يوليو 2000) وانتفاضة الأقصى (منذ 28 سبتمبر 2000) على مزاج المجتمع الصهيوني تجاه التسوية. إذ ظن "الإسرائيليون" أنهم قدموا أفضل ما لديهم في المفاوضات "دونما فائدة"، وأدت حالة "الإحباط" هذه إلى تزايد الشعور بأن الفلسطينيين لا تنفع معهم سوى لغة القوة. وقوَّت الانتفاضة هذه المشاعر فانزوى ما يسمى بتيار "معسكر السلام" الإسرائيلي، بل وأظهرت الكثير من رموزه عنفاً وتطرفاً وشراسة كبيرة. وتمكن تيار الليكود من الفوز بانتخابات رئاسة الوزراء بأغلبية تاريخية لم يسبق لها مثيل (بفارق 25.7%) وظلت إلى الآن استفتاءات الرأي العام تدفع باتجاه الخيار الأمني، واستخدام وسائل أكثر وحشية وعنفاً.

وما يهمنا الإشارة إليه هنا الآن هو أن التيار المعادي للتسوية السلمية، وفق الحد الأدنى الفلسطيني، بل ووفق الحد الذي طرحه حزب العمل هو تيار واسع قوي يمكن أن يتسبب في إسقاط التسوية أو تعطيلها، وهو ليس تياراً معارضاً بعيداً عن السلطة، وإنما هو تيار يشارك في الحكم بل وينفرد به أحياناً عديدة، كما حدث خلال الخمس وعشرين سنة الماضية. وبالتالي فهو ليس مجرد تيار معارض يمكن قمعه وإسكاته كما يحدث في بلادنا العربية.

إن سلوك المجتمع الصهيوني النفسي العام يتأثر أساساً بقضيتين أو عقدتين اثنتين:
الأولى: الأمن.
والثانية: الوضع الاقتصادي.
ولا شك أن هناك عوامل أخرى تلعب دورها كالجوانب الدينية والتاريخية. لكن عقدتا الأمن والمال هما جزء من التكوين التراثي الديني التاريخي اليهودي نفسه. وقد أشار إلى جانب منهما القرآن الكريم، إذ قال تعالى: "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة يود أحدهم لو يعمَّر ألف سنة ..."، وذكر الله تعالى قول اليهود: "إن الله فقير ونحن أغنياء".

وهاتان القضيتان لهما دورهما الجوهري في صناعة الرأي العام "الإسرائيلي"، وفي صناعة القرار السياسي، وفي سلوك الفرد "الإسرائيلي" العادي. وعادة ما يتعامل المجتمع الصهيوني مع مشروع التسوية حسب ما يمكن أن يوفر له من أمن ومنافع. ولذلك فإنهم عندما تعاملوا مع السلطة الفلسطينية كان كل شيء مرهوناً بما يمكن أن توفر لهم السلطة من أمن من خلال تولي مهمة قمع المعارضة الفلسطينية ومنعها من مواصلة الكفاح. ولم يتعاملوا معها بروح الشريك السياسي المكافئ، بقدر ما أرادوا التعامل معها كوكيل يتولى تنفيذ "المهام القذرة" بالنيابة معها. ولذلك عندما اندلعت الانتفاضة ارتفعت الأصوات بوجوب تغيير ياسر عرفات واستبداله، وكأنما هو موظف لديهم، وليس باعتباره شخصاً آخر يمثل شعباً آخر.

إن فكرة المشروع الصهيوني نفسه قائمة على إقناع اليهود بتوفير الأمن لهم والذي فقدوه بسبب ظهور المشكلة اليهودية في شرق أوربا، وتداعيات اضطهاد الزعيم الألماني هتلر لهم. ولأن "رأس المال جبان" فإن المشاكل الأمنية تؤدي عادة إلى أزمات اقتصادية، وهروب المال وأصحابه طلباً للسلامة. وهذا يُفسر جانباً من الهجرة اليهودية المعاكسة إلى أوربا وأمريكا بأعداد ضخمة إثر اندلاع انتفاضة الأقصى.
وعلى ذلك فإن السلوك "الإسرائيلي" يتجه عادة إلى التشدد والتصلب والقسوة في أثناء الأزمات في سبيل المحافظة على الأمن. لكنه لا يستطيع تحمُّل مشاكل وتحديات أمنية حقيقية ودائمة. وهذا ما يفسر قسوته في الرد لمحاولة حسم الأمور بسرعة. لكن المقاومة إذا صبرت وصمدت واستمرت في ضربها الموجع بحيث جعلت التكاليف "الإسرائيلية" أعلى من المكاسب، فإنه سيرتد ليحاول أن يجد الأمن في التسوية أو الانسحاب بعد أن فشل في إيجاده عبر آلة الحرب. وطبيعة المجتمع الصهيوني لا تميل إلى التضحية والموت في سبيل المبادئ، ولا تتحمل الخسائر البشرية كثيراً. ونقطة الضعف هذه لديهم، هي نقطة القوة لدى المسلمين. وهي التي أدت في النهاية إلى انسحاب الكيان الصهيوني من جنوب لبنان دون قيد أو شرط.

وبشكل عام، فمن المتوقع أن يستمر "المجتمع الإسرائيلي" على تشدده وأن تستمر السياسيات الحكومية "الإسرائيلية" على تصلبها وفظاظتها، طالما لا تزال موازين القوى تميل إلى صالحها، وطالما لم تفقد أملها في سحق الانتفاضة. ولذلك فإن قدرة الانتفاضة على الاستمرار ستؤدي إلى سقوط شارون وسقوط الخيار الأمني الإسرائيلي. لكن القيادة السياسية الفلسطينية والعربية - على الأغلب - لن تستثمر ذلك باتجاه مشروع تحرير، وإنما باتجاه تسريع مشروع التسوية نفسه وفق ظروف أفضل بالنسبة لها.

انعكاسات مشروع التسوية على المنطقة
حقق المشروع الصهيوني نجاحاً كبيراً عندما عقد اتفاقية التسوية مع مصر أكبر وأقوى البلاد العربية، حيث تمكن من تحييدها وعزلها لسنوات عن محيطها العربي، مما هيأ له فرصة الاستفراد بشكل أفضل في تنفيذ مشروعه في المنطقة، فتضاعفت وتيرة الاستيطان والتهويد في الضفة والقطاع، وتم ضرب البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في لبنان. في الوقت الذي نحَّى فيه العرب جانباً الخيار العسكري مع خروج مصر من المعركة.

على أن توقيع قيادة م.ت.ف على اتفاقات أوسلو (1993)، وتوقيع الأردن على اتفاقات وادي عربة (1994) قد أدخل المنطقة في أوضاع جديدة. وبدا أن الكيان الصهيوني أخذ بالتحول إلى كيان طبيعي في المنطقة ... بينما أخذت تتصاعد وتيرة التطبيع وفتح العلاقات العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني. ولولا أن المقاومة الفلسطينية قد استمرت تحت قيادة حماس والجهاد الإسلامي والمعارضة الفلسطينية، ولولا أن الصهاينة قد استمروا في عنجهيتهم وإرهابهم وتسويفهم، ولولا أن انتفاضة الأقصى قد تفجرت، ولولا أن الشعوب العربية والإسلامية لا تزال ترفض بقوة التعامل مع الكيان اليهودي - الصهيوني … لولا ذلك لربما سار التطبيع مسيرة كبيرة.

إنه إن قُدِّر لهذا المشروع النجاح وفق التصور "الإسرائيلي" - الأمريكي فإنه سيكون له انعكاسات خطيرة على المنطقة العربية والإسلامية، وبسبب المساحة الضيقة للكتابة في هذه الدراسة فإننا نحيل القارئ الكريم لبعض الدراسات المتخصصة، مثل كتاب التطبيع لغسان حمدان، وغيره كما يظهر في الهامش[73]، ونظهر هنا أبرز الآثار:

فمن الآثار السياسية للتسوية:
- تسويق الكيان الصهيوني ككيان طبيعي في المنطقة، له حق العيش ضمن حدود آمنة، أي حصول الكيان على "شرعية" فلسطينية - عربية.
- تكريس حالة التجزئة والقطرية والضعف في العالم العربي، وهي حالة لا يمكن أن يستمر الكيان الصهيوني بدونها.
- إسقاط قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين كقرار تقسيم فلسطين، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرض 1948.
- زيادة التوتر داخل الصف الفلسطيني، حيث توجد معارضة قوية واسعة للتسوية.
- قمع كافة الحركات الإسلامية والوطنية المعارضة للتسوية في البلاد العربية، وقطع الطريق عليها للوصول إلى الحكم وفق الطرق الدستورية.
- وهذا، سيؤدي تراجع مسار "الديموقراطية" والحريات في العالم العربي، مما سيحدث حالة احتقان وأزمات داخلية كبيرة.
- هناك مخاوف كبيرة حقيقية من أن تمارس "إسرائيل" دور شرطي المنطقة الذي يحمل عصاه الغليظة لكل من يخرج عن "الطاعة".
- هناك احتمالات كبيرة أن تستمر البلاد العربية تدور في فلك التبعية للقرار السياسي "الإسرائيلي" - الأمريكي - الغربي.
- توفير ظروف أفضل للهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة حيث الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي.
وفي الجانب الاقتصادي:
- سيستفيد الكيان الصهيوني من القدرات المالية الهائلة والإمكانات الاقتصادية التي لديه في محاولة السيطرة على اقتصاديات المنطقة.
- ستنتهي المقاطعة الاقتصادية العربية - الإسلامية للكيان الصهيوني التي كلفته عشرات المليارات من الدولارات.
- ستوفر أجواء التسوية فرص نمو اقتصادي أفضل للكيان "الإسرائيلي" وهذا ما حدث فعلاً خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين إذ قفز الناتج القومي "الإسرائيلي" من 15.3 مليار دولار أمريكي سنة 1983 إلى 105.4 مليار سنة 1999، وارتفع دخل الفرد "الإسرائيلي" إلى 18.300 دولار أمريكي ليشكل أحد أعلى الدخول في العالم.
- سيقوم الكيان الصهيوني بالاستثمار الاقتصادي في المنطقة حيث هناك عمالة أرخص، وشركات غير قادرة على المنافسة، مما يفتح المجال إلى مزيد من الأرباح. وسيكون أقدر على الإضرار بالاقتصاد المحلي لأي دولة عن طريق ضرب الأسعار أو السحب المفاجئ للأموال أو طرد العمال وغير ذلك. وهناك أخبار كثيرة عن نتائج سلبية ومأساوية أحياناً للتعاون الاقتصادي مع الكيان الصهيوني، فقد تحدثت تقارير عديدة عن دمار في محاصيل القمح والقطن المصرية باسم استخدام بذور مستوردة من الكيان الإسرائيلي كما حدث دمار مماثل في محاصيل الطماطم في المغرب للسبب نفسه.

وفي الجانب العسكري والأمني:
- تعمل الدول العربية - وعملت - على منع استخدام أراضيها كقواعد للعمل الفدائي، ومنع أي عمليات فدائية عبرها، وعلى حماية الحدود "الإسرائيلية" من جهتها.
- تحقيق الهيمنة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة، ومنع الدول العربية من تطوير قدراتها العسكرية.
- تسهيل النشاط التجسسي "الإسرائيلي" في البلاد العربية تحت غطاء السفارات والسياحة والوفود وغيرها.

وفي الجانب الثقافي:
- إعادة النظر في مناهج التدريس، وحذف الآيات والأحاديث والمواد الدراسية المعادية لليهود والكيان الإسرائيلي (وقد حدثت العديد من المراجعات فعلاً).
- منع المواد الإعلامية والثقافية التحريضية وخطب الجمعة الموجهة ضد اليهود والكيان الصهيوني.
- استخدام وسائل الإعلام والثقافة لتقديم صورة إيجابية عن اليهود والكيان الصهيوني.
- التوقف عن تدريس قضية فلسطين، وعدم الإشارة إلى فلسطين بحدودها التاريخية. وتقديم "إسرائيل" بدلاً عنها ككيان جغرافي مجاور.
- إلغاء روح الجهاد، وإضعاف روح المقاومة والتضحية واعتبارها إرهاباً.
- فتح المجال للمواد الثقافية اليهودية والرؤى الصهيونية لغزو عقول العرب والمسلمين.
وفي الجانب الاجتماعي:
- استجلاب الكتب والدوريات والبرامج والأفلام الإسرائيلية الصهيونية التي تحمل في جنباتها الكثير من الفساد والتحريض على الرذيلة.
- ظهرت الكثير من الدلائل على قيام المخابرات "الإسرائيلية" بتعمد ترويج المخدرات في مصر وغيرها.
- ظهرت العديد من الدلائل على تعمد الصهاينة إرسال شبكات فساد إسرائيلية من العاهرات وبائعات الهوى بقصد إفساد القيم في المجتمع المصري والأردني (اللذين وقعا معاهدتا سلام). كما كشفت حالات تعمد نشر مرض الإيدز، حيث اعترفت عدد من الفتيات اليهوديات بتجنيد الموساد لهن بعد إصابتهن بالإيدز، حيث تم إقناعهن بالذهاب إلى الأندية الليلية ونشر الإيدز باعتباره خدمة قومية للكيان الإسرائيلي، وقد نشرت مجلة المجلة السعودية تحقيقاً عن هذا الموضوع.
- تشجيع وتمويل الرحلات واللقاءات الشبابية المختلطة بين الجنسين من عرب ويهود، نشراً للفساد، وتجنيداً للشباب في "الموساد" الإسرائيلي.
الحكم الشرعي للتسوية السلمية
مع الكيان "الإسرائيلي"
تؤكد معظم فتاوى العلماء المسلمين الموثوقين على حرمة التسوية السياسية مع الكيان الإسرائيلي، وقد كان هناك حالة إجماع على إصدار مثل هذه الفتاوى من العلماء المسلمين المشهورين سواء كانوا رسميين أو غيرهم، وقد استمر ذلك حتى سنة 1977 عندما قام السادات بزيارة إلى الكيان الإسرائيلي حيث صدرت بعض الفتاوى الرسمية من بعض المؤسسات المصرية لدعم موقفه في ضوء المعارضة الشعبية الواسعة في معظم أرجاء العالم الإسلامي. وبشكل عام لجأت الأنظمة لتبرير مواقفها السياسية لتحصيل فتاوى من علماء موظفين لديها. غير أن التيار العام لعلماء المسلمين غير المرتبط بالخوف على الوظيفة والمصلحة استمر في تأكيد تحريم التسوية السلمية إلى وقتنا هذا.
وقد صدرت مئات الفتاوى بهذا الصدد منذ قرار الأمم المتحدة إنشاء الكيان الإسرائيلي. وتحمل الفتاوى عادة نفس المضامين الأساسية دونما أي اختلاف جوهري. وأبرز هذه المضامين:
1. إن فلسطين أرض عربية إسلامية.
2. فلسطين ملك لأجيال المسلمين، وليس لأحد حق التنازل عنها كائناً من كان.
3. الجهاد هو طريق التحرير.
4. اليهود الصهاينة معتدون غاصبون، ولا يجوز إقرار الغاصب على ما اغتصبه.
5. ضرورة إعادة القضية إلى هويتها الإسلامية، وتعبئة طاقات الأمة باتجاهها.

ومن نماذج الفتاوى، الفتوى التي أصدرها علماء الأزهر إثر قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947 والتي جاء فيها "إن قرار هيئة الأمم المتحدة قرار من هيئة لا تملكه، وهو قرار باطل جائر ليس له نصيب من الحق ولا العدالة، ففلسطين ملك العرب والمسلمين ... وليس لأحد كائناً من كان أن ينازعهم فيها أو يمزقها ... اعلموا أن الجهاد قد أصبح فرض عين على كل قادر بنفسه أو ماله، وأن من يتخلف عن هذا الواجب فقد باء بغضب من الله وإثم عظيم"[74].

وفي عام يناير 1956 أصدرت لجنة الفتوى في الأزهر فتوى تقول إن "الصلح مع إسرائيل - كما يريده الداعون إليه - لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على عدوانه" وأضافت إن على المسلمين "أن يتعاونوا جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها ...، وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى على الجهاد في هذا السبيل ... ومن قصَّر في ذلك أو فرَّط فيه أو خَذَّل المسلمين عنه أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العرب والإسلام ... فهو - في حكم الإسلام - مفارق جماعة المسلمين ومقترف أعظم الآثام"[75].
وجاء في فتوى شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية الشيخ حسن مأمون "إن ما فعله اليهود في فلسطين هو اعتداء على بلد إسلامي يتعين على أهله أن يردوا هذا الاعتداء بالقوة حتى يُجلوهم عن بلدهم، ويعيدوها إلى حظيرة البلاد الإسلامية وهو فرض عين على كلٍّ منهم، وليس فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين. ولما كانت البلاد الإسلامية تعتبر كلها داراً لكل مسلم فإن فرضية الجهاد في حالة الاعتداء تكون واقعة على أهلها أولاً، وعلى غيرهم من المسلمين المقيمين في بلاد إسلامية أخرى ثانياً، لأنهم وإن لم يُعتد على بلادهم مباشرة إلا أن الاعتداء قد وقع عليهم بالاعتداء على بلد إسلامي هو جزء من البلاد الإسلامية.
... الصلح إذا كان على أساس ردِّ الجزء الذي اعتُدي عليه إلى أهله كان صلحاً جائزاً، وإن كان على إقرار الاعتداء وتثبيته فإنه يكون صلحاً باطلاً، لأنه إقرار لاعتداء باطل، وما يترتب على الباطل يكون باطلاً مثله"[76].

وفي فبراير 1968 أصدر العلماء المشاركون في المؤتمر الإسلامي الدولي في باكستان فتوى جاء فيها "أن الصلح مع هؤلاء المحاربين لا يجوز شرعاً، لما فيه من إقرار الغاصب على غصبه، والاعتراف بحقية يده على ما اغتصبه. فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود المعتدين، لأن ذلك يمكنِّهم من البقاء كدولة في هذه البلاد الإسلامية المقدسة. بل يجب على المسلمين أن يبذلوا قصارى جهودهم لتحرير هذه البلاد"[77].
وأعد د. محمد عثمان شبير دراسة حول هذا الموضوع بعنوان "حكم الصلح مع اليهود" سنة 1983، ثم اختصرها على شكل فتوى في أكتوبر 1989 جاء فيها:
"أما بعد ... فإن الصلح مع اليهود اليوم لا يجوز شرعاً لعدم توفر أي شرط من شروط عقد الصلح فيه. فقد وضع علماؤنا الأماجد شروطاً ينبغي أن تتوفر في عقد الصلح مع المحاربين من غير المسلمين ومن هذه الشروط:
الشرط الأول: أن يتولى عقد الصلح إمام المسلمين أو نائبه، فإن لم يكن فأهل الحل والعقد، ممن تنطبق عليهم المواصفات الشرعية، وإلا اعتبر العقد غير صحيح عند جمهور الفقهاء. وينبغي على إمام المسلمين ألا ينفرد بمثل هذا القرار الخطير، وإنما يجب عليه مراجعة العلماء العاملين الذين نذروا حياتهم لله تعالى ولمصلحة الأمة، وأي قرار يصدر على غير هذه الصفة فلا يصح.
والملاحظ اليوم أن قرار الصلح مع اليهود يتخذ في غياب العلماء المخلصين الحريصين على مصلحة الأمة، فلا يتحقق هذا الشرط في الصلح مع اليهود اليوم.

الشرط الثاني: أن يتحقق من الصلح مصلحة حقيقية راجحة: كتقوية المسلمين والاستعداد لجولة قادمة.
وبتطبيق هذا الشرط على الصلح مع اليهود اليوم، نجد أنه لن يحقق للعرب والمسلمين مصلحة راجحة، وتكون المكاسب الكبرى في هذا الصلح لصالح اليهود، إذ سيحصلون بموجبه على الاعتراف الدولي الكامل بهم، وهذا بالتالي سيؤدي إلى التغلغل الاقتصادي الصهيوني في المنطقة العربية والإسلامية، ونشر الفساد والانحلال في صفوف شباب الأمة، والقيام بدور الشرطي لضرب أي تحرك عربي وإسلامي صادق، وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة.
أما المصلحة التي سيجنيها الشعب الفلسطيني من وراء هذا الصلح فهي إقامة دولة هزيلة على جزء يسير من أرض فلسطين. فهذه المصلحة تتضاءل أمام المصالح التي يحققها الأعداء من وراء الصلح، فلا يتحقق هذا الشرط في الصلح مع اليهود اليوم.

الشرط الثالث: أن يخلو عقد الصلح من الشروط الفاسدة، ومثَّل الفقهاء لذلك باقتطاع جزء من دار الإسلام، وإظهار الخمور والخنازير في دار الإسلام.
وبتطبيق هذا الشرط على الصلح مع اليهود نجد أنه لا يتحقق فيه، لأن الصلح يقوم على مبدأ "مقايضة الأرض بالسلام" أي لا يمكن أن يتحقق الصلح بدون اقتطاع اليهود للجزء الأكبر من فلسطين. ومن جهة ثانية فإن الصلح سيؤدي إلى اختراق اليهود للمنطقة العربية والإسلامية لنهب ثرواتها، وإفساد شبابها، والقضاء على قوتها العسكرية والمعنوية. فلا يتحقق هذا الشرط في الصلح مع اليهود اليوم.

الشرط الرابع: أن يكون عقد الصلح مقدراً بمدة معينة، فلا يصح الصلح المؤبد، وبخاصة مع الغاصبين المعتدين على الأعراض والأديان والمقدسات.
وبتطبيق هذا الشرط على الصلح مع اليهود اليوم نجد أنهم يريدونه صلحاً دائماً، يتنازل بموجبه المسلمون عن جزء كبير من الأرض المباركة، ولا يجوز لهم أن يطالبوا بذلك الجزء المقطوع فيما بعد. ولضمان ذلك لا بد أن تكون تلك الدولة التي يسعى إليها رموز الفلسطينيين في الخارج منـزوعة السلاح أو مرتبطة في اتحاد كونفدرالي مع الأردن بحيث، لا تقوم لها قائمة في يوم من الأيام. فلا يتحقق هذا الشرط في الصلح مع اليهود اليوم.

فإذا كانت شروط عقد الصلح غير متوفرة في الصلح مع اليهود اليوم فلا يجوز الصلح شرعاً، ولا بد من أن تكون معاملة المسلمين لليهود قائمة على أساس الجهاد، وأنه الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، ويجب على المسلمين أن ينتبهوا جيداً لمخاطر الوجود اليهودي على الأمة الإسلامية، ويحذروا منها حذراً شديداً، ويخلصوا الأمة من السرطان اليهودي الذي غرس في جسمها، لئلا يستفحل أمره وينتشر خطره"[78].
وعندما قامت م.ت.ف بعقد مجلسها الوطني التاسع عشر في منتصف نوفمبر 1988، واعترفت بالكيان الإسرائيلي وقرار تقسيم فلسطين، ودخلت بشكل حثيث في عملية التسوية السلمية. قام العشرات من كبار علماء المسلمين والشخصيات الإسلامية المرموقة وقادة الحركات الإسلامية بالتوقيع على فتوى في أواخر عام 1989 بشأن الصلح مع اليهود. وجاءت توقيعات هؤلاء العلماء من 19 بلداً (مصر، وفلسطين، والأردن، وسوريا، ولبنان، والعراق، والكويت، وعُمان، وتركيا، والهند، وأفغانستان، وماليزيا، وباكستان، والجزائر، والمغرب، والسودان، وتونس، وجزر القمر، وغينيا) وشارك في التوقيع الشيخ يوسف القرضاوي ومحمد الغزالي وغيرهما ... وكانت هذه التواقيع هي ما أمكن جمعه على عجل، دونما حملة منسقة مستمرة ... وقد جاء في الفتوى:

"ونحن نعلن بما أخذ الله علينا من عهد وميثاق في بيان الحق، أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين. وليس لشخص أو جهة أن تُقر اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أي جزء منها أو تعترف لهم بأي حقٍّ فيها.
إن هذا الاعتراف خيانة لله والرسول وللأمانة التي وكل إلى المسلمين المحافظة عليها ... إننا نوقن بأن فلسطين أرض إسلامية، وستبقى إسلامية، وسيحررها أبطال الإسلام من دنس اليهود كما حررها الفاتح صلاح الدين من دنس الصليبيين. ولتعلمنّ نبأه بعد حين ..."[79].
وعندما وقعت قيادة م.ت.ف اتفاقات أوسلو في سبتمبر 1993 تتالت الفتاوى من علماء المسلمين في معظم بلدان العالم الإسلامي والمهجر بعدم جواز عقد الصلح مع الكيان الصهيوني. وكان أبرزها فتوى وقعها معظم العلماء المشار إليهم في الفتوى السابقة مع كثيرين غيرهم. وأصدر علماء فلسطين وعلماء الأردن فتاوى مماثلة.
وقد عكست هذا الفتاوى حقيقة أن التيار السائد بين علماء المسلمين (غير الحكوميين الرسميين أي غير المحسوبين على الأنظمة التي تدعم السلام ...) هو تيار رافض للتسوية، ويعتقد بحرمتها من وجهة النظر الشرعية.

وتكمن أهمية هذه الفتاوى في تأثيرها الشعبي الواسع على جماهير المسلمين في العالم، وفي أنها تمثل قاعدة انطلاق صلبة للتيارات والحركات الإسلامية التي تتبنى الجهاد طريقاً للتحرير. كما أنها تمثل ركيزة هامة للوقوف في وجه التطبيع وإقامة أية علاقة طبيعية مع الكيان الصهيوني. وبذلك فإنهم تسهم في إبقاء وترسيخ حالة العداء، وتوجد حالة من التوتير الذي يجعل الانفجار في وجه العملية السلمية أمراً محتملاً عندما تنضج الظروف الملائمة له.
يتبــــع>>>>>>>
[/align]

توقيع مازن شما
 
بسم الله الرحمن الرحيم

*·~-.¸¸,.-~*من هولندا.. الى فلسطين*·~-.¸¸,.-~*
http://mazenshamma.blogspot.com/

*·~-.¸¸,.-~*مدونة العلوم.. مازن شما*·~-.¸¸,.-~*
http://mazinsshammaa.blogspot.com/

*·~-.¸¸,.-~*موقع البومات صور متنوعة*·~-.¸¸,.-~*
https://picasaweb.google.com/100575870457150654812
أو
https://picasaweb.google.com/1005758...53313387818034
مازن شما غير متصل   رد مع اقتباس