رد: سلسلة جاهلية
جاهلية 2
وكأن الإسلام ما زار هذه الديار ولا حط رحاله هنا .. كأن معالمه اختفت .. تبخرت .. طُمست حروفها على مرِّ الزمان فلم يعد يظهر منها إلا خيالات متكسرة .. مهشمة .. منقوشة على جدران باهتة وملامح من عدم .
تفحصت جيداً طقوس عبادتهم علّني أجد ضالتي المنشودة فيها .. لكنني عبثاً أحاول فما هي إلا حركات معدودة .. وإيماءات مرصودة .. وقلوب
وأفئدة جوفاء تديرها عقول مأجورة .
درت حول نفسي مستنكرة .. حاولت أن أفهم لغتهم .. ماذا يتكلمون .. ماذا يسّبحون .. من يشكرون .. لمن يستغفرون ؟
السلطان .. السلطان هو سيّدهم .. هو إلههم المزعوم على الأرض .. هو قِبلتهم للصلاة وله وحده عبارات شكرهم ودعائهم وإرضاؤه هو همهم الأول والأخير بل همهم الأوحد .
من أين سأبدأ معهم الحوار وكل الطرق إلى عقولهم مغلقة .. كل السبل إلى أفئدتهم متعرجة .. ملتفة بكل ألوان اللف والدوران ؟
كيف أبدأ معهم الحوار ودروبهم ملتوية وأفكارهم متحجرة وكلماتهم حروف مبعثرة في الهواء وقلوبهم كأنها قدت من حطب ؟
كيف السبيل إليهم وأعينهم لا تبصر أبعد من مرمى الحجر .. ولمن أمدَّ يدي وهم تماثيل
نحتت وُشكلت من باطن الصخر ؟
وكأن الإسلام ما زار هذه الديار وما حط رحاله هنا .. وكأن الإسلام ما انبعثت رايته من هنا وما رفرفت وما علت .. وكأن نبيَّ الله ما تلا على أهل هذه الديار ثلاثين جزءاً من السور .
كأنها الجاهلية الأولى بعثت من جديد وامتدت أزمانها حقباً وحقب فانتشرت معالمها على كل الوجوه والصور .. رق في ازدياد وجَوارٍ تملأ جنبات القصر وعبودية للناس .. للطير .. للشجر .. للحجر .
كيف السبيل إليهم وهم في غيّهم وطغيانهم يعمهون ؟
لا سبيل إليهم .. لا سبيل .. فلن يصلح العطار ما أفسده الدهر .
|