عرض مشاركة واحدة
قديم 05 / 07 / 2013, 43 : 01 AM   رقم المشاركة : [13]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]
قصة الراقص في العاصمة

إنها زيارتي الثانية لعاصمتنا الاقتصادية، في الزيارة الأولى لم أتعرف على الدار البيضاء كما يجب، فقد اقتصرت زيارتي على مكتبة "آل سعود" الرائعة بتجهيزاتها الحديثة وضخامة خزانتها، خلفت تلك الزيارة في ذهني صورة جميلة عن الدار البيضاء، لكنها لم تكن كافية.كان الطريق على متن الحافلة طويلا، ثم بدأت العاصمة تلوح في الأفق، وبدأت علاماتها تبرز على جانبي الطريق الوطنية، وبعد أن شرعنا الدخول في مجالها الحضاري، أصبح الجو ممطرا جدا، فأحسست وأنا داخل الحافلة بدفء داخلي جميل عجزت معه عن التقاط قنينة ماء، سقطت بسبب توقف الحافلة في أول إشارة مرور عند مدخل المدينة.بعد أن مررت يدي ماسحا زجاج النافذة من بلل أنفاسي الدافئة، رأيته هناك؟ كان طفلا في العاشرة أو الثانية عشرة من عمره، يلف رأسه بقطعة من البلاستيك يحميه من المطر المتهاطل بشدة، واقفا تحت شجرة كثيفة الأوراق، أغصانها متناسقة النهايات بفعل التشذيب المنتظم، كانت تقيه معظم تلك الأمطار، لكن رغم ذلك فقد أصابه البلل في غالب جسده النحيل الملتصق بجذعها في ارتعاش واضطراب، يضع أنامل يمناه داخل يسراه مشكلا دائرة مزدوجة بين شفتيه، نافخا فيهما أنفاسا تخرج من أعماقه محاولا في يأس شديد منحهما بصيصا من الدفء، لا يزيد لباسه عن قميص بالي الأطراف وسروال ترسبت عليه ألوان وصور من واقع العاصمة، يهز بفعل قسوة الرصيف البارد قدمه اليمنى لترتاح على حساب يسراه ثم يعكس وضعه، فبدا كراقص على الجمر.كان ذالك الطفل شاحب الوجه، كئيبا محياه، لكن عندما وقع بصره على الحافلة الأنيقة التي كنت أتطلع منها، بدأ يلوح بيديه ويرسل قبلات عبر المطر وهو يبتسم، أصابتني بعض الدهشة وأنا أتفحص تعابيره السعيدة، هل يظن نفسه نجما أم يظننا نجوما ! ما زال يلوح حتى انطلقت الحافلة مع انطلاق الإشارة الخضراء.طفل غريب الأطوار !! كيف يضحك وهو يعيش في أشد لحظات الحقيقة مرارة ؟ لماذا يفرح مشرد ويلوح بيديه لمجرد رؤية ركاب في حافلة عصرية أنيقة؟ ربما كان يفكر حينها في أحلامه المقتولة !؟ أو ربما هي سخرية أطفال ببساطة... !بعدما دخلت قلب العاصمة، وتجولت في كثير من أنحائها طيلة أسبوع، وبعد أن تعرضت في أحد أسواقها المرموقة للسرقة والضرب، وبعد أن مكثت في إحدى المستشفيات العمومية لست ساعات من أجل حضور ممرض لترقيع بعض الجراح التي خلفتها مجموعة من مفرزات العاصمة الاقتصادية، وبعيد انطلاق حافلة العودة إلى أقصى الشمال، وبينما أنا جالس في المقعد الأمامي للحافلة ضاما حقيبتي إلى صدري، أتفحص الوجوه القريبة والبعيدة حذرا من مفرزات جديدة. بين كل هذا عادت إلي صورة الطفل الراقص تحت المطر، هناك عند مدخل المدينة حيث رأيته، أراجع صورته في ذهني الحائر لضحكاته، ثم أضحك حتى تبدت الحيرة والريبة على المسافر الجالس بقربي.لقد عرفت الآن أن الطفل كان يضحك علي، لم أكن في نظره سوى مغفل يدخل إلى متاهة الإنسان، لقد عرف الحقيقة منذ البداية، لهذا رأيته سعيدا هناك وهو يلوح بساعديه في المطر.لن أتجول في العاصمة بعد الآن، لكني سأعود في يوم ما، ربما للقاء ذاك الراقص تحت الشجرة في مدخل المدينة !! أو ربما لألتقط له صورة أحتفظ بها تحت اسم "عند مدخل المدينة" أو أكتب قصة بعنوان: "الراقص تحت المطر" أو "رقصة الحقيقة".أو ربما أفضل لعن واقع العاصمة القاسي، وأبكي لحال صديقي الراقص...

***

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]قصة لافتة من ناحية الموضوع الذي تعالجه.. وكذلك من ناحية الأسلوب الفني الذي اختار القاص معالجة هذا الموضع به.. فالموضوع على بساطته، يقدم لنا صورتين متناقضتين للواقع الواحد نفسه، صورة افتراضية تصنعها أحلامنا ورغباتنا لأي واقع قبل أن ندخل فيه ونعايشه مادياً عن كثب، وصورة حقيقية هي تلك التي نخرج بها بعد انتهاء تجربتنا لمعايشة الواقع نفسه.. ولا عجب في أن تبدو الصورتان متناقضتين، تماماً كما ظهرتا في القصة، فتناقضهما بحد ذاته واقعي أيضاً، لكن اللافت في القصة إلى ذلك، صورة ذلك الصبي الراقص تحت المطر الذي نجح القاص في استخدامه حاملاً لرؤيته الافتراضية ثم للنتيجة الواقعية التي خرج بها حين المغادرة.. إنه شخصية تحتمل الكثير من التفسيرات، وإن كنت أتوهم بأن أقربها إلي، أن صاحبها يمثل صورة القدر الساخر من توقعاتنا للمستقبل.. ربما لا تكون كذلك بالنسبة للقاص، ولا لغيري من القراء الذين قد يجدون في هذه الشخصية غير ما وجدت، وهذا رائع بحد ذاته لأنه يعني أن القصة غنية بالدلالات وأن رموزها غنية بالافتراضات والاحتمالات... وختاماً، لا يفوتني أن أشير إلى أن أسلوب القصة، على بساطته، استطاع أن يكون ناقلاً ممتازاً لفكرة القاص، وللكثير من مشاعره. أو هكذا تراءى لي الأمر..
[/align]
[/cell][/table1][/align][/align]
[/cell][/table1][/align]
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس