يوم كان ابي
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/10.gif');background-color:teal;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
قد مضى بنا قطار العمر ، ومضت بمراكبنا السنوات .. ندخل في جيب عام ونحن نخرج من جيب عام آخر ، تكاد تلهث بنا الذاكرة أو ربما نكاد نلهث بها .. وفي كل مرة ، عند منعطف ما ، أتذكر أبي وأنطوي على الأيام الماضية محاولا قدر استطاعتي أن أتنشق من عبيرها ما يعطي هذا العمر شيئا من زاد أتقاسمه وإخوتي على دروب الحياة .. وكثيرا ما أمدّ الرأس من شباك القطار الذي يسير بنا إلى شباك القطار الذي سار بهم ، لأسأله عن شيء يحيرني ، ومن عجيب انه يسرد عليّ الإجابة ، ويضحك من هذا الشاعر الذي تحيره الأسئلة فيدق باب الموتى بيد مرتعشة ليعرف وليتعلم ..
مرة ، وكان ذلك في أيام الطفولة ، قال لي : ماذا تريد أن تكون في المستقبل ؟؟.. أخذت أروي واحكي عن الأمنيات والأحلام والكثير من تلك الخيالات التي يبنيها الطفل الذي لم يعرف الحياة ولم يختبرها .. لم أقل في كل ما حكيت وسردت أنني أريد أن أكون كاتبا أو صحفيا أو شاعرا ، إذ كنت أظن أن الشعراء- خاصة - يهبطون علينا من عوالم أخرى لا نعرفها .. ضحك أبي وقال : ستكون كما قال خالك نور الدين شاعرا مثله .. ضحكت .. ظننت انه يمزح .. وكنت من قبل أظن أن خالي نور الدين الخطيب الشاعر والكاتب والصحفي قال الكلمة هكذا لإرضاء أخته القريبة من قلبه .. إذ كيف لي أن أكون مثله ، وهو الشاعر الذي صار معروفا مشهورا .. أصر أبي : ستكون مثل خالك ، لكن يا ولدي، ما أجمله من طريق وما أصعبه .. هو عالم حلو ساحر أخاذ ، لكنه في الوقت نفسه يحرق العمر ويذيب الروح عذابا ، هذا غير عيشة القلة التي ترافق الشعراء على طول الخط في وطننا العربي ..
لم أفهم شيئا ، كل ما استوعبته وفرحت به أنني سأكون شاعرا كخالي نور الدين الخطيب .. وقبل أن تشب الأيام وتمضي إلى الأمام ، رحل خالي نور الدين شابا صغيرا .. قلت محدثا نفسي : هل هذا يعني أن الشعراء يرحلون باكرا ؟؟..
يومها كان أبي .. احتواني بالجواب المقنع ، فلكل طريقته وخصوصيته بالرحيل .. وربما قال : عليك أن تتابع الطريق الذي انقطع .. قلت : أنا ؟؟.. وأي طريق أستطيع أن أتابعه؟؟.. .. يا والدي خالي كان شاعرا ، جاء من هناك من عالم الحلم والخيال ، ثم عاد .. فكيف أتابع طريقا صعب المسالك متعدد الاتجاهات ، هل من السهل أن تكون شاعرا ؟؟.. ما أسهل أن تكون طبيبا ، مهندسا ، وحتى وزيرا .. لكن الشاعر يحتاج إلى الكثير مما لا نستطيع أن نصنعه بيدينا أو ندرسه في المدارس والجامعات .. !!.. لكن أبي أصرّ على أن ما قاله خالي عني هو الحقيقة المطلقة .. ولم أجادل.. ومن حسن الحظ أنني لم أجادل ، لأنني صحوت على الورقة البيضاء والقلم وأخذت أمضي في الطريق .. وظننت عندها أنه مكتوب على جبين الشاعر ، أنه سيكون شاعرا .. وإلا كيف عرف خالي وأكد أبي ذلك .. يومها كان أبي .. وما زلت أذكر حقيقة لا تغيب مما قاله ، إنه الشعر ، طريق السحر والجمال والروعة والتحليق في عوالم لا حدود لها ، لكنه الطريق الصعب المليء بحرائق لا يعرفها إلا المبدعون ..
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|