الموضوع: الرصيف
عرض مشاركة واحدة
قديم 27 / 06 / 2008, 46 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

الرصيف

[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/10.gif');border:4px ridge green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
وحدها تسير على الرصيف دون ملل أو كلل.. لا أحد يعرف بالتحديد متى بدأت المسير.. تخرج من سلتها قطعة خبز يابسة وتقضمها، ثم تمسح العرق عن جبينها ووجهها بمنديل قديم.. أحياناً كانت تنقل سلتها من يد إلى الأخرى، وترسل آهة تعب.. ثم تمشي وتعدّ الخطوات.. وإذا عصرها الحنين أخذت تغني بصوت شجي، وتمسح دمعة أو أكثر، حين تغيم الأشياء وتغيب.. وباعتقاد راسخ تقسم أن ابنتها زهرة هي الوحيدة التي تستطيع أن تشفيها من مرض القلب الذي يخنق أنفاسها ويعصر الصدر في كثير من الأحيان..
من ينظر إلى ملامح وجهها يظن أنها تجاوزت الثمانين.. مع أنها حين تركت البنت وحيفا كانت في العشرين. لا أحد يستطيع أن يفهم لماذا انتظرت كل هذا الوقت بع الرحيل.. كثيراً ما كانت تتحدث عن زوجها الذي استشهد في عز الشباب هناك.. وعن هذه البنت زهرة التي ضاعت في زحمة اللجوء وهي ما تزال في سنوات عمرها الأولى.. يومها – تروي ذلك كأنه حدث البارحة – بكت وصرخت وأشعلت دروب وطرقات حيفا عويلاً دون فائدة.. كأن الأرض انشقت وابتلعت البنت زهرة، وكان عليها أن تحمل الجرح وترحل. إن تنتقل من مدينة إلى مدينة، ومن بلد إلى بلد.. وبين الحين والحين، تطيِّرُ الرسائل إلى الصليب الأحمر والمسؤولين في كل مكان، وعبر الإذاعات ترسل صوتها حاملاً الرجاء والنداء والسلام.. لكن دون فائدة.
جيرانها في المخيم ظنوا أن طول الانتظار سيجعلها تنسى.. أو تتناسى.. لكنها كانت مسكونة بالحنين الغريب الجارح.. تبكي كلما تحدثوا عن فلسطين، وتبلل منديلها القديم المطرز، بالدموع، وكلما استقبل المخيم شهيداً تختنق بالآهات والزغاريد.. ودون توقف تحكي عن حيفا والبنت زهرة.. تقسم أنها بحثت عنها في كل شبر، وأنها عند العودة ستجدها وتجد أولادها بالانتظار. عندها ستضم كل حفيد إلى صدرها بحب لا يعرف الحدود.
يطول الرصيف ويمتدُّ.. تعصر المنديل بيد مرتعشة وتمسح دمعاً وعرقاً وحيرة وخطوط تعب.. تربط المنديل على طرف السلة ثم تمدّ يدها وتخرج صورة قديمة باهتة اللون إلى حد ما.. تقربها من العينين المتعبتين. ترتسم على الشفتين اليابستين ابتسامة مليئة بالنبض حين يظهر وجه البنت زهرة في الصورة ضاحكاً مرحاً مليئاً بالحياة.. ثم تظهر هي وزوجها في وقفة تكاد تنطق بحبهما الكبير.. تقرب الصورة أكثر. تقف.. تحدق.. العينان المتعبتان تذهبان إلى البعيد.. تعود اللحظة الحلوة بكل ما فيها من حرارة.. يغيب رأس المصور.. تضحك البنت زهرة، تضغط يد الزوج على يدها، يميل رأسها بحنان غريب باحثاً عن كتفه القوي، وما أن يصل إلى هناك ويستقر، حتى تأخذ الصورة شكلها النهائي.. تقربها إلى شفتيها وتغمرها بقبلات دافئة.. وبعد أن تعيدها إلى السلة، تتابع المسير.
عندما وقف بعض الجيران في المخيم محاولين قدر المستطاع منعها، ثارت مثل بركان، كانت قد نوت أن تمضي إلى هناك لتبحث عن البنت زهرة.. لم تخمل سوى سلتها الصغيرة، وإصرارها الغريب على السير في هذا الطريق الطويل.. وما استطاع أحد أن يقف في وجهها عندما أرسلت خطواتها الثابتة.. ودَّعوها وفي العيون أسئلة وحب وقلق.. وبعدها ما عرفوا عنها أي شيء..
تثاقلت خطواتها.. القلب المتعب أخذ يلعب لعبته.. كانت زهرة البنت الحلوة تركض في الشوارع وتطلق ضحكة صافية، صافية.. العينان تدوران بقلق.. تشعر بحاجتها إلى الاتكاء على شيء ما.. الجدران بعيدة.. الأعمدة تظهر وتغيب.. دون وعي منها تمد يداً مرتعشة وتخرج الصورة من السلة.. تحاول أن ترى أي شيء.. تقرِّبُ الصورة.. فجأة تهرب البنت وتركض هنا وهناك.. تصرخ “عودي يا زهرة.. تعالي يا ابنتي..”.. زهرة تضحك.. يدها المرتعشة تفك المنديل، ترفعه لتمسح الضباب والدموع والظلال الغريبة.. يسقط المنديل وقبل أن يلامس الأرض يفرد جناحيه ويطير.. تفرح زهرة وتأخذ بالدوران خلفه..
تتمنى أن تجد شيئاً تتكئ عليه.. تطلق صرختها.. المنديل فراشة حلوة زاهية الألوان.. البنت زهرة تضحك وتركض خلف الفراشة.. القلب حصان أتعبه الركض فأخذ يلهث.. تمد صرختها.. فجأة يضغط زوجها على يدها فتميل قليلاً، قليلاً باحثة عن كتفه، ومعاً يرسلان ضحكة طويلة، والكثير من الدموع..

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس