عرض مشاركة واحدة
قديم 02 / 07 / 2008, 56 : 06 PM   رقم المشاركة : [3]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رد: " القارئ ناقدا " للأديب أ : محمد توفيق الصواف

[align=justify]
"القيد والكلمة"
يومياً تُكتب آلاف الكلمات وتنشـر، ثم يغيب معظمهـا، في غَيَابَة الإهمال والنسيان، حتى قبل أن يقرأها أحد أحياناً.. تغيب في تلك الغيابة الرهيبة، دون أن تصل إلى من يُفترَض أنها كُتبت لهم.... وهكذا تزول، كما تزول ذرات الغبارِ عن سطح أملس، تَعرَّض لعاصفة شديدة مفاجئة. تُهمَل، فتُنسى، فتزول دون أن تترك أثراً في أحد، أي أحد!
لهذا، لا يبقى من طوفان الكلمات التي تُنشر يومياً، سوى القليل القليل الذي يصمد لعواصف الإهمال والنسيان، ليبقى في الوجدان، في الذاكرة، وأقلُّ هذا القليل، ينجح في التحول، إلى محرِّض على الإحساس حيناً، أو محرض على التأمل والتفكير حيناً آخر، ونادراً ما نعثر على كلمات اجتـازت عتبات سطورها إلى أرض الواقع لتصير محرِّضاً على الفعل، ثم لتتمظهر فعلاً إنسانياً محسوساً، يستمر طويلاً، ولا نقول يخلد...
من المؤكد أن تلك القلة من الكلمات القادرة على البقاء والتأثير، لم تكتسب قدرتها هذه لأنها من حروف غريبة أو خاصة، فهي، ولاشك، صيغتْ من ذات الحروف الموجودة في كل الأبجديات، ومن ذات الحروف التي تصاغ بها حتى التفاهات..!!
وإذن، فما السر في بقاء هذه الكلمات وقدرتها على التأثير والفعل؟ هل هو جمال صياغتهـا، أم روعة المضمون الذي تحكيه هذه الصياغة، أم صدق مؤلفها وشفافيته، أم معناها الفذ العميق، أم كل ذلك مجتمعاً في آنٍ معاً، وفي كلٍّ واحد؟ وهل ثمة أي دور، في خلود أي كتابة، لرفعة قدر مؤلفها وسلطانه، أو لقوته، أو ماله؟
لن أحاول الإجابة عن أيٍّ من هذه الأسئلة، لأنني ما طرحتها لأجيب عنها، بل لأجعلها مدخلا إلى الإجابة عن سؤال آخر، أتوهم أن الإجابة عنه تتضمن الإجابة عما سبقه، وهو: كيف تصير الكلمة خالدة ساحرة وفاعلة بتأثيرها الدائم في النفس البشرية، جيلاً بعد جيل؟..
في البدء، كان الكلام حاجة للتواصل بين بني البشر، قبل أن يصير لغواً أو وسيلة تَكَسُّبٍ رخيصة... كانت الكلمة أداة لمعرفة الذات والعالم، ولتغييرهما نحو الأفضل بالنسبة للإنسان.. كانت الكلمة ترجمة للأنا وللآخر، وجسراً بينهما يعبره كلٌّ منهما إلى صاحبه، ليسكن فيه ويهدأ في رحابه..
ولم يبدأ ابتذال الكلمة ودورها العظيم ذاك، إلا بعد أن اخترع الإنسان أول قيد، وقرر أن يصنع ألوهيته السرابية بحديد ذلك القيد ومنه..... عند ذلك دخلت الكلمة تجربة انكفائها الأولى، وصارت مجرد صوت أجوف لا يعبر عن صاحبه، بل عن خوفه من قيود الساعين إلى الألوهية الظالمة، عبر جَلْدِ الناس لمدحهم، وحبسهم أو قتلهم إن خاطبوهم بما لا يرغبون سـماعَه عن أنفسـهم، أو نبهوهم إلى ما يُخجلهم ذكره من أخطائهم..
لكن الفنان الحق، في كل العصور، كان ومايزال، أول عدو للقيد، في التاريخ البشري، وفي الوقت نفسه، أول ضحية من ضحاياه...... ولأنه كذلك، كان يبحث دائماً عن الوسيلة التي يتواصل بها مع الناس ويصل بها إليهم.. ودائماً كان يعثر على وسيلته هذه في الكلمة الصادقة الخارجة من القلب..
لكنْ......
ولأن إنتاج القيود كان أسرع من إنتاج الكلمات، في التاريخ البشري، وأكثر تأثيراً في حياة الناس، على مر العصور، بدأت الكلمة تفقد سحرها وتأثيرها، وتتحول إلى مجرد صوت أو شكل لا قيمة له ولا تأثيرَ أو فعل. ومع ذلك ظل، في كل العصور، فنانون قلائل لا يعبأون بحديد القيود وآلامها، ولا بمن يمتلكون مشيئة وضعها في معاصم الناس وعلى ألسنتهم، وربما على عقولهم أيضاً..
ظل هناك فنانون يصرون على ممارسة الصراخ، من أجل حماية وردة ومهجة وفكرة صحيحة..
وظل هؤلاء القليل من الفنانين، في كل عصر، يبتكرون وسائل إيصال جديدة للكلمة الفاعلة المؤثرة، لإيمانهم بأن ابتكارها هو الجزء الأهم من رسـالتهم في الحياة، وبأن إيصالها هو كل تلك الرسالة..
وبهذا... بهذا فقط... نجحت كلماتهم في أن تصير خالدة وفاعلة ومؤثرة في النفس، جيلاً بعد جيل....

[/align]
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس