عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 09 / 2013, 42 : 03 PM   رقم المشاركة : [1]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

ميرامار لنجيب محفوظ

[align=justify](ميرامار) اسم مقهى بجوار محطة الرمل وسط الإسكندرية، جعله نجيب محفوظ أسفل (بنسيون) ميرامار وبنى عليه روايته.
(والبنسيون pension فندق صغير، والكلمة إيطالية).
ورواية (ميرامار) تتحدث عن أثر الثورة الإشتراكية في مصر، وكيف تنظر مجموعة من الشخصيات - التي تمثل أنماطاً مختلفة من النسيج الإجتماعي - إلى هذا الحدث الهام: تتنافر أفكارهم ومواقفهم من حدث (الثورة)، ويجمعهم أنهم قدموا جميعاً إلى البنسيون بحثاً عن الأمان والدفء والاستقرار، هرباً من ماض آسٍ يلاحقهم .
(فالبنسيون) إطارٌ مكاني للحياة الدنيا على إطلاقها، يلتقى الناس فيه على غيرموعد،ثم يمضى كل منهم إلى سبيله. وهو شاهدٌ حيٌّ على أنَّ الزمن الماضي ليس وهماً أو خيالات صور، فذكرياته الضاربة في التاريخ البعيد دائبة الحضور على الدوام بشكل ما. وبذلك اتسع ذلك الإطار المكاني الضيق وضمَّ تلك النماذج المختلفة المتعارضة المصالح والأفكار، مشكلا عوالم متناقضة، تنام فى غرف متجاورة !
(فعامر وجدي) العجوز أتى إلى البنسيون ليقضي فيه بقية حياته في هدوء، ليجتر ذكريات الأيام المجيدة التي كانت خاتمتها الخيبة والمرارة.
و(زهرة) تأتي هاربة من زواج قهري أرغمت عليه من طرف الجد القاسي المتزمت، باحثة عن عمل شريف في البنسيون يؤمِّنها من الخوف والجوع.
و(طلبة مرزوق) يأتي لاجئاً إلى عشيقته القديمة (ماريانا) العجوز اليونانية صاحبة (البنسيون)، فارًّا من الشعور بالذل والهوان في القاهرة بعد أن صادرت الثورة أمواله ووضعتها تحت الحراسة.
و(حسني علام) - الذي ينتمي إلى نفس طبقة مرزوق - يلجأ إلى (البنسيون) هرباً من طبقته الإرستقراطية ،ومن كل ما يذكره بها: يترك فندق (سيسيل) الفخم الذي ضاق به ويستبدل به (ميرامار)، حاملا معه ذلا من نوع آخر: (رفضه كزوج من قبل إحدى قريباته) : " غير مثقف والمائة فدان في كف عفريت".
(وفندق سيسيل: من أقدم فنادق الإسكندرية وأفخمها. يقع في المسلة غرب/ قسم العطارين، ويطل على الكورنيش وميدان سعد زغلول ومحطة الرمل).
و(منصور باهي) يأتي إلى (البنسيون) متحاشياً ما يمكن أن يتعرض له في القاهرة من اعتقال بسبب انتمائه إلى الشيوعيين، بعد أن رضخ لضغوط أخيه بالتخلي عن طريقه ورفاقه.
و(سرحان البحيري) يلجأ إلى (البنسيون) هرباً من علاقة حب واهية.
وإذا كان البحث عن الأمن والاستقرار هرباً من ماض أسٍ هو النقطة التي تتوحد عندها هذه الشخصيات المتنافرة، فهناك محورٌ آخر تتجاذب نحوه، هي (زهرة):رمز مصر،تلك الفتاة الريفية التي تستثير اهتمام الجميع بشخصيتها القوية، وجمالها،وأنوثتها الناضجة.تركتْ ماضيها ولاذت بالفرار، آخذة معها قيمها وتقاليدها القروية وإيمانها الراسخ بالله، قاصدة الحاضر والمستقبل بغية التقدم الحضاري والعلمي، ناشرة الحب والسعادة على الجميع ولاتتكاسل في خدمتهم، فيميل إليها الجميع كلٌّ على طريقته: يفوز بقلبها (سرحان البحيري) دون (حسني علام) الذي حاول اتخاذها خليلة، ودون (منصور باهي) الذي عرض عليها الزواج في لحظة من لحظات يأسه لتكون ملاذه وخلاصه والبلسم لالتهاباته المزمنة. ودون (محمود أبي العباس) بائع الصحف الذي خطبها ليجعل منها ربة بيت تعيش تحت سلطته، وسمعته يقول : " إن النساء تختلف في الألوان ولكنها تتفق على حقيقة واحدة، فكل امرأة حيوان لطيف بلا عقل ودين، والوسيلة الوحيدة التي تجعل منهن حيوانات أليفة هي الحذاء!" فترفضه .
لكن (سرحان البحيري) يغدر (بزهرة) كما غدر بالثورة التي استفاد من معطياتها،لأنها لا تتسع لطموحاته العريضة وأطماعه اللامحدودة باعتباره برجوازياً صغيراً. فيقيم علاقة مع (علية) مُدرِّّسة (زهرة) طمعاً في الاستفادة من أموالها، لكن الزواج يفشل لمعرفة الأهل بعلاقته (بزهرة) كما تفشل عملية تهريب سيارة لوري غزل من الشركة لبيعها في السوق السوداء ، لطمع السائق أن يفوز بالغنيمة وحده، فيلجأ(سرحان) إلى الانتحار.
وتعلن (زهرة) عن قرارها في الاستمرار على نفس الدرب نحو الكرامة والعمل الشريف، متسلحة بالعلم والأمل والثقة بالنفس .
** ** **
إن (ميرامار) حكاية بسيطة تتعزز بقصص أخرى تلتحم فيما بينها، ملتقية عند الحدث الرئيس ، عن طريق الشخصيات الأربعة : عامر وجدي ـ حسني علام ـ منصور باهي ـ سرحان البحيري.
والراوي من هؤلاء الأربعة يُقدِّم معرفة جزئية عن الحدث الواحد، ولا تكتمل معرفة الحدث، إلا حين يُقدِّم الرواة الآخرون صورته، لأنهم لا يملكون بدورهم إلا جزءاً من هذه المعرفة.
فالحدث الواحد يُقدم عبر مظاهر متعددة. واقتضى اختلاف الشخصيات وتنافرها وتعدد وجهات نظرها، أن يعمد محفوظ إلى هذه الرؤية المتعددة ،كتقنية، تسمح بتقديم الحدث من زوايا نظر متعددة، بسرد نفس المحتوى من وجهة نظر أصحابه،دون أن ينسى توظيف الأماكن والشخصيات من خلال السرد لتكون أكثر إيجابية ودلالة.
وهذا يعني أن الشكل الفني في (ميرامار) لم يكن لعبة شكلية أو تجربة أسلوبية، فالرواية فرضت هذا الشكل القائم على الرؤية المتعددة. وهي أيضاً الرواية الوحيدة في أدب نجيب محفوظ التي ترويها أربع شخصيات رئيسة، تقوم على: تكنيك جديد يجربه نجيب محفوظ لأول مرة في حياته الفنية .
** ** **
ونُشرت (ميرامار) سنة 1967م ، وأخرجها للسينما سنة 1969م كمال الشيخ (1919م- 2004م) الذي عُرف في الخمسينات وأوائل الستينات بأنه هيتشكوك مصر، لاهتمامه بالأفلام البوليسية التي تعتمد على الحبكة الدرامية. من تمثيل: شادية، ويوسف وهبي، ويوسف شعبان، وعماد حمدي.
ولاقى الفيلم اعتراضاً من جهاز الرقابة وقت عرضه لإدانته النماذج الانتهازية والأمراض الاجتماعية كالرشوة والفساد وجرائم السرقة في مصر، رغم أن القصة نُشرت قبل ثلاث سنوات من إنتاجه، ولمَّا شاهده الرئيس جمال عبد الناصر(تولى السلطة عام 1956م حتى وفاته عام 1970م) بنفسه وافق عليه.
وهذا يدلل على أن (السينما) أخطر من (الكتاب) ،وروَّاد السينما أضعاف نسبة قرَّاء الكتاب.
(بلغت نسبة المتعلمين في مصر سنة 2006م حسب تقريرالأمم المتحدة للتنمية البشرية 71.4% ولا يعني هذا أن المتعلم هو قاريء، فنسبة قرَّاء الكتاب 7% والباقون لم يفكروا في القراءة ويرونها هواية مملة) !
وفي رأيي أنَّ انتشار معجبي نجيب محفوظ إنما كان عن طريق تحويل رواياته إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونة، رغم أن الفيلم يُفقد الرواية - بشكل عام- متعة خيال أبعادها، ويُكثف أحداثها.
** ** **
وسنقوم بسرد التفاصيل الخارجية لأشخاص (ميرامار) من كلام محفوظ، من أربعة زوايا من الرؤية:
1 عامر وجدي: رئيس تحرير صحيفة في عهد الملك فاروق، يحال على التقاعد بعد تأميم الصحافة سنة 1961م. يقول: نظرتْ (ماريانا) صاحبة البنسيون إلى يدي التي ذكرتني بيد مومياء في المتحف المصري، يخفي جسده المحنط تحت بدلة سوداء من عهد نوح.
ويصفه حسني علام، وسمَّاه قلاوون الصحافة : هو في الثمانين على أقل تقدير.
نحيل، مع ميل إلى الطول، وذو صحة يُحسد عليها، ووجهه المتجعد الغائر العينين البارز العظام لم يدع للموت شيئأً يلتهمه. جاء متدثراً في روب سميك، فوجدته بشوشاً رغم شيخوخته الكريهة.
صمَّم الرجل على إقناعنا بأنه بطل قديم فصال وجال فحكى على الربابة أساطير مجد لا شاهد عليها إلا ضميره. والواقع أنني لا أحبه، وهيهات أن أوفق إلى خير ما دمتُ أصَبِّح على وجهه.
ويقول عنه منصور باهي: أعظم الحاضرين فتنة وأحقهم بالتفاهم والحب. سحرني أسلوبه الذي بدأ بالسجع وانتهى إلى بساطة نسبية لا تخلو من فخامة وجزالة. وقد سُرَّ باطلاعي على مقالاته سروراً دلَّ على عمق إحساسه بالزوال والنسيان والجحود فأثر ذلك في نفسي تأثيراً حاداً محزناً، وقال لي: احرص في النهاية على أن تؤلف كتاباً وإلا نسيك الناس كما نسوني. لم يبق من الذين لم يدونوا أفكارهم إلا سقراط.
وقال سرحان البحيري: هو أثر قديم اكتشفه منصور باهي. فترة جذابة من تاريخنا الذي لا نكاد نعرف منه شيئاً.
2 حسني علام: شاب تحت الثلاثين بقليل، من أعيان طنطا، يملك مائة فدان لم تمسها الثورة. ( حددت المادة الأولى من دستور 1952م الحد الأقصى للملكية الزراعية بمائتي فدان للفرد) ! ربعة. أبيض اللون. ذو بنيان متين يليق بمصارع.
يصفه منصور باهي: مثير للأعصاب، هكذا يبدو لأول وهلة على الأقل. متغطرس الصمت والتحفظ. غاظني بنيانه المحكم ورأسه الكبير المرتفع وتربعه على كرسيه كأنه حاكم ! أجل حاكم، ولكن بلا ولاية وبلا محتوى. ولعله لا يتبسط في الحديث مع أحد إلا إذا وثق من أنه أتفه منه.وقال: هو جناح من النسر المهيض، لكنه جناح ما زال يرفرف ولا يخلو من قدرة على الطيران.
وقال سرحان البحيري: كلما نظرتُ إلى وجهه القوي الجميل حلمتُ بالليالي الملاح، لكنه مثل الزئبق لا يسهل القبض عليه، يهيم على وجهه طيلة الوقت دافعاً بسيارته في سرعة جنونية ولا يخلو المقعد جنبه من امرأة.
3 منصور باهي: في الخامسة والعشرين.مذيع بمحطة الإسكندرية. وجهه رقيق، وقسماته صغيرة جميلة. فيه شيء من الطفولة وليس الأنوثة. بدا من أول الأمر أنه يعيش في ذاته. عسير الألفة. وقد ينفجر ضاحكاً كأنه شخص آخر.
ويصفه حسني علام: وجه وسيم دقيق ولكنه خلو من الرجولة، وهو أيضاً من الرعاع المصقولين، وفي تحفظه ما يغري بلكمه. أحتقر انطواءه وغروره وأنوثته وما يُحلِّي به نفسه من أدب ظاهري رخيص.
ويقول عنه سرحان البحيري: يبدو ملتصقاً بذاته فوق ما يتصوَّر العقل. إنه تمثال دقيق جيد الصنع، ذو ملامح بريئة لا يحظى بها عادة إلا طفل. وعندما يضحك لقفشاتي يتبدَّى كطفل رائع، فراودني أمل بأنني سأهتدي إلى الدرب الموصل إلى قلبه.
4 سرحان البحيري: في الثلاثين من عمره. وكيل حسابات شركة الإسكندرية للغزل.وجهه أسمر واضح الملامح يشي بأنه فلاح. معتدل القامة في غير امتلاء.
سمرته أميل إلى العمق. له نظرة قوية، وصوته قوي ذو لهجة ريفية خفيفة بطعم متمدن لصقت به كرائحة طعام في إناء لم يحسن غسله. يقول عنه منصور باهي:
في عينيه جاذبية فطرية. وهو ودود رغم صوته المزعج. سرى فينا كالروح بمرح حار لا يفتر. وهو طيب القلب، ومخلص، وطموح بلا ريب.وسمَّاه: رجل المصطبة العتيدة التي لم أنعم بالجلوس عليها.
5 طلبة بك مرزوق: في الستين من العمر أو يزيد قليلا.وكيل وزارة الأوقاف سابقاً، كان يملك ألف فدان،ووُضع تحت الحراسة وجُرِّد من موارده لشبهة تهريب.
تزوجت ابنته من مقاول وهاجرت معه إلى الكويت.يميل إلى القصر والبدانة. منتفخ الشدقين واللُّغد. وله عينان زرقاوان رغم سمرة بشرته. ذو طابع أرستقراطي لا تخطئه العين، ينمُّ عنه صمته المتكبِّر إذا صمت وحركات رأسه ويديه المتزنة المرسومة بدقة إذا تكلم.ابتسم فوه الصغير المطوَّق بشدقيه وقال لعامر وجدي:- أصابتني جلطة كادت تقضي عليَّ.
وغمس الكروسان في الشاي الممزوج باللبن ثم أكل بأناة مَنْ لم يألف الطاقم الجديد
قال عنه حسني علام: إنه الشخص الوحيد الذي أضمر له حباً واحتراماً، وهو يقوم أمام عيني كتمثال أثري لملك قديم دالت دولته وولَّى زمانه، ولكنه يحتفظ بكافة مزاياه.
وقال منصور باهي: راعني ترهله وانكساره وحركات شدقيه وقبوعه فوق مقعده في استسلام ،وتودده إلى الثورة بلا إيمان، كأنه لم يكن من السلالة التي شُيدت قلاعها من اللحم والدماء.
وقال سرحان البحيري: رأيته متدثراً بمعطفه والكوفية مغطياً رأسه بطربوش غامق الحمرة، فدعوته إلى فنجان قهوة، وأيقنت أنه وَهْمٌ مناقضٌ للواقع.
6 ماريانا صاحبة البنسيون: قتلتْ الثورة الأولى سنة 1919م زوجها الأول ، وتزوجت ثانية من ملك البطارخ صاحب قصر الإبراهيمية وأفلس ذات يوم فانتحر.وجرَّدتها الثورة الثانية سنة 1952م من مالها وأهلها.
(والبطارخ: طائفة من الأسماك والحيوانات البحرية مثل قنافذ البحر والجمبري والمحار. والإبراهيمية: غرب كورنيش الإسكندرية، وكان أغلب قاطنيها من الأجانب خاصة من الجالية اليونانية).
فتحتْ البنسيون عام 1925م فترة الأزمة الدستورية في عهد الملك فؤاد (1868م- 1936م).
ويصفها عامر وجدي فيقول: فتحتْ شُرَّاعة الباب عن وجه ماريانا. تغيَّرتِ كثيراً يا عزيزتي ولم تعرفيني في الطرقة المظلمة. أمَّا بشرتها البيضاء الناصعة وشعرها الذهبي فقد توهجا تحت ضوء ينتشر من نافذة بالداخل. طويلة رشيقة، لكن بأعلى الظهر احديداب، والشعر مصبوغ حتماً، واليد المعروقة وتجاعيد زاويتي الفم تشي بالعمر والكبر.هي في الخامسة والستين رغم أن الروعة لم تسحب منها جميع أذيالها.واختلجت العينان الزرقاوان وهي تقول:- أوه..أنت ؟!
ثم قهقهت كنساء الأنفوشي وأطاحت بالوقار بضربة واحدة.
(والأنفوشي: حي الجمرك الشعبي/ منطقة بحري، مركز باعة الأسماك والصيادين في الأسكندرية).
وشكتْ من المصران الغليظ والبروستاتا والضغط، وقالت إنها مهددة دائماً بأزمة كلى. ولمح طاقم أسنانها وهي تلوي بوزها المجعَّد. ولمَّا انبعث من المحطة الإفرنجية موسيقى راقصة، استرخت جفونها كمن تحلم وحرَّكت رأسها في طرب كأيام زمان.وراحت تدلك بشرة وجهها بليمونة.
ولمَّا ذهبتْ إلى زيارة الطبيب ارتدتْ معطفها الأسود والإشارب الكحلي، وعقب عودتها أخذتْ حمَّاماً ساخناً، وجلستْ ملفوفة في برنس أبيض وقد عقصت شعرها المصبوغ غارسة فيه عشرات المشابك المعدنية البيضاء، ورفعت حاجبيها المزججين وقالت:- يجب أن نفرح ونلهو عندما تأتي ليلة رأس السنة.
وذهبتْ يوم رأس السنة مع طلبة مرزووق، فازَّينت كالأيام الخالية. ارتدتْ فستان سهرة كحلي اللون فأضفى على بشرتها نصاعة وبهاء، ومعطفاً أسود من الفرو الأصيل، وانتعلتْ حذاء مذهباً، وتحلت بقرط من الماس وعقد من اللؤلؤ. ارتدَّتْ غانية جذابة نبيلة وتوارت أمارات الكبر تحت قناع المساحيق.ترامقنا هنيهة وهي واقفة وسط المدخل وقفة استعراضية، ثم ضحكتْ بفرح بنت مراهقة.
وقال عنها طلبة مرزوق: لمَّا تجرَّدت من ملابسها تبدَّتْ كمومياء من شمع مذاب،وانتابتها آلام الكلى. لم يبق لها من الأنوثة إلا ألوانها المجرَّدة.
وقال حسني علام ،وهو يرى عروق معصمها النافرة وبشرتها المتكاثفة كقشر السمكة: الطراز الكامل لقوَّادة إفرنجية متقاعدة أو غير متقاعدة كما أرجو. عجوز مضيئة مذهبة.
وقال منصور باهي: وجه عجوز ذو طابع أنيق متعال، رغم الكبر ورغم المهنة.غريبة ومسلية ومرهقة. امرأة عند الزوال. لم أشهدها وهي عروس الصالونات لكن يمكن تخيلها على ضوء الفاتنات والطغاة. يمكن تخيلها. ولكني لم أعرفها إلا وهي خرابة أثرية تتعلق عبثاً بأذيال الحياة. وشعرتُ أنها على استعداد لقبولي بالمجان لو أردتُ. حسنٌ ،العفن يجري مع الهواء ولعله يصدر من ذاتي أنا.
7 زهرة: وجه أسمر لفلاحة من الزيادية، مطوَّقة الرأس والوجه بطرحة سوداء: أصيلة الملامح، مؤثرة جداً بنظرة عينيها المترقبة. تحمل بقجة صغيرة. ولمَّا جلستْ وضعتْ البقجة على حجرها.
(الزيادية: من قرى البحيرة وعاصمتها مدينة دمنهور، تقع غرب الدلتا شمال مصر)
قال عامر وجدي: جعلتُ أنظر إلى تكوينها القوي الرشيق، وملاحتها الفائقة، وشبابها الغض، وأنا في غاية من الارتياح، وجاش صدري بحنان وأبوَّة.
ولمَّا ألبستها ماريانا الملابس بطريقة عصرية، خطرتْ في فستان من الكستور فصِّل على جسمها الرشيق ليُبرز محاسنه، ربما لأول مرة، بعد اختفاء تحت الجلباب الفضفاض المسترسل حتى الكعبين. ومُشط شعرها جيداً بعد أنْ غسل بالجاز. ثم فرق في وسط الدماغ ليجتمع في ضفيرتين انسابتا في امتلاء وراء الأذنين.
(الكستور: ضرب من القماش المصري، خليط من القطن والصوف، كان يوزع على الفقراء والفلاحين إبان عهد الرئيس جمال عبد الناصر).
ولمَّا مرَّتْ بنا في طريقها إلى الخارج، رأيتها مطوَّقة الرأس بإشارب أزرق ابتاعته بنقودها، تخطر في جاكتة المدام الرمادية. فاتنة من فاتنات الأعشاب النديَّة والزهور البرِّيَّة.
ويقول حسني علام: فتحتْ شُرَّاعة الباب عن وجه جميل. أجمل مما يليق بخادمة، أجمل مما يليق بسيدة. يا لها من شابة مليحة، سوف تعشقني من النظرة الأولى.يمكن أن أعتبر جميع النساء حريماً متنقلا لمزاجي، فالبلد مكتظة بالنسوان، لكن البنت مثيرة لغرائزي. خادمة ممتازة لملء فراغ شقتي المستقبلية، سوف تكون زينة أيِّ شقة أستأجرها بالمستقبل خادمة مثل زهرة. بل هي زهرة بالذات،وسترحب بذلك بكل امتنان، وستمارس مهنة ست البيت مع الإعفاء من متاعب الحمل والولادة والتربية ،وستروِّضها حقارة أصلها على تحمُّل نزواتي وغرامياتي
اللامتناهية، مع سابق علمي بأنني سأشبع منها في أسبوع إلا أنه أسبوع ضروري فيما بدا لي.
وقال منصور باهي: كانت تقف مليئة بالثقة كمعدن غير قابل للكسر. ومن نظرة أدركتُ أنها خادمة وأنها جميلة، في سن طالبة جامعية وكان ينبغي أن تكون كذلك.
تمليتها على مهل، وسرعان ما أكبرتُ ملاحتها الريفية الباهرة. وابتسمتْ لي ابتسامة تشرح الصدر.
وقال سرحان البحيري: غريبة كالكلب الضال الأمين في سعيه وراء صاحب.
8 علية محمد آنسة زهرة: فتاة ريفية جميلة. يصفها حسين علام فيقول: وسيمة وأنيقة وموظفة. لا بأس بها. ثمة احديداب خفيف لا يكاد يُلحظ، وفطس بالأنف مقبول بل ومثير. من المؤسف أن فتاة مثلها لا تقبل ليلة حب عابرة وترمي بنظرها البعيد إلى الزواج متخطية دعوة الثورة إلى تحديد النسل.
وقال سرحان البحيري: راقبتها وهي تدرِّس زهرة. وجدتني منساقاً للمقارنة بينهما بتأمُّل وأسى: هنا الفطرة والجمال والفقر والجهل، وهناك الثقافة والأناقة والوظيفة. آه. لو تحل شخصية زهرة في بيئة الأخرى وإمكانياتها. لم تكن بالمثال الذي يمكن أن يفتنني ولا حتى يثيرني، كأنها دعتني إلى نزهة في يوم عطلة شديد الملالة.[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com

التعديل الأخير تم بواسطة د. منذر أبوشعر ; 13 / 09 / 2016 الساعة 25 : 11 PM.
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس