ا
قدمت المخرجة اللبنانية لارا سابا، أول أمس، فيلمها “قصة ثواني” بقاعة ابن زيدون. وقالت المخرجة بعد العرض إن الفيلم قد يكون صادما، لكنها لا تريد أن تقدم “بطاقة بريدية عن لبنان، بل قطعة واقعية من لبنان الذي مازال يعاني من تبعات الحرب الأهلية إلى اليوم”.
عرض الفيلم اللبناني “قصة ثواني” في إطار تظاهرة “المتوسط أرض السينما” التي تنظمها الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، ويعتبر من أحدث الأفلام اللبنانية، حيث تم اختياره لتمثيل لبنان في مسابقة جوائز مهرجان “الأوسكار” السينمائي، وذلك بعد حصوله على عدة جوائز في مهرجان “مالمو” السينمائي بالسويد، وحاز أحد أبطاله، علاء حمود، جائزة أفضل ممثل في المهرجان الدولي للسينما المستقلة في العاصمة البلجيكية بروكسل.
تتمحور أحداث الفيلم حول عدة قصص منفصلة ومترابطة في ذات الوقت، حكاية الفتاة نور التي فقدت أهلها في حادث سيارة، و تغيرت حياتها جذريا، وإنديا التي تمتلك كل ما تحلم به امرأة باستثناء الإنجاب، والصبي مروان الذي يعيش مع أم مدمنة كحول وسيئة السمعة ويهجر البيت بسبب تحرش زبائن أمه به، كلها شخصيات من أوساط اجتماعية مختلفة، لا تلتقي أبدا، لكن أقدارها ومصائرها تتقاطع وتؤدي إلى سلسلة أحداث تتسبب بتغيير جذري في حياتها.
لم تتوقف كاميرا المخرجة اللبنانية لارا سابا عن الحركة مدة ساعة ونصف، صعودا ونزولا، تلامس أعلى طبقات المجتمع اللبناني المخملي، لتنزل بعدها إلى أكثر الطبقات تهميشا وضياعا، في تسارع ملفت، حيث لا رابط قوي بين القصص، مجرد فلاشات عن مجتمع يعيش تداعيات حرب خلقت منه طوائف ومذاهب لكن أيضا طبقات.. لم تكن كاميرا المخرجة رحيمة على المشاهد، إذ قدمت له أكثر الصور سوداوية عن المجتمع اللبناني، حتى في أرقى طبقاته، وبرّرت المخرجة هذا الاختيار بقولها “لا أريد أن أقدم بطاقة بريدية سياحية عن لبنان، لكن أردت فقط أن أقتطع جزءا من الواقع اللبناني لأسلط عليه الأضواء الكاشفة”.. ورغم أن المخرجة لم تقدم لنا صور التفجيرات التي لم تتوقف يوما عن لبنان، حتى بعد انتهاء الحرب اللبنانية، فجّرت بالمقابل المجتمع اللبناني من الداخل، لتنقل عبر شخصيات غير مستقرة وقصص غير مكتملة ومشاهد متقطعة أحيانا بلا منطق، حقيقة المجتمع اللبناني الذي يعاني الانفصام ويمارس في الوقت نفسه فن ومأساة العيش بلا منطق، لا منطق في الحياة اللبنانية تقول لارا، بينما يموت الناس يرقص آخرون، بينما تبحث إنديا عن الإنجاب تمارس أم مروان كل أنواع التعذيب على ابنها.. تقول نبال عرقجي، منتجة وكاتبة سيناريو الفيلم، في أحد حواراتها: “يحكي الفيلم موضوع القدر وكيف تقلب حياة الإنسان فيها في ثوانٍ، لهذا اخترنا له عنوان قصة ثواني”. من البداية، لا تعثر في فيلم لارا سابا على بطل، الكل أبطال، والكل ضحايا من زاوية ما، الكل يدفع الثمن، والكل مشارك في صنع المأساة، ووسط هذه المآسي تتحرك الكاميرا ذهابا وإيابا بين الأحداث والقصص، رغم أن الفيلم يفتقد للترابط، إلا أنه اختيار موفق بالنسبة للمخرجة، في حالة المجتمع اللبناني، حيث لا تترك الكاميرا المتتبع يحس بالارتياح ولا بالاستقرار، تتنقل من مشهد إلى آخر بسرعة كبيرة، كسرعة الحياة في بيروت. حادث مرور يؤثر على شخص وبالمقابل يؤثر على آخر بصفة غير مباشرة وثالث، وهذا هو موضوع الفيلم الذي يمثل صرخة من داخل لبنان الذي يعاني كل الأمراض الاجتماعية، التحرش الجنسي، الدعارة، التحرش بالأطفال، المخدرات، طغيان المال، فكل شيء يشترى، ولا أمل في الخروج من هذه الوضعية، فكاميرا لارا فضلت الهروب إلى نهايات مبهمة، لا حل معها، لا توقعات، كل شيء قابل للانفجار في أي لحظة وكل شيء قابل للتغيير لكن لا تعرف في أي اتجاه.
يومية الخبر الجزائرية ـ 2013/11/12