عرض مشاركة واحدة
قديم 11 / 12 / 2013, 29 : 08 PM   رقم المشاركة : [1]
صفاء الرشيد
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية صفاء الرشيد
 





صفاء الرشيد is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

موكب الراحلين ..بقلمي

بَراّدُ شَايٍ,،زيتون في صحن يتيم وكسرة رغيف على مائدة عشاءها . مدت يدها بتأن كأنها تنتظر تلك الايادي الصغيرة لتسبقها وتتخاطف اللقمة.
كان صراخهم يملأ المكان,ضحكاتهم وحتى صوت بكائهم المزعج كم اشتاقت لهم الان.
تمعنت في صورة تزين جدار غرفتها ,ابتسمت بحنان وامتلأت مقلتاها دموعا .
كيف رحل الجميع عنها،
كيف أصبحت شبحا يعيش بين اطلال الماضي،
تشبه شجرة التين تلك ، امام بيتها ،وحيدة معزولة .
شجرة قطف الزمن ثمارها ، وهاهي أوراق عمرها تساقطت بانتظام ،لتعلن نهاية خريف طويل، ويرحل العمر
ليعيد الزمن عجلته لرقم الصفر.
عاشت بلقب ارملة ؛ وهي لم تتخط الثلاثين من العمر،وعدها انه سيكون رفيق دربها ،لكنه رحل وخذلها .ودفنت معه كل رغباتها و وأحلامها ونسيت من وقتها انها انثى.
أكملت مشوار الحياة ودروبه القاسية وحدها ، تحمل عبء حلم حققاه معا ، ستكمله لوحدها .
فرحا معا في كل ولادة جديدة ، كم سهرا للبحث عن اسم جميل يحمله وليدهم . واليوم هي فقط عليها اعالتهم وتربيتهم، هي الام والأب .
مسحت الابتسامة والدلال والرقة من قاموسها ،خوفا من القيل والقال ،ومن ذئاب تتصيد ضعف امرأة وحيدة. عاشت فقط
لأفواه جياع تملأ معدتهم بإطباق شهية تطبخها . حاكت كنزات من صنع يدها لتدفئهم . سهرت ليالي لمرض احدهم ، عاشت خوفهم وحزنهم وضحكهم و
كل نجاح حققوه ،
تخفي اي دمعة انكسار صادفتها في مطيات الحياة الوعرة ، لا تريده ان يتقلب في قبره ، كما سمعت امها تقول دوما ّّ يعلمون ولا يقدرون ّ
تفانت في خدمتهم ليسعدوا ويحققوا احلامهم.
كبروا ،تزينت و تصنعت الفرح وهي تزفتهم عرسانا وعرائس.
ورحلوا كما رحل هو.
بقيت وحيدة مع الذكرى
الفرق فقط هو اخذته المنية منها وهم اخذ تهم الدنيا الواسعة في دوامتها .
.
تركوا لها فقط في كل ركن ذكرى، ابتسامتهم ؛ ضحكاتهم هناك ،كانوا سعداء هنا .أين سعادتها.
سعادتها دوما هي اسعادهم.
لم تسأل نفسها يوما هل هي فعلا سعيدة.
و رحيل كل يوم ترحل معه لهفة للقاء ويولد الامل في الغد، لتنتظر فقط رنين هاتف
يحمل صوتهم من بعيد ، يشكون همومهم ، صعوبة الحياة ،زحمة الوقت ،كثرة المشاغل ووعد بلقاء قريب. وتشحن هي عزيمتهم لمجابهة الحياة وتغدقهم بدعواتها الكريمة .
لتصنع الفرحة لنفسها تعيد شريط حياتها لحظه لحظة معهم لترسم ابتسامة بائسة في وجه زمن تحداها وكسب رهانه وزين وجهها بخطوطه. تنسى مع كل ذكرى زحمة الرحيل و الانتظار .
وحدتها لم تخترها طوعا يوما بل الوحدة من اختارتها قسرا .حلمها ان يعيشوا معا في بيتها أو ترحل معهم فالمكان لا معنى له بدونهم ، لكنهم رحلوا هم و اختاروا ان تكون لهم حياتهم المستقلة ،وتركوها وينتهي معها كرنفال قوس قزح وتعيش اعيادها الاخيرة بلا لون .
.


حتى احفادها نفروا من عجوز جاهلة
_انت قديمة جدتي ، لن تفهمي شيئا .
اجابوها
كلما استفسرت احدهم عند زيارتهم النادرة لها عن تلك اللوحات التي يحملونها اينما راحوا وارتحلوا و عن سر طقطقات على مفاتيح هواتفهم كأنه تسبيح ناسك لا يتوقف عن الاستغفار ...
موكب الرحيل هذا تركها تستجدي اخبارهم من كل عائد للبلدة .
تفقدت الصورة المبروزة ببرواز من ذهب بين يديها كأن تبحث عن شئ ، مسحت بكمها عليها تظهر تلك الملامح البريئة التي افتقدتها كثيرا .
_ لقد تغيروا كثيرا عن اخر مرة رأتهم فيها، صورهم في ذاكرتها مشوشة.
فركت عيناها ثانية لتمسح تلك الدمعة اليتيمة التي علقت بمقلتيها فحجبت عنها الرؤيا ،؛حرارة تنهيداتها قطعت سكون المكان،

.
حضنت الصورة في شوق كبير ..و قطرات لؤلؤ صافي تسابقت لتشق خديها وتصل ملوحتها فمها. و رفعت سبحتها بلطف ، وأبعدت المائدة عنها كأن بحركتها هاته تبعد الافكار المتزاحمة في رأسها. بدأت تسبيح والاستغفار وهي تقترب من مضجعها وعيناها لم تفارقا الصورة التي وضعتها مكانها لتتصدر حائط الغرفة
...علت ابتسامة مشرقة محياها ورددت الشهادتين بهمس .و اسلمت روحها لبارئها .

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
صفاء الرشيد غير متصل   رد مع اقتباس