عرض مشاركة واحدة
قديم 11 / 07 / 2008, 09 : 10 PM   رقم المشاركة : [8]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رد: " القارئ ناقدا " للأديب أ : محمد توفيق الصواف

قراءة في مجموعة
(الأشرعة)



[align=justify]في مجموعته القصصية (الأشرعة) التي صدرت عام 1997، عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق، يأخذنا الأديب طلعت سقيرق في رحلة نحو عالم من الغرابة، تؤلمنا بقدر ما تفتح لنا نافذة أمل على الآتي، ليضعنا في نهاية كل قصة أمام ذاكرتنا الوطنية وهي تشمخ بدم شهدائنا مصرَّة على أنها لن تمسح الجزء الفلسطيني من خارطتها العربية، مهما قست الظروف وتغيرت.
ولأن ذاكرة الوطن لا تموت
يمكن توصيف (الأشرعة) بأنها (رحيل في اللامتوقع).. إبحار في الاتجاه المعاكس لتيارات الراهن المسكون بالعجز واليأس.. إبحار يتجلى سعياً ملهوفاً في ذاكرة وطن مازال يصر على أنه لم يفقد الذاكرة بعد، وذلك بحثاً عن بيت ضاع ذات يوم، وعن صورة ترسمها أصابع حالم بذلك البيت الذي اندثر إلا من الذاكرة، كما تؤكد قصة (الأشرعة)( ) التي اختار المؤلف عنوانها ليكون عنواناً لمجموعته كلها.....
نعم فالوطن (لا يمكن أن يسقط من تلافيف الذاكرة..)( ) بسهولة، لأن (الأشياء الحبيبة الدافئة تظل تتجول في الذاكرة)( )، كما تخبرنا بذلك قصة (أشياء لا تعرف الرحيل)( ).
وتخبرنا قصص الأشرعة أيضا أن دم الفلسطيني لم يتبخر من ذاكرة الوطن والشعب، بل مازال طرياً ساخناً فيها، وسيبقى، مادام في هذا الوطن من يحمل حجراً ويخرج ليلقيه على جنود الاحتلال، وما استمرت الأمهات الفلسطينيات يزغردن لدى استقبال أبنائهن شهداء. بل إن هذا الدم الذي يتوهم البعض أنه جفَّ من الذاكرة العربية يفاجئنا، كما في قصة (الدم)( )، وقد غادر كينونته الأولى ليصير طوفاناً مروعاً ينزف من جراح فتى من أبطال الانتفاضة غادر جهاز التلفاز ليوقظ فينا، من خلال غرابة التخييل، ذاتنا التي كانت...؛ لينفض عنَّا وَهنَ الراهن وينقذنا من استمرار الغوص في اللافعل واللاجدوى، وحين ييأس يغادرنا ونحن نتخبط عاجزين عن تضميد جراحه النازفة التي هي جراحنا أيضا، ليتركنا مشلولين ذهولاً وحيرة من قدومه المفاجئ ورحيله المفاجئ، ثم ليعود عبر شاشة التلفاز نفسها، أي عبر جسر التخييل الذي بناه المؤلف، إلى أبطال الانتفاضة حيث المستقبل الذي يأمل أن يجد فيه قادرين على مساعدته أكثر منا..
ومن الذاكرة، بوصفها صوتاً دامياً يحاول أن يوقظنا من شللنا الفاجعي، يرسم لنا سقيرق الذاكرةَ جمرةً ما تزال تتقد تحت رماد الراهن المثقل بالعجز الناجم عن ذلك الشلل، كما في القصة الأولى (ذاكرة لا تنام)( ). ففي هذه القصة، وعلى ذات الأجنحة من التخييل الغرائبي تحملنا أشرعة طلعت إلى حيث نرى الفلسطيني يخرج من تحت رماد مأساته التي يلاحقه بها عدوه حتى خارج وطنه ليغتال فرحه ومستقبله، يخرج رافضاً كل محاولات إلغائه مهما بلغت وسائل الإلغاء من وحشية وقسوة. هذا ما تؤكده لنا نهاية القصة، حيث نرى أبطالها يخرجون من الصورة التذكارية التي بقيت سالمة بعد الغارة الإسرائيلية التي اغتالتهم، ليمدوا أيديهم وأصواتهم التي تنفي موتهم، لتنضم إلى أصوات المكان والطائرات والمذياع، ثم ليقبضوا جميعاً على جمرة ذاكرة لا تنام، هي ذاكرة الوطن.
ويشاركهم في القبض على هذه الذاكرة ذلك المسكين الذي فقد ابنته الصغيرة وهو في ذروة حلمه الفرِح بأن يراها ترتدي فستان العيد.. ففي هذه الذاكرة فقط سوف يظل يرى تلك الصورة الفاجعية، الصورة اللاهثة لتلك الفتاة الصغيرة التي حرمتها الطائرات المتوحشة من ارتداء فستانها الجديد وتركتها مطروحة مذبوحة على الرصيف وهي عائدة من مدرستها. سوف يظل يراها من خلف دموعه وهي تتجول أبداً في تلافيف ذاكرته التي لن تنام، طفلة في الحادية عشرة ترتدي فستان العيد، كما تؤكد قصة (الأرجوحة)( ).
ومن الصورة الخارجة من الذاكرة التي لا تنسى، إلى المقبرة التي أرادوا أن تغيب تلك الذاكرة فيها، يمضي بنا المؤلف ليؤكد على لسان الإنسان الفلسطيني في قصة (الدروب)( ) أن (الذاكرة لا تموت)( ).
لقاء الحلم يتجاوز مستحيل الراهن...
وتستمر عملية البحث عن الآخر الذي ضاع، في حركية فعل لا يعرف التوقف، ولا يعترف بالمستحيل رغم محاصرته بالمرض حيناً، وبعبارات التثبيط الساخرة حيناً آخر. لقد ضاعت الطفلة زهرة في زحمة اللجوء من أمها وهي تغادر حيفا قبل نصف قرن، ورغم مرور كل تلك السنين على الفاجعة، فما زالت تلك الأم تبحر على سفن الأمل، مصرة أنها ستلتقي في النهاية بمن أضاعت… لأن التي ضاعت ليست الطفلة زهرة فقط بل الوطن كله. هذا ما تحكيه لنا قصة (الرصيف)( ) التي تغادر بطلتها العجوز المتعبة أرض الواقع في النهاية لتجد من أضاعتها في مساحات الحلم.. ففي تلك المساحات ترى الأم المفجوعة ابنتها الضائعة تغادر صورتها القديمة أيضا لتعود إلى الحياة من جديد، مبشرة بعودة الوطن...
وكما أن المؤلف يرفض توصيف حلم تلك الأم بالجنون، كذلك تأتي قصة (جنون)( ) لتقول لنا إن الرحيل في مساحات الحلم ليس جنوناً ما دام بحثاً عن الحق، وإن استمرار المطالبة بالحق والإصرار على استرجاعه رغم ممانعة معطيات الراهن ليسا دليلين على الجنون... ولهذا لا يمكن أن يوصف بالجنون من لايزال يصيح مؤكداً، كـ (عبد الصمد) بطل القصة (هناك في يافا لنا بيت... من حقنا أن نعود إلى بيتنا..)( ).
وفي (الأشرعة)( ) التي تحمل عنوانها المجموعة، يمتزج الجنون بالحلم بالفعل في النهاية، في حركية غريبة، ترسم مسارها ريشة فنان عاشق لأرض وامرأة وبيت، ظلت تلك المعشوقة تحبه وتحلم بالعودة إليه بعد ضياعه. ولأن الراهن لا يحقق الأمنية الغالية، فقد لجأ الفنان القديم الماهر إلى الريشة لينقل الحلم ويجسده واقعاً. وفي لحظة إبداع حارَّة تمتزج الصورتان في واحدة….. صورة الأرض/البيت وصورة الحبيبة لتتسع ابتسامة الفنان وتزهر وهي ترى إلى صورة أم فدوى تتكامل وتشرق شمساً تخترق تَرَهُّل الراهن وعجزه، ثم تتجاوزه وتلغيه كمسافة زمنية تفصل بين الماضي الذي كان والمستقبل الآتي، وكأن كل ما بينهما من زمن الوجع والفجيعة لم يكن، كما يستشف من نهاية القصة.
الخروج من عطالة الحلم إلـى الفعل النضالي
من طحالب العجز التي نراها تملأ كل مساحة الراهن، كما توحي لنا قصص المجموعة، تنبت أجنحة الأمل على أطراف الصغار لتتحول الأمنية إلى فعل على أرض الواقع. هذا ما تخبرنا به قصة (الأجنحة)( ).. فمن الكتابة على الجدران بالطبشور تنتقل بطلة القصة إلى الفعل المقاوم في مواجهة جنود الاحتلال.. (تداعى أحد الأطفال وسقط.. امتلأ ريش العصافير بالدم.. صرخت.. أغرقت الطبشورة بالدم وكتبت على الجدار "تحيا فلسطين" وقبل أن تفرد أحلامها، صادرها الرصاص وطرحها جثة هامدة على الأرض)( ).
لكن هذه النهاية الفاجعية التي انتهت إليها الخطوة الأولى باتجاه التحول من الحلم إلى الفعل النضالي، لتخطي عجز الراهن واستسلاميته الباردة، لا تثبط عشاق الحرية... فهاهم في قصة (عنفوان)( ) ينجحون في استيلاد البطل الذي يغيِّر اتجاهات الموقف السلبي، ويبدأ رحلة العودة، هذه المرة، على أرض الواقع لا عبر مساحات الحلم، متحدياً جنود الاحتلال وآلة الحرب الرهيبة التي بحوزتهم... ولهذا، يربكهم، يزعجهم ويرعبهم أيضاً... فيبحثون عنه في كل مكان، ولكن دون جدوى... وفي حمى البحث اللامجدي عن ذلك الذي اخترق أسطورة قوتهم الهشة وخرافة عجزه المختلقة، في آن معا، تكبر المفاجأة حين يصير كل شبان المخيم ذلك الذي سموه بـ (الشيطان)... ولهذا، يقررون قتل الجميع فيه وقتله فيهم، للخلاص من الرعب الذي أدخله إلى قلوبهم... فيصفُّون الجميع على الجدار ويقررون إعدامهم.. ولكن مرة أخرى تولد المفاجأة من اللامتوقع فعلاً وزمناً.. (ارتفعت الرشاشات.. توجهت فوهاتها نحو الصدور. ولكن قبل أن ينطلق الرصاص، نبت الفتى الذي حيرهم من أحد الأماكن وأخذ يرميهم بالحجارة.. ثم، وقبل أن تنطلق خطواتهم ورصاصاتهم دفعة واحدة خلفه كان قد اختفى تماماً.)( ).
ومع الانتقال من شلل الراهن إلى الحركة الفاعلة، يحذر المؤلف الجميع من خطر المحايدة.. فلا حياد في زمن الثورات الكبرى، لأن العدو حين يبطش، لا يميز بين محايد وثائر، بل ينظر إلى كل محايد على أنه مشروع ثائر مستقبلي، ولهذا لا يتردد في قتله، كما نستشف من قراءة قصة (الرصاص)( )..
وفي قصة (الانتظار)( )، يأخذ الخروج من الحلم إلى الواقع الجديد مساراً آخر أكثر جدية وفاعلية، فالبطل الفلسطيني يصير الفدائي الذي يعود إلى الوطن مسلحاً بأكثر من الحجر...
أما في قصة (الصورة والظل)( )، فيحاول المؤلف أن يخبرنا بحقيقة هامة وهي أن الاحتلال، بممارساته ضد العرب في الأراضي العربية المحتلة، قد صنع ضده النضالي بنفسه، لأن النقيض يستدعي نقيضه دائماً.
وهذا ما تؤكده قصة (مقاومة)( )، التي نرى البطل الفلسطيني يفلح فيها بتجاوز راهنه المثقل بالعجز، راهنه الكسيح المقعد الذي فرضه عليه الاحتلال عنوة، ليخرج متحركاً على مقعد ذي عجلات، ويشارك في مقاومة قوات الاحتلال... (دفع العجلتين بسرعة مذهلة إلى الأمام.. أصبح الجندي المذهول قريباً منه.. رفع الحجر وقذفه بكل قوته.. ابتعد الجندي، سقط الحجر.... انطلق الرصاص…. امتلأ الجسد بالثقوب والجراح وأخذ المعقد ذو العجلات ينقط دماً... ودماً... ودماً...)( ).
ومثل هذه الحركة، من داخل العجز الراهن إلى الفعل النضالي، باتجاه تجسيد حلم العودة واقعاً، نراها أيضاً في قصة (يوم دافئ)( ).
انتفاضة البطل/الشعب
في قصة (الأرض والحجارة)( )، وهي القصة الأخيرة في مجموعة الأشرعة، حاول المؤلف أن يقول لقارئه إن الفلسطيني استطاع عبر الانتفاضة أن يخرج من قمقم عجزه الذي فُرض عليه، عملاقاً مخيفاً لقوى الشر والظلام، حين نجح في أن يتحدى بحجارة وطنه وحدها آلة الحرب المذهلة التي لدى هذا العدو، وأن يشلها بإرادته التي عبأها في تلك الحجارة. ومن خلال لحمة الشعب الفلسطيني في تلك الانتفاضة، بدا الأمل بولادة فجر الخلاص المأمول قريباً ممكناً. فهذه المرة ليس البطل فرداً واحداً بل المخيم كله، بل الشعب كله. (ارتفعت الحجارة في الفضاء وشقت طريقها نحو الوجوه المقابلة.. تراجع الجنود... زعق الضابط... سار المخيم بكل بيوته وشوارعه وأخذ يلاحق الجنود الذين انسحبوا مذعورين..)( ).
رأي في المضمون
من مجمل العرض السابق لمضمون قصص المجموعة يمكننا أن نقول إن هذه القصص جميعاً تدور حول محور واحد، أو حول فكرة رئيسة واحدة، هي استمرار إصرار الفلسطيني على العودة إلى وطنه، رغم ممانعة الراهن بكل أحداثه وطروحاته والقوى المتحكمة فيه، وهذه العودة تتم في كل قصص المجموعة بإحدى طريقتين:
الطريقة الأولى، تتمثل بمحاولة تجاوز ممانعة الراهن لعودة الفلسطيني إلى وطنه، بتحقيق هذه العودة عبر مساحات الحلم، أما الطريقة الثانية، فتتمثل بمحاولة تجاوز هذه الممانعة عبر الفعل النضالي للبطل الفلسطيني، على أرض الواقع، وليس في أجواز الحلم.. وكأن المؤلف أراد أن يخبرنا أن التطور في تفكير الفلسطيني بالعودة إلى وطنه قد مر بكلتا المرحلتين، وبأن كل طريقة من الطريقتين، آنفتي الذكر، كانت هي المسيطرة على وجدان الشعب الفلسطيني وعقله وفعله أيضاً، في كل مرحلة.. ففي المرحلة التي تلت النكبة، كانت العودة إلى فلسطين تتحقق عبر الحلم، ولكن في المرحلة التالية، صارت العودة إلى فلسطين هدفاً لفعل نضالي يمارسه الفلسطيني فرداً وشعباً، في آن واحد، ويسير نحوه بإصرار لا يعرف المهادنة.. وهذا ما يبدو واضحاً في القصص التي اتخذت من الانتفاضة الفلسطينية محوراً لمضمونها...
إطلالة على البناء الفني
بداية، من الممكن القول إن سقيرق حاول أن يكون مفاجئاً في أسلوب القصِّ الذي اعتمده، بقدر محاولته مفاجأتَنا بمضمون قصصه الذي ما كان له أن يُغادر العادي والمألوف، لولا غرائبية البنية الفنية التي احتوته، الأمر الذي يمكن أن يُبيح القول أنه كان لهذه الغرائبية دوراً بارزاً في شدِّ انتباه القارئ، وفي مساعدته على الولوج إلى عوالم الشخصيات، ومشاركتها آلامها وأحلامها، في عطالتها وفي فعلها...
لكن.. وبقدر ما يمكن أن تثيره فينا غرائبية البنية الفنية من انجذاب ودهشة، فإن تكرار البنية الفنية الواحدة، في عرض مضمون واحد، عبر عدة قصص أحياناً، قد يدفعنا إلى التساؤل، وربما إلى شيء من عدم الرضا... ولعل من أبرز الأمثلة على ظاهرة التكرار هذه، استخدام الصورة الفوتوغرافية كجسر لعبور بطل القصة، أو بطلتها، من عالم الراهن المثقل بالعجز عن الفعل إلى عوالم الحلم المرتجى، حلم العودة.. فقد كرر القاص هذا العبور من الصورة إلى الواقع، أو الرحيل عبرها إلى عوالم الحلم، في أربع قصص على الأقل هي (ذاكرة لا تنام) و(الدم) و(الأرجوحة) و(الرصيف).
من الممكن أن يثير استخدام هذه البنية الأسلوبية، في القصة الأولى، إعجاب القارئ، وهو يتذوق غرائبيتها، لأول مرة، لكن حين يراها تتكرر دون إضافات أحياناً، فقد يشعر بالملل، لأن تكرارها يصبح أشبه بتكرار النغمة الواحدة على أوتار مختلفة، اللهم إلا عزفها في كل مرة على وتر مختلف، وليس هذا بتنويع ولا إبداع، لأن التنويع المبدع يعني عزف نغمات مختلفة على نفس الوتر.. ومثل هذا الحكم يمكن أن نطلقه أيضاً على أسلوبية القاص في تصوير العبور من الواقع إلى الحلم أو العكس، عبر المرآة المشروخة أو السليمة، فقد لجأ المؤلف إلى هذه الأسلوبية الفنية في قصتين هما (جنون) و(ملامح)...
لقد أراد سقيرق أن يؤكد لنا أن فلسطين ما تزال محفورة في ذاكرة الوطن العربي، وأن استعادتها لم تدخل في ملكوت المستحيل بعد، في نظر معظم أبنائه... وربما يكون قد لجأ إلى التكرار، آنف الذكر، لكي يُشرك قارئه بالاعتقاد معه أن هذه الذاكرة التي تمتد أبعادها في وجدان كل عربي وعقله، هي ذاكرة ما تزال حية، وأن فلسطين ما تزال تنبض أملاً واعداً في تلك الذاكرة، ولكن هل يشفع شرف الفكرة أو المقولة التي يريد إيصالها المؤلف لتهاونه في صياغتها الفنية؟
ولعل مما يؤخذ على المجموعة من الناحية الفنية أيضاً، تلك السهولة اللاواقعية لانتصار الفلسطيني في الكثير من القصص على عدوه.. ووصفُ سهولة انتصاره المتخيَل، في قصص المجموعة، باللاواقعية ينبثق من التناقض بين تلك السهولة المتخيَلَََة والواقع الذي نعرفه جميعاً، والذي يؤكد لنا أن الفلسطيني قد دفع ثمناً باهظاً جداً لكل انتصار حققه على عدوه.. وهذا وضع طبيعي تماماً، لا يعيب الفلسطيني أو يسيء إليه، حين نعاينه من زاوية عدم التكافؤ الصارخ بين الفلسطيني وعدوه، سواء في حجم الأسلحة التي يمتلكها كل منهما، أو في نوعيتها. بل تغدو صعوبة انتصار الفلسطيني، في ظل عدم التكافؤ هذا، مدعاة لفخره، الأمر الذي يدعو إلى سؤال سقيرق عن سبب لجوئه إلى الإيحاء بسهولة انتصار بطله الفلسطيني، في بعض قصص مجموعته..
أما لغة القصّ، فنلاحظ فيها جنوحاً واضحاً إلى الجملة الشعرية التي تسللت إلى صياغة قصص سقيرق من كونه شاعراً، في الأصل.. في رأي البعض، لا تُعدُّ هذه الخاصية عيباً في فن القص، إذ لا ضير، في نظر أصحاب هذا الرأي، أن تكون القصةُ القصيرة قصةً قصيدة، بل يذهب هؤلاء إلى أبعد من ذلك فيرون أن الجملة الشعرية الجميلة للمؤلف، قد تساعد في حمل القارئ على أشرعة التخييل التي ينشرها المؤلف، لنبحر معه نحو عوالم الغرابة التي رسمها بجمل شعرية غالبا...
لكن، وفي رأي آخرين، لا يبدو تماهي الحدود الفاصلة بين الأنواع الأدبية مقبولاً، بل يُعدُّ عيباً فنياً، يُضعف فنية القصة، بقدر ما تكون بنيتها مثقلة بالجمل الشعرية، تماماً كما تضعُفُ قدرةُ القصيدة على التأثير، كلما كانت بنيتُها مثقلةً بلغة القص وأدواته.
وفي إطار الحديث عن لغة القصّ أيضاً، قد يكون من المفيد الإشارة إلى اعتماد المؤلف على تتالي الأفعال، لتحريك الحدث القصصي، مع الحفاظ على كثافة الدلالة وقوة الإيحاء.. فغالباً ما يبتعد سقيرق عن الوصف والشرح اللذين يؤديان إلى ترهل سيرورة الحدث وبطئه، ومن ثم إلى إملال القارئ...
في الختام، يمكن القول: إن هذه القصص تحاول التغلغل فينا، ليس فقط بوصفها صيحة أمل وإصرار على العودة إلى وطن يصر كثيرون، في يأس راهننا، على أنه لن يعود؛ بل لأن هذه الصيحة تحاول ملامسة أسماعنا ودخول قلوبنا واختراق لامبالاتنا، بفنيةٍ غرائبية، لكنها صادقة...

[/align]
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس