عرض مشاركة واحدة
قديم 20 / 12 / 2007, 36 : 06 AM   رقم المشاركة : [1]
د.محمد شادي كسكين
طبيب أسنان - شاعر وأديب - مشرف منتدى السويد - الفعاليات الإنسانية والمركز الافتراضي لإبداع الراحلين

 الصورة الرمزية د.محمد شادي كسكين
 




د.محمد شادي كسكين is just really niceد.محمد شادي كسكين is just really niceد.محمد شادي كسكين is just really niceد.محمد شادي كسكين is just really nice

الغنائية في مسافات د . شادي كسكين / للناقدة.بهيجة مصري إدلبي

الغنائية
في مسافات د . شادي كسكين

الغنائية سمة متأصلة في الشعر العربي ، وهي سمة متصلة بانفعالات الشاعر وأحاسيسه ، من خلال تفاعل تلك الموضوعات في ذاته ، معبرة عن حزنه و فرحه ووحدته وكآبته وانطوائه ووجوده ...
ولا نريد الخوض بتفصيلات حول موضوع الغنائية وعلاقتها بالدرامية والملحمية ، خاصة في القصيدة الحديثة ، حيث اختلف المفهوم الغنائي عما كان عليه في القديم ، أي لم تعد هناك الغنائية الصافية ، التي تنطلق من مفهوم / تغن بالشعر إما أنت قائلة / إن الغناء لهذا الشعر مضمار / بل أصبحت الغنائية في القصيدة الحديثة تتداخل مع أجناس أخرى ، مما دعا الدكتور خليل الموسى أن يسمي هذا النمط من القصائد التي تنسجم فيه تلك العناصر مع عناصر الشعر / الغنائية بالقصيدة المتكاملة .
ونحن في مسافات د . شادي كسكين سنقف عند العناصر الغنائية التي تقترب من الصفاء الغنائي أي تكتفي القصيدة بخطاب الذات ، وكشف أبعادها ، وأحزانها ، وآلامها ، وأفراحها ، وأتراحها ، وأسرارها ، من خلال بوح رومانسي ، يلف القصيدة كلها لتصبح غناء الذات للذات ، وبوح الحزن المتشكل في الذات إليها .
لقد عنون القصيدة بـ / مسافات / حيث تأخذ المسافات أبعادها ، في الحيز المكاني / والحيز الزماني، مما يحيلنا إلى أن القصيدة ستنحو منحى آخر ، بعيدا عن الغنائية الصافية، لكن الشاعر يحافظ على العناصر الغنائية في قصيدته ، من وضوح ، وإيقاع منساب ، تشكله تفعيلة الوافر / مفاعلتن / .
ولعل ما يؤخذ على الغنائية من مآخذ المباشرة والخطابية ، إنما مرده إلى الخلط في العنصر المشترك بينهما وهو الوضوح ، حيث الوضوح في الغنائية إنما هو وضوح فني كما هو الغموض الفني ، أما المباشرة فتختلف اختلافا كليا عن هذا المفهوم .
وقصيدة مسافات إنما تنطوي في هذا الإطار ، إطار الوضوح الفني ، ولعل ما يسم القصيدة في بنائيتها ، وتشكليها ، إنما هو الانسجام الهرموني بين الإيقاع الخارجي ، والجرس الموسيقي ،ـ وبين الإيقاع الداخلي والجرس النفسي ، الذي يحاول د . شادي كسكين أن يوافق بين هذين الإيقاعين في جسد واحد .
ولعله عندما عنونها / مسافات / خلق حالة من تآلف الأبعاد الموضوعية ، مع مسافات روحه وقلقه وحبه ، فإذا بالقصيدة تمتد في الذات كما تمتد الذات في العالم ، وهنا إشارة إلى هذا التواجد في العالم من خلال البوح الذاتي ، وهذا الأمر لم يؤثر على صفاء الغنائية عنده ، بل أضفى عليها انسجاما آخر سعى إليه الدكتور كسكين في قصيدته ، لتتسع المسافات التي تتحرك فيها الذات مع القصيدة .
ونلاحظ أن الشاعر في المقطع الأول ، قد أ وجز حالته النفسية ووجده الروحي ، فإذا به يقدم صورة مختصرة بمعالم شاملة عن مدى تأثره ووطأة الفراق الذي يعانيه ، ومدى تلقيه للأشياء بشكل مختلف عما ألفناه ،فهو يغمض جفنيه ليسهر دونما قمر ، ويرحل دونما سفر ، وكأن الأشياء دخلت مع الشاعر مسافات ألمه ، التي تحاصره من كل صوب وحدب :
وها أنذا
وطيفك لا يفارقني ..
وحيدا مثل أحجية
أراقب عبر نافذتي
مسافات
وأسوارا تحاصرني
فأغمض دونها جفني
وأسهر دونما قمر
وأرحل دونما سفر ...
وكما أر ى أن هذا المقطع من القصيدة ، قد وصّف حالة الشاعر كاملة ، حيث نستطيع أن ندرك أبعاد ألمه ومعاناته ، من خلال الوقوف عند كلماتها وصورها فلم يبق من الحبيبة سوى الطيف ، وهنا تأتي كلمة / وحيدا / لتفصح عن صورة الغربة النفسية التي يعانيها خاصة وأن هذه الوحدة إنما تتشكل في حالة من الغموض التي لا يعرف الشاعر لها مخرجا ، وهو يراقب تلك المسافات والأسوار التي تحاصره، وبمقولة المسافات والأسوار ، يمكن أن نتنبأ بما سيأتي من تفصيلا ت في القصيدة ، حيث يجد الشاعر نفسه ، بحاجة إلى البوح أكثر ، والتفصيل بمعاناته ، فيعود إلى رسم صورته بشكل دقيق ليفضي لنا بتلك المعاناة التي يعانيها في رحلته مع الحب ،لأن هذا التفصيل إنما يمنحه حالة من الراحة ، آملا أن يدرك القارئ حجم المعاناة التي يعانيها ، ولعله بهذا الإفراغ النفسي ، إنما يريح النفس من أحزانها ، ويطبطب على الروح لتهدأ :
كتبت إليك آهاتي
على ترتيلة الأرق
وحبر الدمع من قلقي
...
...
خذيني مثل أغنية
على أرجوحة القدر
وعندما وجد نفسه في حالة الغربة التي يعانيها ، وحالة الوحدة التي لا يستطيع حل ألغازها ، ولم يستطع أن يشكل الصورة التي يتمنى ، لتكون رسوله إلى القارئ ، فيشاركه تلك المعاناة ، دخل في نزيف نفسي آخر أيقظ في نفسه ذلك الشجن الإنساني والعلاقة مع العالم لكن ذلك كله من خلال الإطار الذاتي ، حيث يحافظ الشاعر على صفاء الغنائية في ذاته ، فإذا به يقرأ أناه في إطار العالم ويفسر العالم من خلال هذه الأنا :
أنا لحظات من ماتوا بلا سبب
ومن عاشوا بلا سبب
أنا والدهر في حرب
فما عتبي على دهري
إذا ما زادني أرقا
إذا ما عشت في خطر
وهنا ندرك تلك العلاقة بين الشاعر و بين الزمن إنه في صراع دائم مع الزمن مع وجوده ، فإذا به كتاب تجلت فيه الأشياء بأحزانها ، بأسرارها ، بصراخها ، النازف ، أسى ، وألما ، إنه الأشياء ،والأشياء تنحل في أناه ، لذلك يصرح في نهاية القصيدة
سأصرخ يا أنا ... يكفي
القصيدة بوح شجي حزين محفوف بالشفافية المفضية إلى أعماق الذات ، وأسرارها ، إنها مسافات إلى النفس ، إلى العالم ، يكشف الشاعر من خلالها أبعاد الحزن في ذاته وأناه ، بل يكشف أسرار الحزن في العالم من خلال تجلي الحزن في ذاته الذي أيقظ في النفس غربتها ووحدتها ووجدها وحنينها إلى الخلاص .

بهيجة مصري إدلبي
_________________
شاعرة وروائية وناقدة ـ سورية


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
د.محمد شادي كسكين غير متصل   رد مع اقتباس