رجاءً لاتقتلوا الشِّعرــــ نصيرة تختوخ
كثيرا ما يسأل الشاعر عن تجربتة الشعرية وعن أمور أخرى متعلقة بميلاد قصائده أو نظرته الاستثنائية لحركتي الشعر والأدب. لايُسأل القارئ عن تجربته منذ بدأ يقرأ الشعر متعمدا كمن يشتري تذكرة بمحض إرادته لحضور عرض ما أو زيارة رواق فني أو متحف.
أحب أن أجيب على السؤال المتخيَّل لأسجل موقفي وأقول بعد سنوات وأنا أعود إلى مذكراتي:'' في ذلك العمر هكذا كنت أنظر للشعر '' بكل ما قد يحدث أو لايحدث من تأثر .
أدخل القصيدة بحياد تام وأحيانا بنِيَّةٍ مبيّتة للبحث عن الإنسان الداخلي في ديوان شاعر، ذلك الواقع بين الكائنات والزمن ومن تتناسل حوله التفاصيل بشكل حيوي متشابك يدخله هو فيصير مشتغلا متصرفا بكيميائه على ماتجمَّع بداخله وعلى مَلامس حواسه.
حالة الحياد تُسقط التورط في الأحكام السريعة المرتبطة بمخزون ثقافي ما وتفتح المجال للاقتراب من أبعاد أخرى يعطيها الشاعر للكلمات وهو يحررها من بعض دلالاتها ويضيء ميزات لها على حساب بهتان معانٍ لها أيضا. المقصود رغم غنى اللغة قد تناسبه كلمةٌ بذاتها تُسْعِفُ إن انتبهنا لمرونتها في التحول وثمَّنا دورها الذي بفضله لم يتحجر طريق الكلام.
من نكون عندما نُجَرِّم الأحلام أو أيَّ تراءٍ يأتي على عكس توقعاتنا أو أعرافنا غير متقوقعينَ يتعذر عليهم التصالح والتسامح والتقبل. في الشعر تلبس الكلمات نسقها الآخر الذي لم يُفَصِّلْهُ التاريخ أو يحتم الواقع إطاره وتكون الكلمات مع إرادة الشاعر حليفته.
أُصادف في القصائد الأمكنة التي لاتستعمل أذرعها إلاَّ من أجل العموم. تلك التي تفتح للشاعر شوارعها ، شققها، موسيقاها والممرات وتتفرج عليه. لاتقرع إيقاعها بإيقاعه فتقول له صامتة: '' كن غريبا ''.
أرى جوع الاحتواء النحيلٌ الحادُّ الأصابع، العميق الإصرار، يمشي على خيوط روح الشاعر ويَشُدُّها بِرِقَّةٍ لامرئية، محسوسة، مؤلمة كسريان ضياع لاينادي عليه أَيُّ اتجاه. ويتراءى لي في القصائد يتحرك ،مع الحطام والرغبة، في اللغة. أستوعب مايجعل كُلاًّ يتحرك بكونه وكونا يحاصر كائنا بفراغ الغموض. أدخل حالات مختلفة من الانسجام والارتباك وأحيانا خوف واقفةٍ على حافة قصيدة.
علاقة الشعراء بقصائدهم علاقة قد تختلف عن علاقة القارئ بها ومع ذلك قد يتوحد وجودهم في قصيدة لشبه إنساني عميق أو لغز محير في الظروف.
في الشعر قدرته على منح الحب وتقريب الإنسان من الإنسان ومساحة الفعل من القول. فيه جمال الألم الذي يقوم لينحت الأحداث والحالات وفيه حرية صاحبه وواقع جديد في حيز زمني تفتحه القصيدة. له رهاناته ومن الطبيعي أن تكون على شكله النهائي مؤاخذات أو ملاحظات لكن غير الطبيعي أن يدفع به عديمو الموهبة إلى الهاوية.
''رجاءً لاتخلقوا للشعر أعداءً، رجاءً لاتقتلوا الشعر '' أقولها في نفسي عندما يختلط الطموح والاستستهال بالفوضى المؤدية إلى الانحدار و الإساءة عوض التحديث والإرتقاء.
Nassira 25-3-2014
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|